لم يتردد كثيرا ذلك الملك الطامح الجامح في ذبح ابنته ليكبر سلطانه! جمع أجامنون جنده وحشد الحشد الرهيب، ونادي في بلاد الهللينيين: أن يا خيل الشرف اركبي، ثارت مشاعر الناس واعتبروه قائدهم المنقذ المرسل من قبل الآلهة لينقذ الوطن والأمة من هؤلاء المتآمرين الخونة الذين اختطفوا هيلين الجميلة رمز شرف اليونان. تحرك الجيش العظيم، وأرسلت كل أم فتاها تشيعه بالزغاريد والأغاني وتشجعه للثأر من الطرواديين الهمج، وكل من كان يحاول الاعتراض وتوضيح أن أجاممنون يسعى لمجده، لا لشرف الوطن كان يتم كتم صوته وقتله، كان صوت الحرب يعلو فوق أي صوت وصوت طبول الطرواديين يخيف كل بيت في اليونان، وهيلين المخطوفة صورتها تدمي العيون بعد تصويرها أنها شرف اليونان المغصوب. تحرك الجيش العظيم، بدا مهولا قويا، سفن عملاقة كالفرقاطات تشق البحار كأنها تحفر قنوات جديدة في قلب المياه المالحة، وفي مقدمتها أجاممنون واقفا على رأس السفينة شامخا صلبا يتحدى العالم، فهو رسول الآلهة المنقذ والمخلص. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، هاج البحر وهطلت الأمطار وارتبكت السفن، واتضح أن تلك القنوات كيد ساحر وأن الفرقاطات صغيرة جدا وضعيفة أمام البرق والرعد والأمواج. وكأنما انقلب السحر على الساحر راح الناس يتساءلون كيف تهدد الآلهة جيش رسولها؟ وكيف يهيج البحر وتهطل الأمطار، أوليس كان وعد الآلهة لنا أن تخرج كنوز الأرض للملك وتجعل البحار طوعا تحت قدميه؟ أوليس هو المدافع عن شرف الوطن والأمة؟ أنى لأمطار ورياح أن تهدد عرشه وسلطانه؟ وبنفس السلاح كاده أعداؤه فنطق وحي الآلهة على لسان كهنة الدين وسدنة النصوص: أن قدم فتاتك قربانا للآلهة لتثبت ولاءك؟ لم يعرف ماذا يفعل أجاممنون وقتها وقد علم الشعب الخبر، الآلهة تطلب قربانا، هو يعلم أن الآلهة لا تطلب شيئا وأنه ليس رسولا ولكن الشعب علم الخبر. لم يتردد كثيرا ذلك الملك الطامح الجامح في ذبح ابنته ليكبر سلطانه! أرسل لزوجته أن زيني إيفيجنيا، فقد أتى من يطلبها للزواج، وارسليها تلحق بجيشنا لنحتفل بزواجها من أمير شاب، لم تتمالك الأم فرحتها، أخذت تزين ابنتها الوحيدة وتهب لها من وقتها وكنوزها وزينتها وألبستها فستانها واصطحبتها بنفسها لتقدمها لعريسها المنتظر. وصلت الأم لسفينة القائد ووجدت العريس المنتظر هو الموت، والزغاريد ما هي إلا نواح والرقص لم يكن سوى لطم ونشر للشعور، ذبح أجامنون ابنته قربانا للآلهة، فهدأ البحر وكف المطر عن النزول، حقيقة ظن الناس ذلك، وحقيقة أن أجامنون ذبح ابنته فهدأ الناس وكفت ألسنتهم عن الثرثرة فاستقر سلطانه ومضى إلى حيث يحلم ويطمح. انتصر أجامنون على الطرواديين ودمر مدينتهم وقتل نساءهم ويتم أطفالهم، وعاد إلى عرشه ملكا منتصرا متوجا يضم أرض الأعداء إلى ارضه، ولكنه لم يكن يعلم أن الأم تنتظره! الأم التي كانت تعلم أن الطرواديين ليسوا أعداء، وأن هيلين ليست شرف الوطن وأن زوجها ليس رسولا من السماء، الأم التي هي حقيقة هذا الوطن فرشت للملك المنتصر السجاد الأحمر وأقامت له حفل استقبال، وسار الملك سعيدا ومغترا على السجاد الأحمر حتى وصل للحمام. في الحمام قفزت الأم لتأخذ بثأر ابنتها فقتلته وأسالت دمه حتى لم يعد ظاهرا الدم الأحمر من السجاد الأحمر، اختلط المجد بالدم ولم يجلس أجاممنون على عرشه لحظة بعد انتصاره. بينما فر شابا من عامة الشعب مظلوما حاملا أبيه فوق كتفه من طروادة المنكوبة ليؤسس وطنا جديدا وأرضا جديدة أصبحت في المستقبل ( روما ) العظيمة، قضى الملك نحبه في الحمام، واقفة أمام جثته أم لفتاة مغدور بها قدمت قربانا للعرش والسلطة. لم يتردد كثيرا ذلك الملك الطامح الجامح في ذبح ابنته ليكبر سلطانه!