«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخبار الادب تفتح ملفات التنوير
مؤمنون .. وملحدون .. والله اعلم حرية التفكير .. وحرية التكفير بين اهل الانكار .. واهل التصديق
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 11 - 2012

أجري د.مصطفي محمود تسعة عشر حوارا مع صديقه الذي وصفه بأنه« ملحد« حول مجموعة من القضايا الناشبة أظافرها في كل عصر والتي تطل برأسها دائما، وتحمر عيونها بين الحين والآخر، ويشتعل بريقها وحريقها أكثر في هذه الآونة التي تتسم بحرية المعلومات ومناقشة كل شئ، وإعادة الطرح لكثير من الأمور التي تبدو في ظاهرها مستقرة، لكنها تحمل في باطنها غليانا بشكل أو بآخر.
في ذكراه التي تمر هذه الأيام ، يبقي كتابه الجرئ جدا «حوار مع صديقي الملحد» الذي صدرت طبعته الأولي عام 1986، ولا تزال طبعاته تتوالي كواحد من أكثر كتبه والكتب عموما انتشارا واستقطابا خاصة بين أطياف الشباب... نستعيد بعضا من هذه القضايا التي أثيرت بين مؤمن بالله وملحد به. في دلالة علي حرية الحوار ، وإيجابية الجدل، وفضاء الرأي والرأي الآخر، ووجود المتناقضين في الشئ الواحد وهذا بعض من كل الحوار:
قول الذي هو ملحد
قال لي ساخراً: أنتم تقولون : إن الله موجود .. وعمدة براهينكم هو قانون »السببية« الذي ينص علي أن لكل صنعة صانعاً.. ولكل خلق خالقاً .. ولكل وجود موجدا .. النسيج يدل علي النسّاج .. والرسم يدل علي الرسّام .. والنقش يدل علي النقّاش .. والكون بهذا المنطق أبلغ دليل علي الإله القدير الذي خلقه ..صدّقنا وآمنّا بهذا الخالق .. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل .. ومن خلق الخالق .. من خلق الله الذي تحدثوننا عنه .. ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلي هذا .. وتبعاً لنفس قانون السببية .. ما رأيكم في هذا المطب دام فضلكم ؟
-ونحن نقول له : سؤالك فاسد .. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلّم بأن الله خالق ثم تقول مَن خلقه ؟! فتجعل منه خالقاً ومخلوقا ًفي نفس الجملة وهذا تناقض..والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته .. فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان .والله الذي خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيداً بالزمان والمكان .. ولا بقوانين الزمان والمكان .والله هو الذي خلق قانون السببية .. فلا يجوز أن نتصوره خاضعاً لقانون السببية الذي خلقه .وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك .. وتتصور أن الإنسان الذي صنعها لا بد هو الآخر يتحرك بزمبلك .. فإذا قلنا لها بل هو يتحرك من تلقاء نفسه .. قالت : مستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه .. إني أري في عالمي كل شيء يتحرك بزمبلك .وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد .. لمجرد أنك تري كل شيء حولك في حاجة إلي موجد .وأنت كمن يظن أن الله محتاج إلي براشوت لينزل علي البشر ومحتاج إلي أتوبيس سريع ليصل إلي أنبيائه.. سبحانه وتعالي عن هذه الأوصاف علوّاً كبيراً ..
»وعمانويل كانت« الفيلسوف الألماني في كتابه »نقد العقل الخالص« أدرك أن العقل لا يستطيع أن يحيط بكنه الأشياء وأنه مُهيّأ بطبيعته لإدراك الجزئيات والظواهر فقط .. في حين أنه عاجز عن إدراك الماهيات المجردة مثل الوجود الإلهي .. وإنما عرفنا الله بالضمير وليس بالعقل .. شوقنا إلي العدل كان دليلنا علي وجود العادل .. كما أن ظمأنا إلي الماء هو دليلنا علي وجود الماء ..
