مرة أخرى تعيد الحكومة سياسات نظام مبارك في تعاملها مع الملف الاقتصادي، والتي تعتمد على القروض والمعونات، في ظل غياب الرؤية وعدم وجود أفكار وخطط لتطوير الاقتصاد المصري، الذي يعاني من سلسلة من الأزمات والمشاكل منذ عدة سنوات. ويأتي قرض البنك الدولي الذي طلبته مصر؛ ليعزز هذه السياسات التي تزيد من الأسعار، وتحمل الفقراء أعباء لا يطيقونها، ويرى البعض أن تلك السياسيات عبثية، وستنهي إلى نفق مظلم من الديون والمشاكل الاقتصادية. قالت الحكومة في بيان لها منذ عدة أيام إن مصر تتفاوض على قرض حجمه 3 مليارات دولار من البنك الدولي؛ لتخفيف نقص العملة الصعبة. وإنها اتخذت سلسلة إجراءات؛ للتغلب على نقص النقد الأجنبي، الذي يصيب بالشلل نشاط الاستيراد، ويضر بالاستثمار الأجنبي، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لإعادة بناء اقتصادها. وفي وقت سابق أعلنت الحكومة أنها ستحصل على قروض جديدة قيمتها 1.5 مليار دولار من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وأنها تتوقع جمع 2.5 مليار دولار من بيع أراضٍ للمصريين في الخارج. وأكد وزير المالية هاني قدري دميان أن مصر ستحصل على قرض الثلاثة مليارات دولار من البنك الدولي على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة. وأوضحت الحكومة في بيان لاحق أن المفاوضات جارية بشأن القرض. يضع البنك الدولي عادة شروط تتعلق بالسياسات الاقتصادية بالدول التي تحصل على قروض منه، أغلبها تتعلق بإجراءات تقشفية تؤثر في المقام الأول على الفقراء قبل غيرهم، وهو ما أشار إليه الدكتور فخري الفقي، المدير السابق بصندوق النقد الدولي وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في تصريح صحفي، بأن الصندوق يشترط تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي، ما يعني رفع أسعار السلع والخدمات وأسعار الطاقة، وهو ما يتحمله المواطن المصري البسيط والأجيال المقبلة، حسبما أكد محللون اقتصاديون. وهناك ضغوط شديدة على احتياطي مصر من النقد الأجنبي من ثلاث جهات، الأولى سداد الديون المستحقة وأقساطها لنادي باريس ودول الخليج وشركات النفط والغاز العالمية، والثانية تغطية قيمة واردات البلاد التي تزيد على 60 مليار دولار سنوياً، والثالثة سداد قيمة صفقات شراء السلاح الجديدة، مثل صفقة رافال الفرنسية البالغة 6.2 مليارات دولار، وسفينتي ميسترال بقيمة 1.2 مليار دولار وغيرهما من صفقات روسية. مصر من أكبر 10 دول تحصل على قروض في العالم ووفقًا لإحصائيات البنك الدولي في تقريره السنوي الصادر لعام 2015 فإن مصر في قائمة أكبر عشر دول تحصل على قروض من البنك، حيث حصلت مصر على قرضين كبيرين: الأول للإسكان بقيمة 500 مليون دولار، والثانى بقيمة 400 مليون دولار لشبكة الأمان الاجتماعي، إلى جانب قرض ثالث لزيادة سبل الحصول على الغاز الطبيعي. ويضاف إلى القروض السابقة القرض الذي وقعه البنك يوم 4 أكتوبر الماضي مع مصر بقيمة 550 مليون دولار، والذي أعلن أن الهدف منه تحسين خدمات الصرف الصحي، وأخيرًا القرض الذي وافق عليه البنك أمس الخميس بقيمة 3 مليارات دولار؛ بهدف سد عجز الموازنة. وعلى الرغم من الإعلان عن القرض الأخير، إلا أن عددًا من الاقتصاديين أكدوا وجود خلل في الإعلان عنه؛ فالبنك الدولي لا يقدم قروضًا لإصلاح أو لدعم ميزانيات الدول، ولا يقدم قروضًا لمساندة العملة الوطنية، مضيفين أن البنك يقدم فقط قروضًا لمشروعات بشروط دقيقة. الفقراء هم من يدفعون الثمن وأشارت إحصائية، نقلها جهاز الإحصاء المصري، كشفت أن المصريين يعيشون على 1.3 دولار، وأن 4 ملايين مصري يعانون الفقر بكافة صوره. وكانت مصر قد رفضت شروطًا وضعها البنك الدولي من أجل قروض مشابهة عام 2011، وعلق حينها هشام رامز، نائب محافظ البنك المركزي آنذاك، قائلاً "لن نتلقى بالقطع تعليمات من أي جهة، سنضع البرنامج الذي نراه في صالح مصر، لن نتلقى أي تعليمات". فيما قالت الدكتورة بسنت فهمي، الخبير المصرفي، إن الدولة بلا رؤية اقتصادية، وتعاني من حالة تخبط، ساعدت في تدهور وضع الاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن سياسات الاقتراض ستأتي بالسلب على الفقراء ومعدومي الدخل؛ حيث إن سلسلة القروض التي أعلنت عنها الدولة ستزيد من التضخم والدين الداخلي والخارجي أيضًا، وهذا سينتج عنه زيادة في الأسعار والسلع. وأضافت فهمي أن الدين المصري وصل لأعلى مستوى له منذ عدة أسابيع، وهذا ناقوس خطر لأزمة ستعصف بالاقتصاد المصري.