استبدل أهالي قرى محافظة شمال سيناء اسمها، وأطلقوا عليها قرى الموت بعد أن باتت على موعد دائم معه سواء من القصف العشوائى او الخاطئ من قبل قوات الامن او المسلحين أو الهجمات المسلحة التي يشنها مسلحو "داعش" الإرهابي، كذلك وعلى الرغم من أن هناك قرى تبعُد كل البُعد عن الحرب الدائرة، إلا أن يد الإهمال والتهميش من قبل المسئولين لم تتركها في حالها وجعلتها لا تختلف كثيرًا عن القرى التي تشهد الحرب . "المقاطعة".. قرية الموت دراجات وسيارات نارية محترقة وشظايا متفرقة، وأرض ملوثة بمخلفات الآليات العسكرية وبقايا الرصاص، هذا هو الشكل العام لقرية "المقاطعة"، وإن اضطرتك الظروف لدخول تلك القرية لابد قبل الخروج منها أن تسجد شكرًا لله على سلامتك هذا وتعد نفسك بعدم المرور من هنا مرة أخرى . إذ تعتبر قرية المقاطعة بمدينة الشيخ زويد أحد أهم معاقل التكفيريين بسيناء، ويبلغ عدد سكانها نحو 1200 نسمة، وتبعد عن منطقة الجورة عشرة كيلو مترات، وعلى الرغم من من أن العمليات المسلحة تقلصت في الفترة الأخيرة إلا أن القرية لا تزال تعاني التهميش والخراب . ويقول محمود السواركي من أبناء القرية: إن الحرب الدائرة بين الأمن والمسلحين وقصف الأباتشي المستمر ليل نهار، تسبب في إعدام الحياة داخل القرية، وباتت القرية خالية من السكان، بسبب هجرة الباقي من السكان عقب وفاة عدد كبير من أهالي القرية بسبب القذائف الخاطئة والطلقات الطائشة في الحرب الدائرة بالمحافظة . ويؤكد السواركي، أن القذائف المتبادلة بين الأمن والمسلحين لم تترك أي شيء في القرية حتى المساجد والوحدات الصحية والمدارس والمباني الخدمية داخل جنوب رفح، ولا تجد الآن سوى بقايا للأهالي يلملمون أشياءهم وهم بصدد الرحيل لمناطق أخرى . ويضيف السواركي، أن "الوحدة الصحية في القرية لا توجد بها أي إسعافات أولية، ومع حظر التجول يمنع دخول أي سيارة إسعاف إلى القرية فنغرق في جرحانا حتى لحظة الموت" . المهدية.. الحال موت وخراب ديار ولا يختلف الوضع كثيرًا في قرية المهدية، حيث يعيش سكانها خطر الموت في أي وقت, ويقولون إن القذائف المتبادلة بين الجيش والمسلحين تطالهم ليل نهار، مع عدم قدرة سيارات الإسعاف من دخول القرية لتنقذ طفلا أو امرأة، نظرًا لوقوع القرية على الحدود مع قطاع غزة وتعد المنطقة من أهم المناطق التي تأوي الجماعات التكفيرية، بالإضافة للأنفاق المتناثرة بها . وهنا قالت لنا سيدة في العقد الخامس من عمرها: إنها تركت منزلها في قرية المهدية بجنوب رفح، بعد هدم منزلها نتيجة القصف المتبادل بين الأمن والمسلحين، وأضافت أنها اتجهت لبناء عشة صغيرة من الخشب لتعيش فيها هي وابنتيها في منطقة قرب العريش يسكنها بعض النازحين . وأكد أهالي تلك القريتين السابق ذكرها، أن القرى أصبحت خالية من كل شيء إلا الدراجات النارية التي يستقلها مسلحو "داعش" في تنقلاتهم، وأصوات أجهزة الاتصال اللاسلكي هي فقط التي تسمعها حال دخولك المنطقة الجنوبية لرفح، إلا أنك ستجد أحد عناصر التنظيم يسألك ماذا تفعل هنا ويحقق في وجودك ثم يتركك طالما لا تحمل أجهزة اتصال مزودة بالإنترنت، قيس على ذلك قرى الجميعي أبو طويلة والمخزينة فلا يختلف الوضع كثيرًا في تلك القرى عن قريتي المقاطعة والمهدية . وأوضح العميد علي الحمراوي رئيس مركز ومدينة رفح، أنه عقد لقاءًا مع رؤساء القرى في منتصف أغسطس لبحث المشاكل التي يعاني منها المواطنين، وشدد على ضرورة توفير كافة احتياجاتهم على وجه السرعة . وشدد الحمراوي على ضرورة تواجد رئيس القرية في مقر عمله داخل القرية لسرعة إنهاء الخدمات اللازمة