بدأت أعراض "تخمة القروض" تظهر على الحكومة المصرية في الآونة الحالية، وبرغم مفعولها السريع في علاج الأزمات الاقتصادية إلا أن مردودها قصير الأجل سرعان ما ينتهي، لتبدأ بعد ذلك الحكومة في تسديد فاتورتها الباهظة وهو ما يأتي على حساب الأجيال القادمة، إذا لم تسارع الإدارة الحالية بالاستخدام الأمثل لتلك القروض لعلاج جذري للأزمات الاقتصادية المستعصية وليس عبر المسكنات الوقتية. فقد حصلت الحكومة المصرية منذ وصول الرئيس محمد مرسي لسدة الحكم على قروض وودائع بلغت قيمتها 5.75 مليار دولار موزعة كالتالي ملياري دولار قرض من تركيا، وملياري دولار وديعة قطرية بالبنك المركزي، فضلا عن 500 مليون دولار وديعة من السعودية، وأخيراً قرض البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية البالغ 1.25 مليار دولار، ويأتي هذا بالتزامن مع المفاوضات المهمة التي بدأتها الحكومة يوم الثلاثاء الماضي مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. ولا ننسى بجانب هذا، الأنباء التي تواترت مؤخراً بشأن تقدم الحكومة المصرية بطلب إلى نظيرتها الجزائرية للحصول على قرض بملياري دولار، خلال الزيارة التي قام بها الدكتور هشام قنديل مؤخراً للجزائر، وهو ما نفاه مجلس الوزراء في بيان له، مؤكداً أن الحكومة المصرية لم تتقدم بمثل هذا الطلب، موضحاً أن التعاون الجزائري - المصري في المجال الاقتصادي سيكون له مردود إيجابي في المستقبل القريب ويعود بالنفع والفائدة على الطرفين. مردود القروض تختلف طبيعة استخدامات تلك القروض فمنها مخصص للحفاظ على قيمة الجنيه المصري من التدني أمام الدولار، الأمر الذي يكبح تنامي مستويات الميول التضخمية لكي لا يشعر المواطن بفروق شاسعة في الأسعار لاسيما المواد الغذائية، أو التركيز على خفض العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة الذي بلغ 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وذلك دون إعاقة لعجلة النمو الاقتصادي بالإضافة إلى تقليص البطالة المتفشية بين الشبان، والحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية. كما تعتبر القروض إحدى الطرق لإنعاش النشاط الاقتصادي في الأجل القصير، لاسيما العمل على تنويع مصادر الدين للدولة بدلاً من الاعتماد على الداخل فقط بعدما وصلت أسعار الفائدة على أذون الخزانة المصرية لمستويات قياسية تخطت 16%، ما دفع الحكومة إلى مزاحمة القطاع الخاص في الحصول على القروض، وتفاقم الدين المحلي الذي تخطى حاجز الأمان ببلوغه التريليون جنيه؛ نظرا لقيام البنوك بإقراض الحكومة طمعاً في فائدة الأذون المرتفعة والمضمونة،خاصة إذا ما قورنت بمستويات أسعار الفائدة على الإقراض للمستثمرين والقطاع الخاص علاوة على تزايد عدم اليقين والمخاطرة، علماً بأن الحكومة المصرية تقترض نحو ملياري دولار شهرياً من البنوك المحلية مما يقلل التمويل المتاح للقطاع الخاص. ولاكتمال منظومة الانتعاش والاستفادة من القروض للاقتصاد يحتاج الأمر إلى تعزيز الصادرات المصرية وهو ما يتطلب خفض في قيمة العملة المحلية (الجنيه المصري)، المتداول حالياً بأكثر من قيمته الفعلية بنحو 40 في المئة، وتعتبر هذه المسألة حساسة للغاية، وقد قال الرئيس المصري محمد مرسي في شأنها :"إن خفض قيمة الجنيه أمر غير وارد"، خوفاً من عودة الاحتجاجات الشعبية ما قد ينعكس بدوره على تطفيش السائحين والمستثمرين الأجانب مجدداً، كلاهما مصدر رئيسي للعملة الأجنبية في البلاد، وهو ما يضغط على قيمة الجنيه ويسهم في اتساع عجز الميزانية. ويرى الخبراء أن خفض قيمة الجنيه تسهم بشكل كبير في تشجيع الصادرات المصرية لاسيما مع تعزيز الإنتاج الصناعي والخدمي، ما يسهم في وقف نزيف احتياطيات النقد الأجنبي. وتعكف الحكومة المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية على وضع برنامج اقتصادي مميز وتوفير الدعم السياسي والاجتماعي له استجابة ل "شروط" صندوق النقد الدولي بشأن القرض، وهو الأمر الذي نفاه الدكتور ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية مؤكداً أن القرض الذي قدمه صندوق النقد الدولي لا يرتبط بأى شروط. إلا أن بعض تلك الطلبات حساس للغاية فهو يرتبط بترشيد "الدعم" الذي يعد مسألة