هى رسالة قُدمت إلى معهد الآداب الشرقية بالجامعة اليسوعية للحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة بإشراف رئيس المعهد فى ثمانينات القرن المنصرم الدكتور الأب ميشال ألار، كانت ومازالت بعنوان "معرفة الله والمكزون السنجارى" للدكتور أسعد أحمد على، مواليد سنة 1937، رئيس مجمع البلاغة العالمي. ولد في مدينة اللاذقية في سورية وتلقى تعليمه في جبلة وحماه وتخرج من كلية الحقوق بجامعة دمشق، ثم نال الدكتوراه في الأدب والدكتوراه في الفلسفة الإلهية من الجامعة اليسوعية، ودكتوراه فى الفن والعرفان من جامعة طهران. كان يعمل أستاذاً في المنهج والبلاغة والنقد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه فى جامعات دمشق وبيروت والأردن. كانت رسالته لنيل الدكتوراه هى أول مكتوب فتحت عليه عينى فى سن الصبا الغارب وبداية نزق الشباب الفائر الحائر. وكما ترتفع الفروع من قلب الجزوع على حد قوله، كذلك ينهض البحث من ينابيع الخواطر ويتولد من مقابسات الضمائر… كان مرفوع بحثه "معرفة الله" وموضوعه: شوق "المكزون السنجارى". وعذرى إليك وأسفى أيها القارىء الكريم أننى لن أجرؤ عن ذكر من أين وفى أين وإلى أين مضى "المكزون السنجارى"، تاركاً معاناة تلك المهمة للقادر عليها…، وسأكتفى اليوم بتسجيل ما انطبع فى عقلى وخاطرى نقلا وعقلاً وتصرفاً ونحتاً واقتباساً عن رحلة لمجلدين بالعنوان المذكور سرتها صبياً يتشبب… الوصل الأول التسليم إسلام بأمانة المُسَلِّم، وثقة تطمئن إليه، فتُنتج الحرية والرضا للمُسَلِّم والمُسَلَّم. الإنسان مخلوق، والله الإله الخالق، كيف يستطيع المخلوق معرفة الخالق؟ هل تستطيع الصورة المرسومة للإنسان معرفة المصور والرسام؟ وإلى أى حد تصل إمكانية الإنسان للمعرفة؟ الإنسان يطمح للمعرفة العليا ولكن قدرته مرتبطة بالدنيا، فهل تنفتح القدرة الإنسانية للمعرفة على العَالم الأعلى؟ الذى يسميه القرآن "عالم الغيب" وما المنهج الموصل إلى هذا الفتح؟. الوصل الثانى الإنسان رمز للوجود المتحقق المتحوّل التائق للقدرة، المغامر فى سبيل امتلاكها المُحرِر، والوصول إلى القدرة المحرِرة سعادة، لكنها لا تُبلغ إلا فى معرفة المطلق. من هنا كان الحوار الأزلى بين الإنسان وربه، بين المقيد والمُطلق، والله واجب الوجود المُحوِّل المطلق الذى لا حدود لقدرته، القادر على كل شيء، المختص برحمته من يشاء، ومعرفة الله، شوق يشرق كل شروق، فشروقه تفاتيح تجدد، وتفتحات حب، ليس كالشروق الذى يجىء بعد غروب، بل هو نمو تطلع، أو تطلعات نمو، ولايزال مرتقى الشوق يتدفق من قلب ينبوع سره وراء المنظور… وبرهانه مآثل فى مُقل الزهور، وهى تَسبح على أمواج النسيم، وتُسبِّح بلغة الطيور. الوصل الثالث أشواق نفس الإنسان، أكثر من مفردات لغته، وحجم حُبه أكبر من صدره، وحدوده، والعائبون على هذا الإنسان يُوعَدون بمثلها، إذ تعب لأجلهم، فرضيت بالتعب، ليرى من لم يكن رائياً، وليحضر وليمة الشوق، من كان غائباً، وليخوض معركة المعرفة من كان هارباً، عنيت بالأعمى الغائب، الهارب، ذلك الكسول، وأحببت تنشيطه والنهوض به ليرتفع موضوعه، فلاح لى إيمان بقدرة الإنسان المستطيعة. الوصل الرابع الإنسان مزود باستطاعة واسعة إذا سلك المسلك القويم، بلغ غاية غاياته، ولكن؛ هنالك مصاعب المعاناة، إذ ليست المعرفة بالشىء السهل…، لابد