أما أرسطو فقد استطرد في تسلسل الأسباب قائلاً : إن الكرسي من الخشب والخشب من الشجرة .. والشجرة من البذرة .. والبذرة من الزارع .. واضطر إلي القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللانهائي لابد أن ينتهي بنا في البدء الأول إلي سبب في غير حاجة إلي سبب .. سبب أول أو محرك أول في غير حاجة إلي من يحركه .. خالق في غير حاجة إلي خالق .. وهو نفس ما نقوله عن الله ..أما ابن عربي فكان رده علي هذا السؤال »سؤال مَنْ خلق الخالق«.. بأنه سؤال لا يرد إلا علي عقل فاسد.. فالله هو الذي يبرهن علي الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهاناً علي الله.. تماماً كما نقول إن النور يبرهن علي النهار .. ونعكس الآية لو قلنا إن النهار يبرهن علي النور ..
يقول الله في حديث قدسي :( أنا يُستدل بي أنا لا يُستدل عليّ ) فالله هو الدليل الذي لا يحتاج إلي دليل .. لأنه الله الحق الواضح بذاته .. وهو الحجة علي كل شيء .. الله ظاهر في النظام والدقة والجمال والإحكام .. في ورقة الشجر .. في ريشة الطاووس .. في جناح الفراش .. في عطر الورد .. في صدح البلبل .. في ترابط
النجوم والكواكب.. في هذا القصيد السيمفوني الذي اسمه الكون..
لو قلنا إن كل هذا جاء مصادفة .. لكنا كمن يتصور أن إلقاء حروف مطبعة في الهواء يمكن أن يؤدي إلي تجمعها تلقائياً علي شكل قصيدة شعر لشكسبير بدون شاعر وبدون مؤلف.والقرآن
يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بوضوح قاطع ودون تفلسف:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد) سورة الإخلاص:1
تعدد الآلهة
ويسألنا صاحبنا ساخراً:ولماذا تقولون إن الله واحد؟ لماذا لا يكون الآلهة متعددين؟ يتوزعون بينهم الاختصاصات ؟
- سنرد عليه بالمنطق الذي يعترف به، بالعلم وليس بالقرآن ، سوف نقول له إن الخالق واحد ، لأن الكون كله مبني من خامة واحدة وبخطة واحدة .. فمن الأيدروجين تألفت العناصر الاثنان والتسعون التي في جدول »مندليف« بنفس الطريقة »بالادماج« وإطلاق الطاقة الذرية التي تتأجج بها النجوم وتشتعل الشموس في فضاء الكون .كما أن الحياة كلها بنيت من مركبات الكربون »جميع صنوف الحياة تتفحم بالاحتراق« وعلي مقتضي خطة تشريحية واحدة .. تشريح الضفدعة ، والأرنب ، والحمامة ، والتمساح ، والزرافة ، والحوت ، يكشف عن خطة تشريحية واحدة ، نفس الشرايين والأوردة وغرفات القلب ، ونفس العظام ، كل عظمة لها نظيرتها .. الجناح في الحمامة هو الذراع في الضفدعة .. نفس العظام مع تحور طفيف ..والعنق في الزرافة علي طوله نجد فيه نفس الفقرات السبع التي تجدها في عنق القنفذ .. والجهاز العصبي هو هو في الجميع ، يتألف من مخ وحبل شوكي وأعصاب حس وأعصاب حركة .. والجهاز الهضمي من معدة واثني عشر ، وأمعاء دقيقة وأمعاء غليظة والجهاز التناسلي نفس المبيض والرحم والخصية وقنواتها .. والجهاز البولي الكلية والحالب ، وحويصلة البول .. ثم الوحدة التشريحية في الجميع هي الخلية .. وهي في النبات كما في الحيوان كما في الإنسان، بنفس المواصفات، تتنفس وتتكاثر وتموت وتولد بنفس الطريقة ..فأية غرابة بعد هذا أن نقول إن الخالق واحد ؟ .. ألا تدل علي ذلك وحدة الأساليب .ولماذا يتعدد الكامل ..؟ وهل به نقص ليحتاج إلي من يكمله ؟ إنما يتعدد الناقصون ، ولو تعدد الآلهة لاختلفوا ، ولذهب كل إله بما خلق ، ولفسدت السماوات والأرض.. والله له الكبرياء والجبروت وهذه صفات لا تحتمل الشراكة ..
