من حين لآخر، يلوح الرئيس عبد الفتاح السيسي بإلغاء الدعم على المصريين، لكنه سرعان ما يتراجع، يبدو أنه يخشى غضبة المواطنين التي خافتها الحكومات السابقة بعد انتفاضة الخبز عقب قرارات الرئيس الراحل أنور السادات الاقتصادية عام 1977، ذلك الخوف الذي ألجم كل الحكومات عن اتخاذ قرارات رفع الدعم، كما أعلن "السيسي" نفسه ذات مرة. تارة يصرح "السيسى" بأن رفع الدعم نهائيا سيكون سهلا عندما تكون جيوب المصريين "مليانة" بعد ارتفاع دخولهم ومستوى معيشتهم، وتارة أخرى يعترف أن قرارات رفع الدعم التي اتخذها قاسية، إلا أنها ضرورية، غير أن مسألة رفع الدعم تؤرق الحكومات المختلفة منذ عهد الرئيس السادات وحتى اليوم، وتثير العديد من التساؤلات، منها هل ستحل مشاكل الاقتصاد المصري حقا؟، وهل ترفع الحكومة الدعم عن الفئات الأكثر استحقاقا له من الفقراء أم ترفعه عن غير مستحقيه؟، وأخيرا هل تقابل سياسات رفع الدعم سياسات أخرى تملأ جيوب المصريين، كما عبر الرئيس؟ «السيسي» دشن عهده بقرارات تقشفية في يوليو 2014 وعقب فوز "السيسي" برئاسة الجمهورية، أصدرت الحكومة قرارا برفع أسعار المشتقات البترولية بنسب تعد الأعلى منذ سنة 2008، وكان اللافت في القرارات رفع الحكومة لسعر بنزين 80 بزيادة تقترب من 80%، ورفع سعر السولار بزيادة 63%، ورفع سعر بنزين 92 بنسبة 40% أما بنزين 95 فقد رفعت الحكومة سعره بنسبة 7% فقط، وفي ذات الوقت، ألغت الحكومة دعم الغاز الطبيعي في موازنة العام المالي الماضي 2014/2015، لترفع سعره للسيارات بنسبة 175% ولمصانع الأسمنت والحديد والصلب بنسب تتراوح بين 30 و75%. من جانبها، أعلنت حكومة المهندس إبراهيم محلب المستقيلة أن رفع الدعم عن الكهرباء سيتم نهائيا خلال خمس سنوات، فقد رفعت أسعار شرائح الكهرباء بنسبة 20% على المواطنين، وبنسبة تتراوح بين 7 و23% للصناعات كثيفة الاستهلاك، وفي ذات الشهر أيضا، قررت الحكومة تخفيض الدعم الموجه للخبز بنسبة 13% لتوفر 2.8 مليار جنيه. الشهور التي تلت ذلك شهدت قرارات مماثلة أيضا في قطاعات مختلفة، ففي شهر أغسطس، قال الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، إن الدولة سترفع الدعم عن مياه الشرب، مما سيؤدي إلى زيادة أسعارها بنسب تتراوح بين 10 و30% حسب الاستهلاك، وبعد بشهرين قررت الحكومة رفع أسعار الأسمدة المدعمة للفلاحين بنسبة 33%. وعلى نفس المنوال، أعلن عادل البلتاجي، وزير الزراعة الأسبق، في يناير الماضي، عن قرار الحكومة بإلغاء دعم زراعة القطن تماما، وحمل المزارعين مسئولية تأمين عقود بيع محاصيلهم لشركات الغزل والنسيج. وتمثلت آخر تطورات توجه الدولة المصرية برئاسة السيسي لرفع الدعم عن المواطنين، في تخفيض ميزانية دعم الوقود من 100 مليار جنيه العام الماضي إلى 61 مليار جنيه فقط في العام الجاري. اقتصاديون: المشكلة تكمن فى توجيه الدعم قالت سلوى العنتري، أمين اللجنة الاقتصادية بالحزب الاشتراكي المصري، إن قرارات رفع الدعم وحدها التي تتخذها الدولة لن تحل مشاكل الاقتصاد المصري الكثيرة، مؤكدة أن الدعم يمثل أحد أضخم بنود الموازنة الاقتصادية التي تواجه عجزا حقيقيا. وأضافت "العنتري" أن المسألة ليست في تقديم الدعم من عدمه؛ لأنه ضروريا وكل دول العالم تقدمه لمواطنيها بصور مختلفة، إلا أن المسألة تكمن في توجيه الدعم وكيفية تحقيق أفضل عائد ممكن له، متابعة أن دعم السلع الغذائية، على سبيل المثال، يهدر جزء منه ويذهب جزءا آخر لغير مستحقيه، ويجب ضبط هذا عن طريق آليات تقديم الدعم مثل منظومة الكروت الذكية التي حلت جزءا من المشكلة. وأوضحت أمين اللجنة الاقتصادية بالحزب الاشتراكي المصري، أن دعم الطاقة يجب أن يوجه بالأساس للصناعات كثيفة العمالة، أو التي تنافس في التصدير، بحيث لا يعوقها ارتفاع سعر الطاقة عن المنافسة، أو التي يستهلكها كثير من المواطنين بحيث يساهم الدعم في تخفيض سعرها، وأن الدعم يجب أن يرتبط بتحقيق هذه الأهداف لضمان استفادة المجتمع من عائد الدعم، مشيرة إلى أن الشركات الاحتكارية تواجه أي رفع في الدعم الموجه لها برفع أسعار منتجاتها أضعافا على المستهلك. وتابعت: "الحكومة في مقابل سياسات رفع الدعم عن المواطنين، اتخذت إجراءات أخرى لتحسين معيشة المواطن، مثل زيادة السلع التموينية، إلا أن تلك الاجراءات لم تكن كافية لمواجهة خفض الدعم، خصوصا أنها لم تمس جميع الشعب المصري، بينما رفع الدعم مس جميع المواطنين". من جانبها، طالبت الدكتورة يمن الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس، بترشيد الدعم بحيث يصل لمستحقيه فقط، مضيفة أن هناك 70 مليون مواطن لديهم بطاقات تموينية، بينما نسبة مستحقي الدعم تقل عن ذلك كثيرا. ولفتت "الحماقي" إلى أن خفض دعم الكهرباء، على سبيل المثال، كان إجراءً سليمًا لأن نسبة خفض الدعم فيه تزيد بزيادة الاستهلاك، وذلك حسب نظام الشرائح، موضحة أن رفع الدعم عن الطاقة سمح للدولة بالبدء في العمل على إنتاج الطاقة الشمسية الذي لم يكن متاحا من قبل. واستنكرت رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس أن تكون نسبة الزيادة في بنزين 95 و92 أقل من بنزين 80 والسولار، كما طالبت بتعديل منظومة دعم الخبز أيضا، بحيث يصل لمستحقيه فقط؛ ضمانا لعدم وقوع عمليات استغلال أو هدر. من ناحية أخرى، يرى الدكتور شريف دولار، الخبير الاقتصادي، أن الدولة تزيد من الدعم الموجه للفئات الأفقر في المرحلة الحالية، بينما ترفعه عن الفئات الأكثر رفاهية غير مستحقيه مثل المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلا أنه أبدى تحفظه على قرار زيادة أسعار الوقود الذي يرى أنه تم بطريقة عكسية، فكان من الضرورى أن تكون الزيادة على بنزين 95 و92 أكبر من الزيادة على بنزين 80 والسولار.