أنهت الهبة الشعبية الفلسطينية شهرها الأول، ولا تزال بنفس قوتها وعنفوان الشباب الفلسطيني يقودها، مواجهات واشتباكات وإجراءات صهيونية عقابية تتصاعد وهدم منازل وتشريد الآلاف وتضييق على التحركات الفلسطينية، وفي المقابل تتصاعد العمليات الفدائية الفردية والجماعية الفلسطينية انتقامًا من الاحتلال الصهيوني وسياسيته العدوانية الغاشمة، فعلى الرغم من سقوط آلاف الشباب الفلسطيني بين شهيد وجريح إلا أن الشعلة الفلسطينية المقاومة لا تزال موقدة. حصيلة الهبة الشعبية نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إحصائية شاملة لحصيلة الاحتجاجات الفلسطينية خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث قال إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعاملت باستهتار واضح مع حياة الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلتين وعلى حدود قطاع غزة، مبيناً أن تلك المناطق شهدت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان خلال شهر أكتوبر الماضي، عبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأوضح المركز خلال توثيقه لحالات القتل في الأراضي الفلسطينية، أن الاحتلال قتل الفلسطينيين بشكل متعمد في معظم الحالات، وهو ما يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني. في إحصائيته بعد مرور شهر كامل على الانتفاضة، ذكر الأورومتوسطي أن عدد الذين قتلوا من الفلسطينيين خلال الشهر الماضي بلغ 72 ضحية، منهم 15 طفلاً، وامرأتان، و54 رجلاً، فيما بلغ عدد الضحايا الذين احتجزت إسرائيل جثثهم25 ضحية، ولفت إلى أن النسبة الأكبر من عدد الضحايا كان في مدينة الخليل، تلتها مدينة غزة. وبلغ عدد المصابين الفلسطينيين 6730 مصاباً، منهم 6561 إصابة طفيفة إلى متوسطة و82 إصابة خطيرة، ووثق الأورومتوسطي إصابة 46 صحفيًا، و96 مسعفًا، فيما سجل 142 حادثة اعتداء على الطواقم الطبية الفلسطينية، وأشار المرصد إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين منذ بدء المواجهات مطلع أكتوبر وحتى نهاية الشهر بلغ 1231 معتقلاً، منهم 419 طفلاً. في السياق ذاته؛ بلغت عدد هجمات المستوطنين على مواطنين فلسطينيين أو ممتلكات 265 هجمة، بينما وصل عدد المنازل والممتلكات العامة التي دمرت خلال الشهر إلى 22، وتعرض المسجد الأقصى إلى 22 عملية اقتحام من سلطات الاحتلال، فيما سُجلت 18 حالة إبعاد عن المسجد. في المقابل سجل "الأورومتوسطي" مقتل 11 إسرائيليًا خلال أكتوبر، منهم امرأة واحدة، و10 رجال، وبلغ عدد المصابين من الإسرائيليين 250 مصابًا، منهم 232 إصابة طفيفة إلى متوسطة و18 إصابة خطيرة، وبلغت عدد الهجمات ضد جنود أو مستوطنين إسرائيليين أو ممتلكات إسرائيلية وفق توثيقات الأورومتوسطي 107 هجمة، كما قتل إسرائيليين وإريتري بنيران الشرطة الإسرائيلية. مركز "القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني" أعد دراسة إحصائية أيضًا، أبرز خلالها أن مجمل عمليات الطعن المنفذة خلال أكتوبر المنصرم بلغت 60 عملية طعن، زعم الاحتلال أنه احبط منها 23 عملية، كما شهد شهر أكتوبر 34 حادث إطلاق نار، بالإضافة إلى 3 عمليات دهس. الخليل في الصدارة أوضح المركز أن العمليات التي تم تنفيذها في مدينة القدس كانت الأقوى من حيث الخسائر الإسرائيلية، فيما تقدمت الخليل في عمليات الطعن من حيث العدد، حيث شاركت القدس ب16 عملية، فيما شاركت الخليل ب21 عملية، كما شاركت رام الله بعملية طعن واحدة نفذها الشهيد "مهند الحلبي" في أول أكتوبر الماضي، وأدت الى مقتل مستوطنين وجرح اثنين آخرين، أما جنين فشاركت بأربع عمليات، وجاءت نابلس بثلاث عمليات، وشارك الداخل المحتل بأربع عمليات. من جانب آخر، رصدت هيئة الجدار والاستيطان، أن قوات الاحتلال