في كل صغيرة وكبيرة
ويسخر صاحبنا من معني الربوبية كما نفهمه .. ويقول: أليس عجيباً ذلك الرب الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة.
- هل الرب الجدير في نظره هو رب عاطل مغمي عليه لا يسمع ولا يري ولا يستجيب ولا يعتني بمخلوقاته ؟ ثم من أين للسائل بالعلم بأن موضوعاً ما تافه لا يستحق تدخل الإله، وموضوعاً آخر مهماً وخطير الشأن ؟إن الذبابة التي تبدو تافهة في نظر السائل لا يهم في نظره أن تسقط في الطعام أو لا تسقط، هذه الذبابة يمكن أن تغيّر التاريخ بسقوطها التافه ذلك .. فإنها يمكن أن تنقل الكوليرا إلي جيش وتكسب معركة لطرف آخر، تتغير بعدها موازين التاريخ كله.ألم تقتل الإسكندر الأكبر بعوضة ؟إن أتفه المقدمات ممكن أن تؤدي إلي أخطر النتائج .. وأخطر المقدمات ممكن أن
تنتهي إلي لا شيء .. وعالم الغيب وحده هو الذي يعلم قيمة كل شيء .وهل تصور السائل نفسه وصيّاً علي الله يحدد له اختصاصاته .. تقدّس وتنزّه ربنا عن هذا التصور الساذج .إنما الإله الجدير بالألوهية هنا هو الإله الذي أحاط بكل شيء علماً .. لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .الإله السميع المجيب ، المعتني بمخلوقاته .
قدَّرّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟
قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة :أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي، وأن أفعالي كلها مقدّرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
- أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن.. قلت له في هدوء :أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدرة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط .. كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته .. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك ..أما كلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك علي ذلك بأنك لم تخيَّر في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها .. هو تخليط آخر ..وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين ..أنت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول .. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً .. هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها .. أين حريتي ؟ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده .. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) 68 سورة القصص.
ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ..ولن يحاسبك الله علي قِصَرك ولن يعاتبك علي طولك ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها ، ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف .. وأنت في هذا المجال حر .. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها ..أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة..أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك ..
أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب ..وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام ..وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين ..وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة ..في هذا المجال نحن أحرار ..وفي هذا المجال نُحاسَب ونُسأل ..الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة حرية الإنسان في مجال التكليف..
هل مناسك الحج وثنية ؟
قال صاحبي وهو يفرك يديه ارتياحا ويبتسم ابتسامة خبيثة تبدي نواجذه وقد لمعت عيناه بذلك البريق الذي يبدو في وجه الملاكم حينما يتأهب لتوجيه ضربة قاضية: ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة.
- قلت في هدوء :- ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر ،الإلكترون في الذرة يدور حول النواة ، والقمر حول الأرض ، والأرض حول الشمس ، والشمس حول المجرة ، والمجرة حول مجرة أكبر ، إلي أن نصل إلي » الأكبر مطلقا » وهو الله .. ألا نقول » الله أكبر » .. أي أكبر من كل شيء ..وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوف فلا شيء ثابت في الكون إلا الله هو الصمد الصامد الساكن والكل في حركة حوله ..وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياء ..أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله ..وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله ..فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله ..ألا تطوفون أنتم حول رجل محنط في الكرملين تعظمونه وتقولون إنه أفاد البشرية ، ولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلي زيارته بأكثر مما نتسابق إلي زيارة محمد عليه الصلاة والسلام ..ألا تضعون باقة ورد علي نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهول فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا علي نصب رمزي نقول إنه يرمز إلي الشيطان ..ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلي موتك ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد وهي نفس الرحلة الرمزية من الصفا » الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم » إلي المروة وهي النبع الذي يرمز إلي الحياة و الوجود ..من العدم إلي الوجود ثم من الوجود إلي العدم ..أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات ..ألا تري في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرار .ورقم 7 الذي تسخر منه .. دعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7 صول لا سي دو ري مي فا ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد .. فلا نجد 8 وإنما نعود إلي سبع درجات أخري وهلم جرا ، وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات 7 والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت وأيام الأسبوع عندنا وعند جميع أفراد الجنس البشري 7 وضعوها كذلك دون أن يجلسوا ويتفقوا ..
