القنوات الناتجة من ذوبان جليد القطب الشمالي لن تؤثر على مصر مصر في حاجة إلى قانون للبحرية التجارية إلغاء اتفاقية "الرورو" بين مصر وتركيا كان سياسيًّا يعد الملف البحري واحدًا من الملفات الشائكة، حيث يمثل النقل البحري أهمية قصوى للاقتصاد المصري، فعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية للنقل البحري، إلَّا إنه يعاني من فساد هائل استشرى به، ووأصبح يحتاج إلى جهد حثيث من منظومة كاملة لاستعادة دوره المفقود، والنهوض به مرة أخرى. حاورت "البديل" الدكتور ربان محمد الحداد، الخبير البحري ورئيس المجلس العربي لحكماء النقل والتجارة البحرية، حول الملف البحرى وكيف يمكن الاستفادة منه، وإلى نص الحوار.. كيف ترى مشكلات النقل البحري في مصر، خاصة بعد افتتاح محور قناة السويس؟ بعد افتتاح محور قناة السويس زادت المشكلات الخاصة بالنقل البحري، وربما ستزداد خلال الفترة المقبلة، كما أن الاقتصاد البحري المصري سينهار؛ لأن محور تنمية قناة السويس يقوم على أساس قانون خاص به وميناء خاص أيضًا وهو شرق بورسعيد، مما سيؤثر على عمل باقي الموانئ كالإسكندرية ودمياط، فتحولت سياسة الموانئ في مصر من تكاملية إلى سياسة تنافسية. والمطالبة بقانون موحد لبحرية التجارية أمر في غاية الأهمية، وذلك لضمان سياسية تكاملية بين جميع الموانئ، ولتشغيل مرافق الدولة كافة الخاصة بالبحرية ولست قناة السويس وحدها. هل صحيح ما تردد في الأيام الماضية بأن ذوبان جليد القطب الشمالي سيفتح ممرات بحرية جديدة بديلة لقناة السويس؟ التخوفات من وجود قناة جديدة تنافس قناة السويس خلال الفترة المقبلة أمر لابد أن يتم الأخذ بيه في الاعتبار، لكن في الوقت الحالي القناة الخاصة بالقطب الشمالي التي مرت من خلالها سفينة صينية لن تشكل منافسًا لمصر، خاصة إنها لا تمتلك خرائط بحرية ولا أحد يضمن استمرارها طوال العام، نظرًا للحالة المناخية التي تمر بها منطقة القطب الشمالي. أما مصر فلابد أن تضع في عين الاعتبار أن تلك القناة ربما ستتحول في يوم من الأيام بفضل الأحوال المناخية الخاصة بالعالم إلى قناة حقيقية تتولاها روسيا، لذا علينا الأخذ في خطوات استباقية كي تكون قناة السويس مميزة عن القنوات كافة، حتى إن ظهر بديل آخر لها يعد ضرورة قومية. وماذا عن قناة بنما ومنافستها القوية لقناة السويس في الوقت الحالي؟ قناة بنما لا تمثل منافسة على قناة السويس مثلما يتم الترويج لها، فمصر تتميز بموقع استراتيجي عبقري، فضلًا عن أنها ملتقى التجارة العالمية منذ قديم الأزل، لذا كان النزاع الدائم عليها، وما زاد أهمية مصر قديمًا هو حفر قناة السويس. في حين أنه لا تجوز المقارنة بين بنما وقناة السويس، فكلاهما يخدم منطقة مختلفة عن الاخرى، لذا لن تؤثرا على بعضما بشكل أو بآخر، لكن قناة بنما تتميز عن قناة السويس بتوافر الخدمات البحرية التي تقدمها، بالإضافة إلى تسهيلات الحصول على تراخيص وطبيعية العمل بها. ولكي تتميز قناة السويس وتقدم خدمات للسفن التي تمر بها، لابد من قانون شامل للبحرية يتضمن عدة نقاط، أولها الحفاظ على ممتلكات الدولة، والمحافظة على حق العامل، والمحافظة على حق صاحب العمل لجذب الاستثمار إلى مصر، أما في الوقت الحالي، فالمستثمرون المصريون يفرون هاربين إلى قبرص. هل مصر قادرة على تحقيق تجربة سنغافورة في النقل البحري؟ تجربة سنغافورة نابعة من استخدامها لعقل مع العلم، فهي لديها استراتيجية واضحة تم العمل عليها خلال فترات، وبالفعل حققت نتائجها، أما مصر فهي تدار بشكل مختلف، وهناك أشخاص لا يدركون أهمية النقل البحري ورغم ذلك يعملون به، لذا فوضع رؤية استراتيجية تسير عليها مصر وتكون ثابتة سواء تغير الأشخاص أما لا هو السبيل الوحيد للنهوض. يرى الكثيرون أن إلغاء اتفاقية "الرورو" بين مصر وتركيا كان سياسيًّا ولم تكن له علاقة بالملف البحري، فكيف ترى ذلك؟ تم إلغاء الاتفاقية بين مصر وتركيا بسبب السياسة، ولا علاقة لها بالملف البحري، أما إلغاؤها فلم يؤثر على مصر في النقل البحري؛ لأنه عند حساب نسب النجاح والخسائر التي كانت تعود من الاتفاقية، سنجد أنها كانت في صالح تركيا أكثر مما هي في صالح مصر، ولولا الخلافات مع الإخوان لاستمرت الاتفاقية، خاصة أن تركيا تستفيد منها بشكل كبير؛ لأن الميزان التجاري في صالح تركيا وليس في صالح مصر. ما هي المشروعات البحرية التي يمكن أن تحقق طفرة في قطاع النقل البحري؟ مصر تمتلك الكثير في مجال النقل البحري لكن لا يتم استخدامه، فصناعة السفن وتقطيعها وصناعة الحديد، ستجعل مصانع الحديد داخل مصر تعمل بشكل أفضل، بالإضافة إلى تقديم الخدمات البحرية للسفن سينهض بقطاع النقل البحري بشكل واسع، بالإضافة إلى إنشاء المراكز اللوجستية، وتلك الصناعات كانت متواجدة قديمًا، لكنها اندثرت نتيجة ضعف الاقتصاد العام، لذا فإعادة إحياء ملف النقل البحري يعد ضرورة لإنعاش الاقتصاد المصري بشكل عام. وماذا عن هيئة السلامة البحرية الآن؟ هيئة السلامة البحرية هي أول دائرة عمل حكومية في منطقة الشرق الأوسط، فهي تعد من أعرق المصالح الحكومية في مصر، هذه المصلحة كانت في بدايتها بمثابة وزارة لبحرية التجارية، وكانت هي السلطة البحرية المختصة، فتوسعت العملية البحرية إلى أن استقلت هيئات الموانئ، وهي الجهة المنوط بها تمثيل مصر أمام البحرية الدولية، أما الهيئة فتحولت في الوقت الحالي إلى مستنقع من الفساد، والقائمون عليها في الوقت الحالي من الجاهلين بأمورها واختصاصاتها، وقد جاءوا إلى تلك الهيئة دون فهم كيف تعمل تلك الهيئة ذات الأمور المعقدة التي ترتبط بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهذا يعد خطرًا بالغًا على مصر دوليًّا. والحل في الفساد المتواجد في هيئة السلامة البحرية إلغاء تلك الهيئة، والعمل على إنشاء وزارة لبحرية التجارية، ويتم إعادة هيكلة هيئة السلامة، مع إعادة هيكلة الوزارة على أن يكون هناك رقابة مشددة عليها بشكل دائم. أما عن وزير البحرية التجارية فلابد أن يكون رجلًا بحريًّا على دراية بالاقتصاد، حتى يتمكن من إدارة ذلك القطاع ذي الأهمية الكبرى، فمصر تمتلك المؤهلات الكثيرة التي لا يتم استغلالها. كيف تنهض مصر بقطاع النقل البحري حاليًا؟ يتحقق ذلك عن طريق تحول مصر من دولة ذات نشاط بحري إلى دولة بحرية، وهذا لا يكلف الدولة إلَّا قانونًا موحدًا للبحرية التجارية والإرادة السياسية الناجحة.