باتت التغيرات المناخية أزمة تواجه العالم، سواء بارتفاع درجات الحرارة أو زيادة سقوط الأمطار، الأمر الذى يشكل مخاطر على الأراضي الزراعية وإمدادات المياه والأمن الغذائي، ولم يعد أمامنا سبيل سوى تطبيق العلم والأبحاث؛ لمواجهة الظاهرة. وشكلت إمكانية التوافق مع المستجدات المناخية ضرورة، خاصة في المجال الزراعي الذي يوفر الأمن الغذائي لسكان الكرة الأرضية بتطويع الموارد الطبيعية «المياه – التربة»، ووضع تراكيب محصوليه تواءم شح المياه والجفاف ودرجات الحرارة، سواء المرتفعة أو المنخفضة، بجانب استنباط أصناف جديدة من تقاوي تلائم المستجدات. ويعتبر بحث «التغيرات المناخية وآثارها على التنمية المستدامة في مصر» الذي أعده الدكتور سرحان سليمان، الباحث فى معهد بحوث الاقتصاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة، أحد الأبحاث التي ناقشت ظاهرة التغيرات المناخية وتأثيراتها على الأرض الزراعية وإنتاجية الفدان وموارد المياه في عام 2030. يوضح البحث أن التغيرات المناخية ظاهرة عالمية، ومن المتوقع أن تكون مصر إحدى الدول الأكثر تضرراً من الآثار الناجمة عن تغير المناخ، والمتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط سقوط الأمطار، وارتفاع مستويات مياه البحار، وازدياد تواتر الكوارث ذات الصلة بالمناخ، مما يشكل مخاطر على الأراضي الزراعية وإمدادات المياه والأمن الغذائي. ويعرض البحث ظاهرة التغيرات المناخية، وأسباب حدوثها، وأثرها على الأراضي الزراعية وإنتاجية أهم المحاصيل الزراعية والموارد المائية، والإنتاجية للعامل الزراعي وإنتاجية المحاصيل المختلفة، والسيناريوهات المتوقعة لتأثيرات التغيرات المناخية على المساحة المزروعة ولمحصوليه في مصر، واعتمد البحث على الأسلوب التحليلي الوصفي للوقوف على الوضع الحالي والتصور المستقبلي للتغيرات المناخية وأثارها على الزراعة المصرية، حتى عام 2030. نتائج البحث وتوصل البحث إلى احتمالية فقد بين 12- 15٪ من مساحة الأراضي الزراعية عالية الجودة في الإنتاج بمنطقة الدلتا؛ نتيجة للغرق أو التملح مع ارتفاع منسوب سطح البحر بحوالي نصف متر فقط، ومن المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية سلباً على إنتاجية المحاصيل الحقلية، وكذا نسبة الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل، ووضع البحث سيناريوهين للآثار الاقتصادية لهذه التغيرات حتى عام 2030، الأول، في حالة احتمال عدم غرق أي أجزاء من الدلتا، أما الثاني احتمال غرق نحو 15٪ من أراض الدلتا، مع افتراض ثبات "الكثافة المحصولية" عند 1.99 مليون فدان. وبحسب البحث، متوقع في حالة احتمال غرق نحو 15٪ من أراضي الدلتا بحلول عام 2030، انخفاض المساحة المزروعة بنحو 0.9 مليون فدان، بما يعادل 7.56٪ من المساحة المزروعة، أما في حالة عدم غرق أجزاء من الدلتا، ستنخفض المساحة المحصولية بنحو 1.406 مليون فدان، أي ما يعادل 6.25٪ من المساحة المحصولية، مقارنة بسيناريو عدم غرق أجزاء من الدلتا، وانخفاض الموارد المائية المتاحة بنحو 17.88 مليار متر مكعب، بما يعادل نحو 20٪ من الموارد المائية المتاحة في حالة عدم غرق أجزاء من الدلتا، وانخفاض نحو 9 مليارات متر مكعب، ما يعادل نحو 10.07٪ من الموارد المائية المتاحة في حالة عدم غرق أجزاء من الدلتا، وبالتالي من المتوقع في عام 2030، أن تؤثر التغيرات المناخية على المساحة المزروعة والمحصولية والموارد المائية. توصيات البحث ويوصى البحث بعدة نقاط أهمها، استنباط أصناف جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف، وهي الظروف التي ستكون سائدة تحت ظروف التغيرات المناخية، واستنباط أصناف جديدة موسم نموها قصير لتقليل الاحتياجات المائية اللازمة لها، بالإضافة إلى تغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة، وكذلك زراعة الأصناف المناسبة في المناطق المناخية المناسبة لها لزيادة العائد المحصولي من وحدة المياه لكل محصول، مثل زراعة أصناف من القمح تتحمل درجات الحرارة المرتفعة، ومقاومة للجفاف والزراعة في الميعاد المناسب مع التوزيع الجيد للأصناف على المناطق الجغرافية، إلى جانب التوسع في زراعة المحاصيل الشتوية الأخرى مثل العدس والفول البلدي، فمن المحتمل أن تمنع هذه الإجراءات الأثار السلبية المتوقعة أو على الأقل تحد من وطأة الآثار السلبية. كما أوصى أيضا بضرورة تقليل مساحة المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائي أو على الأقل عدم زيادة المساحة المقررة لها مثل الأرز وقصب السكر، وزراعة محاصيل بديلة تؤدي نفس الغرض، ويكون استهلاكها المائي وموسم نموها أقل، مثل زراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر، بالإضافة إلى تطبيق أساليب أفضل في إدارة الأراضي كتحسين تسميد التربة وإدارة المياه، ومكافحة التعرية، وحرث التربة لصيانتها، وغير ذلك مما يمكن للزراعة ان يكون لها دور رئيسي في امتصاص للكربون، كأحد العناصر التي ساهمت في حدوث التغيرات المناخية، بعدما بلغت كمية غازات الاحتباس الحراري في مصر نحو 197 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون في عام 2014. وأوصى البحث أيضا باستخدام نظم للري أكثر فاعلية وتوفير حماية أفضل للمناطق الساحلية والمزارع؛ من أجل التخفيف من آثار تغير المناخ، واستكمال النقص الشديد في البيانات والمعلومات المتاحة عن الأثار السلبية لتغير المناخ على القطاعات المختلفة للتنمية في مصر وبصفة خاصة قضية الهجرة الداخلية والخارجية، وإنشاء قاعدة بيانات كاملة تحدث باستمرار؛ لإتاحتها للدراسة، وتشجيع البحوث العلمية والتكنولوجيا في جميع القضايا المرتبطة بتغير المناخ، ووضع خطط محددة وتمويل واضح، وأخيرا الاهتمام بدراسات الأقلمة؛ لمعرفة الوسائل التي يمكن من خلالها التغلب أو على الأقل تخفيف حدة النقص في إنتاجية المحاصيل التي تأثرت سلبيا بهذه الظاهرة.