يعتبر الدولار أحد أدوات ومؤثرات الاقتصاد القومي سلبا أو إيجابا، ولعل الفترة التي تشهدها الدولة المصرية من تراجع اقتصادي علي مدار 4 سنوات أعقبت ثورة 25 يناير، كان سببها عدم وجود النقد الأجنبي. اختزل بعض الاقتصاديين أزمة قطاع المستوردين والصناع من عدم تدبير العملة الأجنبية بكميات تكفي شراء المستلزمات؛ في شخص محافظ البنك المركزي الحالي والذى استقال مؤخرا، وتم تعيين طارق عامر، رئيس البنك الأهلي السابق، محله لمدة 4 سنوات مقبلة بقرار من رئيس الجمهورية؛ إلا أنه في حقيقة الأمر ملف تدبير الدولار أكبر من قدرات شخص محافظ "المركزي" سواء الحالي أو القادم. مصادر توفير عملة الدولار تبدأ من قطاع السياحة الذي يعد الدجاجة التي تبيض ذهبا لمصر وتساهم بأكثر من 60% في توفير عملات أجنبية لخزانة الدولة وتدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، ثم عوائد قناة السويس، بالإضافة لتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وكذلك الصادرات المصرية من منتجات غذائية وغيرها. بدأت أزمة الدولار مع بداية العام الميلادي الجاري، من خلال عدم قدرة البنك المركزي فتح اعتمادات مستندية "دولارات بهدف الاستيراد"، للمستوردين أو الصناع علي خلفية اتخاذ إجراءات لمنع تداول العملة الأجنبية خارج القطاع المصري للقضاء علي تهريب الدولار إلى السوق السوداء، ورفع سعر صرفه بواقع 20 قرشا، فبعد أن كان ب7.63 قرشا، سجل بعدها 7.83 قرشا كقيمة رسمية داخل البنوك، أما في الأسواق السوداء تجاوز ال8 جنيهات و30 قرشا، فرغم ارتفاع قيمته في السوق السوداء، إلا أن طالبي الدولار لم يجدوه لتجفيف "المركزي" منابع صرفه، بالتوازي مع وجود أزمات في قطاع الأدوية التي يتم استيرادها من الخارج مع عدم وجود لها بديلا محليا، في مقدمتها عقارات "الضغط، والسكر، والقلب، وبعض المسكنات، وغيرها". وقبيل قدوم شهر رمضان الماضى وتحديدا علي مدار ال5 أشهر الأخيرة، قرر البنك المركزي لتخفيف حدة الأمور بصرف نحو 800 مليون دولار، منها 500 مليون دولار لشراء مستلزمات شهر رمضان من مواد غذائية وغيرها، بالإضافة لتوفير 300 مليون آخرين لشراء المواد الخام لقطاع السيارات والصناعات الأخري. لكن الأزمة لم تحل وتصاعدت موجات الغضب ضد "المركزي" لعدم توفير الدولار، الأمر الذي يهدد بإغلاق آلاف المصانع وتشريد العمالة بها مما يؤدي لمزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية علي الدولة، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تستورد معظم احتياجاتها من مواد غذائية وخام لازمة لتشغيل الصناعة، بأكثر من 60 مليار دولار سنويا، فطبقا لما أعلنه البنك المركزي ووزارة المالية، فإن حجم ما وفرته الحكومة من احتياجات للسوق المحلي تراوحت بين 80 و81 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي. ولعل السبب الرئيسي في وجود ندرة في الدولار، كان بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر بعد الثورة وما تلاها من توقف قوي الإنتاج الوطني سواء المصانع وقطاع السياحة، فبعد أن سجل الاحتياطي النقدي "المبالغ الدولارية المودعة بالبنك المركزي لشراء احتياجات الدولة من مواد خام وسلع استراتيجية تكفي لشهور في أوقات الأزمات"، لمصر أكثر من 36 مليار دولار كلها خالصة للدولة في ذلك التوقيت، لكن مع تزايد حدة التوترات والاعتصامات العمالية وتراجع السياحة أدي " لتبخر" ذلك الاحتياطي ليحل محله مساعدات الدول العربية وبعض المنح الأجنبية التي تجاوزت أكثر من 22 مليار دولار وكذلك 6 مليارات أخري حصلت مصر عليها بعد فاعليات مؤتمر قمة مارس الاقتصادية بمدينة شرم الشيخ من العام الميلادي الجاري، لتصبح تلك المبالغ الاحتياطية المودعة بالبنك المركزي مجموعة من الديون مستحقة السداد للدول المانحة في مواعيد محددة وبفائدة معينة ومتفق عليها. المسئولين عن السياسات النقدية في مقدمتهم محافظ البنك المركزي السابق، هشام رامز، أعلن مرارا وتكرارا أن الدولة المصرية لديها القدرة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول والمؤسسات المالية، خصوصا أنها تسدد نحو 1.4 مليار دولار لدول نادي باريس بواقع 700 مليون دولار كل 6 أشهر وتحديدا في شهري يوليو ويناير من كل عام مالي. وخلال الأسبوعين الماضيين، رفع البنك المركزي سعر صرف الدولار بواقع 20 قرشا أخري، ليصل سعره حاليا بالبنوك نحو 8.03 قرشا، لتصبح جملة الزيادات التي شهدها الدولار علي مدار العام نحو 40 قرشا؛ بالتزامن مع إعلان "المركزي" تراجع الاحتياطي النقدي بنهاية سبتمبر الماضي بنحو 16.334 مليار دولار، كأعلي معدل تراجع منذ عام 2012، بعد أن كان الاحتياطي في أغسطس السابق عليه بنحو 18.096 مليار دولار، بمعدل انخفاض قدره 1.8 مليار دولار، دون أن يفصح البنك عن القطاعات التي وجهت إليها تلك المبالغ الدولارية. وأصبح الأمل حاليا لدي عدد من خبراء الاقتصاد والقائمين عليه من رجال الأعمال والمستوردين والمصنعين أيضا، بأن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتعيين طارق عامر، محافظا للبنك المركزي المصري، اعتبارا من 27 نوفمبر المقبل حتي 4 سنوات مقبلة، بأنه سيحل أزمة الدولار وتوفيره لتلك القطاعات، إلا أن الأمر لا يتعلق بتدبير العملة أكثر من التنسيق مع جميع الوزارات المعنية لتشغيل الاقتصاد وحل أزمة المصانع المتعثرة، مما يزيد من الإنتاج القومي ويساعد علي توفير المزيد من العملة الأجنبية من خلال التوسع في حجم الصادرات المصرية للخارج وتعافي قطاع السياحة أيضا.