انتقلت ظاهرة التحرش والانتهاك الجسدي داخل المجتمع المصري، بعد أن انتشرت في الأعوام الماضية بشكل كبير، من الشارع إلى داخل أسوار المدارس، ورغم أن تلك الأفعال تعد من الظواهر الإجرامية التي تنتهك الإنسانية والأخلاق، فضلاً عن انتهاكها للأديان، إلا أنها تكون أشد ألمًا وجرمًا عندما تتم ممارستها داخل المؤسسات التربوية على يد مدرسين المفترض بهم أن الطلاب أمانة بأعناقهم، فإذا بهم يتعرضون لانتهاك حرمتهم منهم بدل حمايتهم. التقرير السنوى لهيئة النيابة الإدارية الصادر أمس الأول الاثنين كشف تنامى ظاهرة التحرش الجنسى والانتهاك الجسدى فى المدارس، بعد أن ذكر أن النيابة تلقت خلال عام 2014 (61) قضية عن وقوع جرائم من بعض المدرسين ضد بعض الطالبات القاصرات فى المدارس الإعدادية والابتدائية. وذكر التقرير الذى أعده المستشاران محمود إبراهيم وسعد خليل، عضوا المكتب الفنى لرئيس الهيئة، أن عدد القضايا يقل كثيرًا عن الحالات الفعلية لوقوع الجريمة، بسبب الإحجام عن الإبلاغ عن مثل تلك الجرائم، لما لها من طبيعة خاصة، بما يدق ناقوس الخطر حول أهمية مكافحة تلك الظاهرة بكل صرامة. وهو ما اكده الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، من أن تلك الإحصائية هي أقل بكثير من الوقائع التي تحدث داخل أروقة المدارس المصرية، وذلك لأن هناك حالة من الصمت والتعتيم على مثل تلك الوقائع، لافتًا إلى أن المدارس المصرية أصبحت لا تقوم على تعليم الطلاب وتهيئتهم تربويًّا، وأضاف مغيث أنه كما يقوم بعض المعلمين ممن فقدوا صوابهم بفعل هذه التعديات، هناك أيضًا طلاب يعتدون على المعلمين والمعلمات بأنواع مختلفة من الاعتداءات، مما يشير إلى انحدار المستوى التعليمي بمصر. وقال الدكتور أحمد حجازى، أستاذ علم الاجتماع بآداب القاهرة، إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أظهرت كسر بعض فئات المجتمع للقوانين، وسلطت الضوء على الانحرافات بشكل عام، خاصة بعد أن فقدت المؤسسات التعليمية دورها التربوي، إضافة إلى تراجع دور الأسرة فى التنشئة السليمة للأبناء، واختفاء مجلس الآباء والإدارات داخل المدرسة. وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن ما يحدث في وسائل الإعلام من عرض أفلام ومسلسلات إباحية، بجانب ما تعرضه مواقع الإنترنت، دفع الطلاب إلى محاكاة ما يحدث بها، كما أن الانفلات في النظام والسيولة غير المنظمة في المشهد الاقتصادي لهما دور في ظهور السلوكيات المنحرفة، بالإضافة إلى أن عدم إظهار تلك المساوئ المجتمعية في الفترة السابقة كان أشبه بقنبلة موقوتة، انفجرت بزيادة الانحراف والفعل الفاضح. وأشار "حجازى" إلى غياب دور الدولة وعدم وضوح استراتيجية أساسية، وتراجع دور المدرسة فى تعليم الطلاب الهوايات وتطويرها كما كان في السابق، واختفاء دور الإخصائي الاجتماعي عن المدرسة، وفقدان المعلم للانتماء إلى المجتمع واستخدام وظيفته للحصول على مقابل مادي فقط، كل هذا أيضًا له دور كبير في ظهور تلك السلبيات. من جانبها قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن مشكلة اعتداء الطلاب على المعلمين فى المدارس أو العكس توضح مدى القصور بين طرفي العملية التعليمية، فمنها ما يتعلق بأساليب التربية، بعد تحول الأمهات من ربة أسرة إلى "شغالة" في البيت وغياب دورها في التربية، إضافة إلى اختفاء القيم المعنوية، وتراجع دور المؤسسة التعليمية، ومنها جزء يتعلق باتخاذ الإجراءات القانونية، فضلاً عن غياب الردع العام والخاص، مؤكدة أن أغلب حالات الاعتداء ترتبط بالإدمان وتعاطي أنواع من المخدرات. واختتمت أن "الحل ليس في التعامل الأمني فقط، وإنما باتحاد العمل بين المؤسسات لمواجهة انتشار ظاهرة العنف فى المدارس، واستخدام الدور التربوي بعد انسحابه ليصبح التعليم وهميًّا، بالإضافة إلى وضع سياسة تعليمية مدروسة".