الصهيوني هدمت ستة منازل فلسطينية، أربعة منها في القدس، واثنين في الخليل وطولكرم، فيما أخطر 33 منشأة أخرى بالهدم، وأصدر عشرة أوامر بترحيل عائلات، وشرعن 597 وحدة استيطانية، خلال شهر أكتوبر المنصرم. فشل صهيوني اعترف الاحتلال الصهيوني بالفشل في وقف الهجمات الفلسطينية التي تطال الجنود والمستوطنين الصهاينة، حيث قال أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، بفشل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية، في توفير حلول سحرية فورية لوقف الهجمات التي ينفذها فلسطينيون، مطالبًا الإسرائيليين ب"مراعاة اليقظة التامة"، وزعم "نتنياهو"، أن ثمة موجة عنف فيها سكاكين وحجارة وسلاح، معتبرًا أنها "نتاج تحريض حركة حماس والسلطة الفلسطينية والحركة الإسلامية". في ذات الشأن قال موقع "واللا" الإخباري الصهيوني إن مدينة الخليل أظهرت فشل سياسة إسرائيل في الضفة الغربية، وأضاف "رغم الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف، أصبحت المنطقة الأكثر توترًا في الضفة الغربية"، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يقوم بحفظ أمن المستوطنين هناك، وإنما يعزز سيطرته الأمنية على الفلسطينيين. أبرز الإجراءات الصهيونية بعد أن عجزت قوات الاحتلال بكل إمكاناتها عن التصدي للهجمات الفلسطينية المقاومة، لجأت حكومة الاحتلال إلى تكريس الإجراءات القانونية والأمنية التي تهدف إلى تخويف الفلسطينيين وإحباط عزيمتهم فكانت البداية مع سياسة العزل، حيث وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لعزل حي "العيسوية" شمالي شرقي القدس عن سائر أحياء القدس، من خلال إحاطته بسور وعائق مكون من مكعبات إسمنتية وأسلاك شائكة، وتنص الخطة أيضًا على إقامة عائق يفصل بين حيي "صور باهر" و"جبل المكبر" في جنوبالقدس و"حي أرمون هناتسيف" المجاور، كذلك أغلق الاحتلال الطرق المؤدية إلى نابلس بعد إطلاق النار على حاجز "حوارة"، وفي القدسالمحتلة شيدت الشرطة الإسرائيلية جدار لعزل "جبل المكبّر" في القدس عن محيطه، وقامت الشرطة بنصب ست كتل اسمنتية يبلغ طول كل منها مترين، أمام قرية جبل المكبر التي تقع على مرتفعات في القدس. بعد أيام أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" درس إمكانية إنشاء محكمة خاصة تعنى بالشئون الأمنية لمواجهة الهبّة الشعبية الفلسطينية، حيث قالت صحيفة "هآرتس" إضافة إلى الإذاعة الإسرائيلية العامة، "إن نتنياهو يدرس إمكانية إنشاء محكمة خاصة تعنى بالشئون الأمنية للتعامل مع موجة الإرهاب الحالية"، وأضافت الصحيفة "أن هذه المحكمة ستنظر في قضايا الاعتقال الإداري، وسحب حق المواطنة، والإقامة الدائمة في القدس، وهدم منازل المنفذين للعمليات، وكل ما يتعلق بالهجمات وتمويلها". استكمالًا لسياسة التصعيد الصهيوني، قال "نتنياهو"، إنه ينوي سحب الإقامة من المقدسيين القاطنين في الأحياء التي بقيت خارج جدار الفصل العنصري بحجة عدم تطبيقهم القانون، كجزء من سياسة العقاب الجماعي التي يحاول الاحتلال الضغط على المقدسيين من خلالها، وكشفت الإذاعة العبرية العامة أن "نتنياهو" طرح دراسة إمكانية سحب حق الإقامة الدائمة في الآراضي المحتلة من سكان بعض الأحياء في القدسالمحتلة الواقعة خارج منطقة جدار الفصل العنصري، وذكرت مصادر في ديوان رئاسة الوزراء أن "نتنياهو ذكر تحديدًا مخيم شعفاط وقرية كفر عقب شمالي القدس" الذي يقطنهم أكثر من 100 ألف مقدسي. هذه الإجراءات الصهيونية لم تكن الوحيدة بل جاء معها قرارات الاعتقالات وهدم المنازل واحتجاز جثامين الشهداء وإعطاء الضوء الأخضر لقوات الاحتلال لإطلاق النار مباشرة على الفلسطينيين المشتبه بهم، وغيرها من الإجراءات التي كانت تهدف إلى إحباط العزيمة الفلسطينية المقاومة.