ألا يدل ذلك علي شيء ..أم أن كل هذه العلوم هي الأخري شعوذات طلسمية.ألا تقبل خطابا من حبيبتك .. هل أنت وثني ؟
تأليف القرآن !
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته: لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن وأنا معك في أنه كتاب قيم.. ولكن لماذا لا يكون من تأليف محمد؟.. إن رجلا في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتابا في عظمة القرآن.
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام.. فلأن القرآن بشكله وعباراته وحروفه وما احتوي عليه من علوم ومعارف وأسرار وجمال بلاغي ودقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه.. فإذا أضفنا الي ذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان أميا، لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم في مدرسة ولم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية، فإن احتمال الشك واحتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلا.. والله يتحدي المنكرين ممن زعموا أن القرآن مولف.»قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله« استعينوا بالجن والملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله ومازال التحدي قائما ولم يأت أحد بشيء... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها »سورة من مثله«... أتي بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع.. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي..
وإذا نظرنا إلي القرآن في حياد وموضوعية فسوف نستبعد تماما أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلفه.أولا: لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه وأشجانه، ونحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة وعمه أبا طالب ولا سند له في الحياة غيرهما.. وفجيعته فيهما لا تقدر.. ومع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن ولا بكلمة.. وكذلك يموت ابنه إبراهيم ويبكيه، ولا يأتي لذلك خبر في القرآن.. القرآن معزول تماما عن الذات المحمدية.بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد وما يفكر فيه.. وأحيانا تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمي الذي انصرف عنه النبي إلي أشراف قريش:»عبس وتولي. أن جاءه الأعمي. وما يدريك لعله يزكي. أو يذكر فتنفعه الذكري، وأحيانا تنزل الآية فتنقض عملا من أعمال النبي:» ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم« 67- 68- الأنفال وأحيانا يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفا:» قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم« 9- الأحقاف
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدري ما يفعل به ولا بكم.. لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا.. ولا أملك لكم ضرا ولا نفعا. فإن هذا يؤدي إلي أن ينفض عنه أتباعه. وهذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا.. ما نفع هذا النبي الذي لا يدري ماذا يفعل به ولا بنا.. هذا رجل لا جدوي فيه. مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه.
ثانيا: لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها وبنائها ومعمارها ليس إلا شبيه فيما سبق من أدب العرب ولا شبيه فيما أتي لاحقا بعد ذلك.. حتي لتكاد اللغة تنقسم إلي شعر ونثر وقرآن.. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر ولا بالشعر. فموسيقي الشعر تأتي من الوزن ومن التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدي ينشد:
العلم والإيمان
- قلت لصديقي :ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة .. فما كان الفلك الحديث ، ولا علوم الذرّة ، ولا علوم البيولوجيا والتشريح معروفة حينما نزلت الآيات الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات والأرض والنجوم والكواكب، وخلق الجنين وتكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .ولم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتابا وعقيدة ومنهجا وتشريعا..
