تباينت ردود الأفعال الدولية والقوى الإقليمية تجاه تشكيل السعودية بصورة مفاجئة التحالف الإسلامي، الذي أعلنت عنه الأسبوع الماضي بانضمام 34 دولة لمحاربة الإرهاب، فبدءًا من أمريكا التي سارعت في الإعلان عن ترحيبها بهذا القرار، معتبرة أنه خطوة مهمة للقضاء على الإرهاب، فضلًا عن تغطية بعض الصحف الغربية وتعليقاتها المرحبة بالتحالف، مرورًا بتصريحات القيادة الروسية وإعلامها الذين كان لهم رد فعل مختلف، منتظرين معلومات أكثر دقة عن تشكيله وهدفه وبرنامجه منتقدين في بعض الأحيان تشكيله، فيما كانت قوى عظمى أخرى مثل الصين محايدة وأبدت ترحيب يرافقه تحذير من قِبَل الصحافة الصينية حول أهداف هذا التحالف. التحالف بعيون أمريكية قبل أيام وتحديدًا مع نهاية نوفمبر، خرج السناتوران الأمريكيان جون ماكين وليندسي جراهام من بغداد، وأكدا ضرورة توفير قوة من 100 ألف جندي معظمهم من «الدول السُنية» لقتال تنظيم داعش، هذه التصريحات أوردتها أكثر من صحيفة أمريكية، أكدت أنها سبقت إعلان السعودية عن تشكيل هذا التحالف، مؤكدة أن هناك رغبة أمريكية بالفعل في دخول بعض القوات العربية والإسلامية حربًا برية ضد التنظيمات الإرهابية. وسارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالترحيب بعد ساعات قليلة من تشكيل التحالف، وقال وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر: التحالف الذي تقوده السعودية يتماشى مع دعوات الولاياتالمتحدة لدور سُني أكبر في قتال داعش. وكتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في صفحاتها الأولى أن «تشكيل هذا التحالف يعكس سياسة جديدة تنتهجها المملكة للتصدي للإرهاب، مؤكدة أن هذا التحالف أتى بعد انتقادات الولاياتالمتحدة ودول أوروبية لسلطات الرياض، بعدم فعل ما يكفي لمحاربة الإرهاب»، بينما تناولت صحف أمريكية أخرى هذا التحالف بشكل مختلف حيث عززت من تنامي الصراع السُني الشيعي في المنطقة، وسلطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الضوء على التحالف الإسلامي، مؤكدة أنه يعزز مكانة السعودية في قيادتها للعالم الإسلامي السُني ضد النفوذ الشيعي بالمنطقة، ووصفت الصحيفة إعلان وزير الدفاع، ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن التحالف بالخطاب النادر. وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية، برئاسة أوباما، دعت مرارًا وتكرارًا جميع الشركاء في الحرب ضد الإرهاب لزيادة جهودهم، لافتة إلى أن إدارة أوباما رحبت بالتحالف الجديد، وأكدت الرياض أنها لا تقصد من إعلان التحالف الجديد أن تحل محل الولاياتالمتحدة في التحالف الذي تقوده ضد داعش. وفي تناول آخر لصحيفة واشنطن بوست أكدت فيه أنّ السعودية تحاول إرضاء الدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، عبر إعلانها عن تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، مضيفة أن هذا التحالف ليس حلفًا عربيًّا لمكافحة الإرهاب، كما يُروّج له، وإنما هو أداة إضافية لتجسيد مصالح بلدان معينة، وأنه جاء على الأرجح لامتصاص انتقادات غربية تتهم العالم الإسلامي بالتقصير في مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف. كيف يرى الدب الروسي تشكيل التحالف؟ في الوقت الذي رحبت فيه الإدارة الأمريكية وإعلامها بهذا التحالف، مؤكدة أنه يأتي في سياق المطالب الغربية بإشراك أكثر في فعالية محاربة الإرهاب، كانت لروسيا وخطابها الإعلامي رؤية مختلفة، فبعد الإعلان عن تشكيل السعودية عن هذا التحالف خرجت الإدارة الروسية صراحة، لتعلن أنها تحتاج إلى بعض الوقت لتحليل التفاصيل المتعلقة بأهداف هذا التحالف وقوام المشاركين فيه وأنشطته المحتملة. هذا التعليق الروسي الذي اعتبره البعض مناهضًا للتحالف، لم يأتِ من فراغ فتشكيل هذا التحالف يأتي في وقت تتصادم فيه موسكو مع أنقرة، واستشهد بعض المحللين الروس بالتاريخ في مقارنة مع التحالفات القديمة التي كانت موجهة ضد روسيا في مطلع الثمانينيات خلال القرن الماضي، حيث تم تكوين تحالف لمواجهة التدخل السوفيتي في أفغانستان، وكانت أمريكا هي من دعت إليه وقادته دوليًّا، وكانت السعودية عموده الرئيس إقليميًّا، وبمنظور روسي هذا التحالف كان له أثر سلبي على الدول العربية والإسلامية، حيث ساعد على دخول الإرهاب في المنطقة، فبعد سنوات من كون القضية الفلسطينية مصدر إلهام النضال العربي، أصبحت أفغانستان مصدر فخر لما عرف في وقتها ب«الجهاد الإسلامي» ضد روسيا. وبعيدًا عن المواجهة مع روسيا كان لقناة «روسيا اليوم» تعليقًا آخر، حيث أشارت إلى أن هذا التحالف يأتي في إطار «التنافس السياسي والصراع السعودي الإيراني القائم، في وقت تتلاعب فيه أمريكا في المنطقة العربية»، مؤكدة: «يأتي هذا التحالف تمريرًا لسياسات أمريكية من شأنها إشعال الفتن المذهبية، ودفعها لصدام سعودي إيراني، بعد أيام من دعوة كيري لدول عربية لمواجهة برية لداعش»، متسائلة هل بهذا التحالف ستجر الولاياتالمتحدة السعودية وتحالفها الجديد إلى مواجهة مع عدوها إيران؟ ردت صحيفة «كوميرسانت» الروسية على هذا السؤال بطريقة غير مباشرة، موضحة أن الإعلان عن تشكيل ائتلاف ثالث لمحاربة «داعش» بزعامة السعودية، الهدف منه الوقوف بوجه إيران في المنطقة، وذهبت الصحيفة إلى أكثر من ذلك، مؤكدة أنه قد يكون الهدف منه تنفيذ مشروع جديد للصدام مع موسكو وتعقيد مهمتها في محاربة «داعش». يقول مدير معهد الدين والسياسة ألكسندر ايغناتينكو، في تعليقه للصحيفة الروسية: هذا الائتلاف شكلي، وأن دولتين أو ثلاث دول فقط من مجموع ال34 دولة المنضمة إليه سيكون لها دور نشط، أما البقية فمشاركتها رمزية، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي للائتلاف ليس محاربة «داعش» بل مواجهة إيران والمجموعات الموالية لها في الشرق الأوسط. ولفهم دوافع إنشاء هذا الائتلاف الإسلامي من المهم حسب قوله أن نعرف ما هو مفهوم الإرهاب عند القيادة السعودية، وأضاف ايغناتينكو: قدمت السعودية، قبيل انعقاد المرحلة الجديدة من المفاوضات بشأن تسوية الأزمة السورية، قائمة بالمجموعات التي تعتبرها إرهابية، ما يتطابق تقريبًا مع التنظيمات الشيعية الناشطة في المنطقة ومن بينها حزب الله، الذي يساند الجيش السوري مع إيران، وليس هناك رأي موحد في العالم بشأن اعتبار هذا الحزب منظمة إرهابية أم لا، لكن الرياض تصر على اعتباره منظمة إرهابية، مؤكدًا أن تشكيل هذا الائتلاف هو الخطوة الأولى لحشد الدول السُنية ضد إيران والمجموعات الموالية لها في الشرق الأوسط. البروفيسور غريغوري كوساتش، من الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، يؤيد رؤية ايغناتينكو، لكن يضيف شيئًا آخر قائلًا: من الصعوبة اعتبار إنشاء هذا الائتلاف أمرًا مريحًا لموسكو؛ لأنه سيعقد تنفيذ مهامها في مكافحة «داعش» أي أنه موجه عمليًّا ضد إيرانوروسيا اللتين تجمعهما علاقات متينة. قراءة صينية مختلفة على الرغم من ابتعاد الصين وعدم انخراطها في أزمات الشرق الأوسط التي تعاني منها المنطقة منذ فترة، إلَّا أنها معنية بصورة ليست بالقليلة بالتغييرات، لاسيما أنها تعد من الدول الكبرى التي تأمل في صعود وتمدد نفوذها في العالم. وفي السياق ذاته، لاقت خطوة السعودية بتشكيل التحالف الإسلامي ترحيبًا صينيًّا رسميًّا، بينما حذرت وسائل إعلام بكين من أنه قد يعمل على التقسيم الطائفي، وقد يبتعد عن هدفه المحدد وهو محاربة الإرهاب. وفي تحليل إخباري لوكالة شينخوا الصينية، أكدت فيه أن هناك تباينًا في آراء الخبراء حول فرص نجاح التحالف الإسلامي في مواجهة الجماعات الإرهابية، حيث رأى فريق أنه إذا توافرت «الإرادة السياسية» لدى دول التحالف وتكاتفت فإنه سينجح في مهمته، في حين قال آخرون: لا فرص على الإطلاق لنجاح التحالف؛ لأسباب عدة. ونقلت شينخوا عن خبراء عسكريين قولهم: فرص تحقيق التحالف نجاحًا عسكريًّا «غير موجودة إطلاقًا» وأن ما تم الإعلان عنه من جانب السعودية لا يرتقي إلى درجة تحالف، ولا تتوافر فيه أي سمة من سمات التحالف سوى الاسم، حيث لا توجد قيادة أو أجهزة للتحالف المعلن، مضيفين أن التحالف يضم دولًا غير منسجمة، وهناك تعارض في سياساتها مثل مصر من جانب وقطر وتركيا من جانب آخر. وتابعت الوكالة أن الهدف المعلن للتحالف هو مواجهة الإرهاب، بينما لا يضم الدول التي تحارب الإرهاب مثل سوريا والعراق، كما أن بعض الدول التي أعلن عن اشتراكها بالتحالف نفت ذلك، مثل لبنان والجابون، ونقلت عن خبير عسكري قوله: السعودية هدفت من وراء الإعلان عن هذا الحلف إلى السعي لمكانة إقليمية متميزة، والاستجابة إلى أمريكا التي دفعت المملكة نحو تشكيل هذا الحلف. وأكد وو بينغ بينغ، خبير صيني متخصص في شؤون الشرق الأوسط، أكد خلال تصريحات لصحيفة الشعب الصينية أن هذا التحالف أمر إيجابي، لكنه من الضروري جعل التحالف الإسلامي العسكري أكثر شمولية وتمثيلًا، إذ أنه يتم تشكيله على أساس ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، وميثاق الأممالمتحدة والمواثيق الدولية الأخرى الرامية إلى القضاء على الإرهاب، قائلًا: يجب التضامن مع كل من يمكن التضامن معه لحشد القوى في العالم الإسلامي «في إشارة إلى دول عربية وإسلامية لم تشارك».