للمواطنين واعتباره مسئولًا عن كل ما يقدم من خدمات في القرية من صحة وتعليم ومياه وكهرباء وغيرها، والسعي لدى المسئولين لتوفيرها، مؤكدًا أنه تم تشكيل لجان متابعة للمرور على الإدارات المختلفة والقرى للتأكد من حل المشاكل وتحقيق الانضباط . لم يقتصر الإهمال على القرى القريبة من الحرب المستمرة بين الأمن والمسلحين، ولكن تطال يد التهميش والتجاهل باقي القرى التي تبعد كثيرًا عن القصف . الهميصة.. تبعد عن القصف وعن عيون المسئولين قرية منسية وغائبة عن ذاكرة المسئولين ولا يعلم عنها أحد على الإطلاق، ولا يعرف المسئولين موقعها سوى قرب الانتخابات البرلمانية، وهي إحدى قرى مركز بئر العبد غرب محافظة شمال سيناء، وعلى الرغم من أن تعداد سكانها قرابة 3 آلاف نسمة إلا أنها لا تلقى أي اهتمام من المسئولين لأن القرية بعيدة عن مدينة تقع على أطراف بئر العبد . إذا دخلت القرية وتجولت في أرجائها ربما تساورك الشكوك حول كونك داخل مصر أم في بلدة أخرى، حيث لن تجد أية مبان حكومية ترفع علم مصر، في غياب تام لمؤسسات الدولة الرسمية من وحدة محلية ووحدة صحية ومركز شباب ومكتب بريد . ولن تتأكد أنك داخل الحدود المصرية إلا إذا مررت من أمام المدرسة التي تم افتتاحها بمناسبة أعياد سيناء، ستجدها المنشأة الوحيدة التي ترفع علم مصر داخل القرية التي يعيش أهلها بالمجهودات الذاتية وبأقل الإمكانيات في ظل تجاهل المسئولين لها . ويقول عيد عبد الجليل من أبناء قبيلة العقايلة بقرية الهميصة: "إنهم غير موجودين في ذاكرة المسئولين فهم يعيشون في قرية ملهاش علاقة بالدولة"، مضيفًا "احنا عايشين بأقل الإمكانيات وبالجهود الذاتية ومحدش بيسأل فينا من السادة المسئولين" . ووافقه محمود الفخراني في الحديث، مضيفًا "أنه لا يوجد أي شيء يثبت أنهم تابعين للدولة، حيث لا وجود لوحدة صحية أو مكتب تموين ولا حتى مكتب بريد، ومفيش فايدة في المسئولين، لا متابعة ولا رصد لحال القرى في سيناء ليس فقط القريبة من القصف، ولكن نحن بعيدين عن القصف فأين الاهتمام؟" . وأضافت ياسمين علي من سكان القرية، أن القرية لا يوجد بها وحدة صحية لإنقاذ المرضى، ولا حتى سيارات إسعاف لنقل أي حالات طارئة، مما يضطر المرضى للسفر نحو 5 كم للعلاج بأقرب وحدة صحية بقرية المريح أو قاطية . وتابعت ياسمين، إنهم يعيشون في مأساة حقيقية تتمثل في عم وجود مياه للشرب مما يجعلهم يجلبون المياه بواسطة سيارة مقابل 250 جنيه للنقلة الواحدة، كما لا يوجد تعليم ومخابز . ويطالب أهالي القرية بتجديد شامل للبنية التحتية وخاصة أعمدة الكهرباء وشبكة مياه الشرب، بعد تهالك شبكة الكهرباء وتهاوي أعمدة الإنارة لأنها قديمة ومتهالكة، مما يؤدي لانقطاع الكهرباء بصفة دائمة داخل القرية، كما شددوا على ضرورة إنشاء وحدة صحية ومدارس ومخابز . شمال سيناء يوجد بها 82 قرية و458 تجمعًا معظمها يعاني من الفقر والجهل والتهميش، وبعد مناشدات مستمرة للمسئولين بتطوير القرى والنظر لها بعين الاعتبار، أعلنت المحافظة تطوير 3 قرى من القرى الأكثر احتياجًا بالمحافظة، وذلك في إطار الإستراتيجية القومية لتطوير 78 قرية وتحويلها إلى قرى نموذجية بمختلف محافظات الجمهورية . يذكر أنه تم اختيار 25 قرية لتطويرها على مستوى المحافظة، ثم تم تخفيضهم إلى 5 قرى، ثم إلى 3 قرى، وهم: قرية 6 أكتوبر التابعة لمركز بئر العبد، وقرية الريد التابعة لمركز نخل، وقرية أقرية التابعة لمركز الحسنة، وباقي القرى تركت لتواجه مصيرها وحدها أو تنتظر دورها الذي ربما يأتي بعد سنوات طائلة حتى تنال حظها من التطوير هذا إن نالته .