حساسة سياسياً يتطلب من الحكومة أن تكون أكثر انفتاحاً ووضوحاً بشأن نواياها لاسيما فيما يتعلق بالتخفيض التدريجي لدعم الطاقة الذي يذهب 60 في المئة منه إلى الأثرياء الذين يستطيعون إنفاق المزيد على منتجات الطاقة، فضلاً عن الاقتراحات بتوجيه الدعم للأسر المصرية الفقيرة من خلال تحويلات نقدية مباشرة أو كوبونات. وقد تعهدت الحكومة المصرية بإصلاح الدعم الذي يلتهم نحو ربع ميزانية الدولة لكنها لم توضح طريقة ذلك أو موعده. كما ينبغي على الحكومة أن تتصدى للتحديات التي تواجهها البلاد الآن، ومنها ما هو قصير الأجل ويتعلق بتعزيز متانة الميزان المالي وميزان المدفوعات، ومنها ما يتعلق بوضع أساس لتحفيز النشاط الاقتصادي في الأجل المتوسط لتوفير فرص العمل، فضلاً عن وضع أساس استرشادي للاقتصاد برؤية واضحة للنمو الشامل وتوفير فرص العمل مع مزيد من الشفافية وتكافؤ الفرص. وبحسب تقدير صندوق النقد إذا نفذت الحكومة الإجراءات اللازمة فستتمكن من خفض عجز الميزانية إلى عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية التي تنتهي في يونيو 2013، ويرى الصندوق أن مصر تحتاج لتخفيضات أخرى كبيرة في نسبة العجز في العام المالي 2013 - 2014 لتصبح الميزانية على مسار مستدام، ما يسهم في اطمئنان المستثمرين وتعزيز الثقة. وتهدف محادثات الصندوق للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام، ومن المتوقع أن يفضي الاتفاق إلى حصول مصر على تمويل آخر من مقرضين دوليين آخرين مثل البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي. قرض وملحقاته كشفت مصادر بصندوق النقد الدولي عن تجميد منحتين أوروبية وأمريكية بقيمة مليار دولار، كان من المقرر أن تحصل عليهما مصر ضمن شراكة ''دوفيل'' التي أطلقها الاتحاد الأوروبي والدول الثماني الكبرى لدعم دول الربيع العربي، انتظاراً لتوقيع القاهرة اتفاق حصولها على قرض من الصندوق. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن مصر لن يمكنها الاستفادة من قروض ومنح شراكة دوفيل، قبل توقيع اتفاقية الاقتراض من صندوق النقد الدولي. وأضاف المصدر أن مصر مازالت عاجزة عن تقديم ملف متكامل لإتمام قرض الصندوق، معتبراً أن برنامج الحكومة الإصلاحي لن يكون مقبولاً من الصندوق؛ لأن البرنامج لا يتضمن أي إجراءات والتزامات تنفيذية محددة، لافتًا إلى أن بإمكان الحكومة اتخاذ قرار سهل بإلغاء الدعم عن بنزين 95، دون أن يعترض عليه أحد، وقد يقبله الصندوق كبداية لخطة ترشيد وتقليص الدعم. من جانبه، حذر مسؤول حكومي مصري قريب من المفاوضات مع صندوق النقد من تباطؤ الحكومة في الحصول على قرض الصندوق لتفادي تزايد العجز وتآكل الأرصدة، مؤكداً أنه كان من الأنسب أن تحصل عليه الحكومة الانتقالية السابقة، واصفاً القرض بأنه شر لابد منه. وأوضح المسؤول أن المشاورات مع بعثة صندوق النقد ستستمر أسبوعين، في جولة وصفها بالفنية، تستعرض وتدرس تفصيلياً خلالها برنامج الحكومة للإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي في ثوبه الجديد بعد تعديله، ونفى وجود أي شروط غير معلنة للحصول على القرض من الصندوق. رحمة الاختلاف تتصدر الفتاوى بشأن قرض الصندوق الأوساط الإعلامية المختلفة، فمنها من حلل الحصول على القرض باعتباره حسن يجر منفعة، مستنداً إلى أن الفوائد المترتبة عليه تعتبر من قبيل المصاريف الإدارية وهو ما يمثله الأزهر وأغلب الاقتصاديين، وفريق ثان رفضه من حيث المبدأ كونه قرضاً ربوياً صرفاً لا يجوز الخوض فيه بأي حال من الأحوال وهو الفريق الذي مثله السلفيون والمتشددون، والفريق الأخير فقد أقر في البداية بأن القرض "حلال" ثم سرعان ما غير رأيه في النهاية قائلاً :"إنه قرض ربوي وهو ما مثله الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، الذي تراجع عن فتواه بحلال القرض الذي تتفاوض عليه الحكومة بعد أن اكتشف أن القرض ستكون عليه فائدة وزيادة سنوية بقيمة ربع فى المائة والباقى فائدة وهو ما دفعه إلى القول بأنه قرض ربوي وحرام الحصول عليه شرعاً، وعلق برهامي على ذلك قائلاً :"إنه تراجع عن فتواه بخصوص القرض لأنه تم إمدادي بمعلومات ناقصة، عرفها فيما بعد من وزير المالية عندما تحدث عن تفاصيله".