أن يصفو الجسد، حتى يبدو منه القلب ويشف؛ إلى أن يبدو ما فيه من السر، فلا تكن أبعد الخلق عن الحق، فأبعد الخلق؛ عن الحق، من يحاول الحق بعلم الكلام، اقتف الباطن من ظاهر الهدى الذى أنزله الحق رحمة للأنام، ذق الأمر؛ عانِه؛ عشه؛ لا تكن غوياً؛ فغوى الناس من يروى الذى لم يستبنه، ووصف الفضل ليس فضلاً إذا لم يبد من الواصف، فصم؛ واسهر؛ واذكر؛ واركع؛ واسجد؛ حتى يصفوا الجسد فتكون الغيبة…، أو حتى يبان العجز… . الوصل الخامس كل ما أرجوه فى هذه الرحلة ألا ينفر المعنى لخطأ يرتكب معه، فيجفوا ويحرض إخوته…، وتَعَوّد ألا تقف موقفاً ضد الشىء، أو معه؛ مطلقاً؛ حتى تستبينه؛ وتتبينه، أيها المُبين بحوله وقوته…، وستجد؛ اعلم؛ ستجد؛ تصالح الأمر المُنزّل ظاهراً لينتظموا بشريعته – والشريعة أم كل ذراريها أخوة – والأمر المُنزّل باطناً، أو هو عمق له، أو قمةٌ عليه، والحق يُدرك بالمنتظم، والغوص إلى أعماقه، أو الصعود إلى قمته. وبهذا التصالح بين الظاهر المَقُود بالبرهان، والباطن المقيد بِعِقالِ مَشِيَّتِه، كلاهما يعود بنا إلى التسمية الموحدة "الإسلام؛ بالتسليم بأمانة المُسَلِّم؛ للمُسَلَّم" (فهل تبدو البغضاء منكم لنا، كما بدا منا الحب)…؟ الوصل السادس آمن؛ حين، وحيث، زمانيا ومكانياً، حتى -التى تفيد انتهاء الغاية- يستقر العلم الذى كان مستودعاً، لتصير بالمعرفة والفرقان والإيقان والوجدان؛ مُبين، فتغدو مؤمناً، ويصير مستودع علمك مستقر، وبهذه المعرفة الإسلامية المعمقة، يكون السبيل إليه، ويكون القرآن، هو كتاب محور المعرفة، لا الثقافات السابقة عليه، ويكون الإسلام النقى، بتجاوز ما يفرقك عن إسلام القرءان، كما تفرقت الفرق عن مجمع توحيده، فيكون التسليم إسلام بأمانة المُسلِّم، وثقة تطمئن إليه, فتُنتج الحرية والرضا للمُسَلِّم والمُسَلَّم، بمشروطةٍ أحديةٍ لا شريك لها، هى توسد "أهل الرشاد" لهم (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) لا "أهل الرجس" لهم (َيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) "فمن شاء" أيها المُقيد، ها قد أذن لك المُطلق بالعروج إليه، فكانوا هم السبيل، عين الخلق على نافذة الحق، فترى بهم وجه الحق المنير فى كل وجه، (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) الوصل السابع هو عروجنا الأخير، وتمام السيرورة، إلى سدرة منتهى المكتوب، مكتوب: هُوَ؛ اللَّهُ؛ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ هُوَ؛ الرَّحْمَنُ… يدعو إليه، المُقيد، الإنسان، ويفتح إليه المعارج الحسنى، التى وصِف بها من حيث أعطاها للمخلوق؛ لك؛ هُوَ؛ اللَّهُ؛ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ هُوَ؛ الرَّحْمَنُ… يغرى الإنسان بالصعود، والصفات درجات المعراج، واكتسابها… هُوَ؛ اللَّهُ؛ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ هُوَ؛ الرَّحْمَنُ… واكتسابها ممكن، لأنك مزود باستطاعة اكتسابها، كلفك المطلق بها أيها المقيد، وهو لا يكلف المقيد غير ما يستطيع… وهذا التكليف يقطع بقدرة المُقيد المستطيع، على العروج صعودا بمراقى صفات التخلق، على بٌراق اسم التعلق. إلى الرحمن نسبة كل عبد ظهور صفاته الحسنى؛ عليه… . أليس الأمر مهماً، ومفيداً…، اكتساب هذا النسب الرحمانى… وانتبه: فأغبى الوَرى من لم يجد نفسه تخصه إلا برأى العوام.