يحدث تغير المناخ نتيجة نشاط الإنسان الضار بالبيئة، من إنتاج صناعي وعوادم سيارات وقطع أشجار وأنشطة كثيرة تزيد من تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والأكسيد النتري وغيرها من الغازات الدفيئة في الجو، وإذا استمر هذا النشاط في انبعاثات الكربون، فإن درجات الحرارة سوف تزيد بنحو درجة مئوية واحدة بحلول عام 2030 وبدرجتين مئويتين في نهاية القرن القادم. كما أن التأثيرات السلبية على الزراعة خلال السنوات الخمسين القادمة سوف تكون أكثر ضررًا في البلدان الأشد فقرًا، مع تقليص مساحة الأراضي الزراعية وانخفاض إنتاجها، وذلك لعدم مقدرتها على التلاؤم بقدر كافٍ مع التغيرات المناخية. وقال الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، إن الخسائر الاقتصادية للموجة الحارة منذ منتصف شهر يوليو 2015 حتى الآن تتمثل فى خسائر بشرية راح ضحيتها 92 فردًا وأصيب حوالى 390 آخرون، بالإضافة الى خسائر انخفاض الناتج القومى لمصر، والتي بلغت نحو 5.6 مليار جنيه يوميًّا؛ لأن الناتج الإجمالى المحلى لمصر يبلغ حوالى 2800 مليار جنيه سنويًّا، أى أنه يوميًّا يعادل 7.6 مليار جنيه، وبما أن مصر تعمل بطاقة لا تزيد عن 25%، فمعنى ذلك أن هناك خسائر فى الناتج الإجمالى المحلى تبلغ حوالى 75% من حجم الناتج، بما يعادل 5.6 مليار جنيه يوميًّا. موضحًا أن خسائر موجة الحر من منتصف يوليو إلى منتصف أغسطس بلغت حوالى 175 مليار جنيه على أقل تقدير، بالإضافة الى خسائر الحرائق، حيث إن بند الصيانة فى مصر مهمل بسبب زيادة الحوادث والحرائق، ويمثل هذا البند خلال هذا الشهر حوالى 2/1 مليار جنيه. وقال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى، إن الموجة شديدة الحرارة التى تمر بها مصر هى أثر للتغيرات المناخية بالمنطقة، أو ما يسمى بالاحتباس الحرارى، مشيرًا إلى أنها كانت متوقعة فى معظم الدراسات الأجنبية التى ترصد الظاهرة، والتي أشارت إلى أن مصر من بين أكثر الدول تضرراً، وستزيد هذه التأثيرات بموجات شديدة الحراة وفياضانات وسيول وكوارث. وذكر سليمان أن أغلب الدراسات الأجنبية توقعت حدوث غرق للإسكندرية والبرلس وبورسعيد، بحلول عام 2030، وستفقد مصر نحو 10-15% من أراضىالدلتا الخصبة كسيناريو متشائم، وسيتم تهجير الآلاف، وتحدث أضرار بالناتج الزراعى تصل الى فقدان أكثر من 10%. وتابع "وسيتم تراجع إنتاجية غالبية المحاصيل الزراعية وزيادة استهلاكها للمياه، وانتشار الآفات وتردى خصوبة التربة والمياه والكثير من التأثيرات الخطيرة بسبب التقلبات المناخية، بجانب ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، ونقص الغذاء وزيادة العبء على عاتق الفقراء فى مصر". وأشار سليمان إلى سيناريو متوقع، وهو أن تفقد مصر نحو مليون فدان أراضٍ زراعية بحلول عام 2030، موضحًا أن الأمر أصبح شبه مؤكد، ولا بد من الاستعداد بشكل مهم؛ لتلافى الأضرار الجسيمة. وأكد الخبير الاقتصادى أن مصر تحتاج لقرابة 200 مليار جنيه تخصص للحد أو التقليل من آثار التغيرات المناخية، حتى يمكن الحفاظ على حياة الإنسان المصرى وأمنه الغذائى. واتفقت معه الدكتورة سامية المرصفاوى، مديرة المعمل المركزي للمناخ التابع بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، في أن موجة الحر الشديدة تؤدى إلى انخفاض إنتاج أغلب المحاصيل الزراعية فى مصر، ويترتب على ذلك انخفاض العائد الزراعى وزيادة الاستهلاك المائى. وأضافت المرصفاوى أن ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض تؤثر بالسلب على إنتاجية العديد من المحاصيل الزرعية الأساسية، بالإضافة إلى التتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذى يترتب عليه غرق جزء من الأراضي الزراعية الخصبة فى شمال الدلتا وارتفاع مستوى الماء فى الأراضى لحد كبير فى جزء آخر؛ مما يعود بالسلب على المساحة الكلية للرقعة الزراعية. وأكدت الدكتورة سامية أن نتائج الدراسات التى أجريت فى هذا الشأن اظهرت أن ارتفاع درجة الحرارة 1°م سوف يؤدى إلى خفض صافى العائد المزرعى حوالى 969 دولار للهكتار " 2.3 فدان، وأن ارتفاع درجة الحرارة 1.5 °م سوف يصاحبه خفض العائد المزرعى حوالى 1453 دولار للهكتار، فى حين أن معدل النقص سوف يصل إلى 3488 دولار للهكتار إذا ارتفعت درجة الحرارة حوالى 3.5 °م. وطالبت المرصفاوى بضرورة اتباع نهج جديد للتغلب على تلك الظاهرة، واستنباط أصناف جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف، وهى الظروف التى سوف تكون سائدة تحت التغيرات المناخية، بجانب تغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة، وكذلك زراعة الأصناف المناسبة فى المناطق المناخية المناسبة لها؛ لزيادة العائد المحصولى من وحدة المياه لكل محصول، وتقليل مساحة المحاصيل المسرفة فى الاستهلاك المائى.