ولو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل ووضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه .. ولهذا لجأ إلي أسلوب الإشارة واللمحة والومضة لتفسرها علوم المستقبل وكشوفه بعد ذلك بمئات السنين .. وتظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات ومعجزات علي صدق نزول القرآن من الله الحق..( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) 53/ سورة فصلت لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله علي كتابه .. فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة .. الاقتصاد والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان ..كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .
كل هذه الشكوك
قال صاحبي: تقول إن القرآن لا يتناقض مع نفسه فما بالك بهذه الآية: »فمن شاء فليؤمن ومن شاءفليكفر« 39- الكهف والآية الأخري التي تنقضها: »وما تشاءون إلا أن يشاء الله«30- الإنسان، ثم نجد القرآن يقول عن حساب المذنبين إنهم سوف يسألون: »ستكتب شهادتهم ويسألون«19- الزخرف »وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون«44- الزخرف ومرة أخري يقول: »ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون«78- القصص وأنهم سوف يعرفون بسيماهم: »فيؤخذ بالنواصي والأقدام« 41- الرحمن ومرة يقول إنه لا أحد سوف يشد وثاق المجرم. »ولا يوثق وثاقه أحد«26- الفجر بمعني أن كل واحد سوف يتكفل بتعذيب نفسه. »كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا« 14- الإسراء ومرة يقول: »ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه«32- الحاقة
- قلت له: هذه ليست تناقضات.. ولنفكر فيها معا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. آية صريحة تشير إلي حرية العبد واختياره.. ولكن هذه الحرية لم نأخذها من الله غصبا وغلابا.. وإنما أعطاها إيانا بمشيئته.. فتأتي الآية الثانية لتشرح ذلك فتقول:»وما تشاءون إلا أن يشاء الله »30- الإنسان.
أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها.. أي أن حرية العبد يمكن أن تناقض الرضا الإلهي فتختار المعصية ولكنها لا يمكن أن تناقض المشيئة.. فهي تظل دائما ضمن المشيئة، ولو خالفت الرضا.. وهي نقطة دقيقة.. وقلنا إن التسيير الإلهي هو عين التخيير، لأن الله يختار للعبد من جنس نيته وقلبه.. ومعني ذلك أنه يريد للعبد نفس ما أراد العبد لنفسه بنيته واختيار قلبه... أي أن العبد مسير إلي ما اختار.. ومعني ذلك أنه لا إكراه و أنه لا ثنائية ولا تناقض.. وأن التسيير هو عين التخيير. وهي مسألة من أدق المسائل في فهم لغز المخير والمسير.. وما تسميه أنت تناقضا هو في الحقيقة جلاء ذلك السر.
أما الآيات الواردة عن الحساب فإن كل آية تعني طائفة مختلفة، فهناك من سوف يسأل وتطلب شهادته، وهناك من ستكون ذنوبه من الكثرة بحيث تطفح علي وجهه، وهؤلاء هم الذين سوف يعرفون بسيماهم فيؤخذون بالنواصي والأقدام، وهناك المعاند المنكر الذي سوف تشهد عليه يداه ورجلاه:» اليوم نختم علي أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون »65- يس
وهناك من سيكون حسيبا علي نفسه يعذبها بالندم ويشد وثاقها بالحسرة.. وهو الذي لا يوثق وثاقه أحد.وهناك أكابر المجرمين الجبارين الذين سوف يكذبون علي الله، وهم يواجهونه ويحلفون الكذب وهم في الموقف العظيم:»يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم علي شيء ألا إنهم هم الكاذبون« 18- المجادلة وهؤلاء هم الذين سوف يسحبون علي وجوههم ويوثقون في السلاسل. . وأبو حامد الغزالي يفسر هذه السلاسل بأنها سلاسل الأسباب.
الغيب والكرسي والنملة
وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي: ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت » 34- لقمان
- يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره:» وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو« 51- الأنعام فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكرا أم أنثي.. وما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية.لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث، وهو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفي لتغيير مصير أمة وإغاثتها ونقلها من حال الجدب إلي حال الخصب والرخاء.. والمطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة.أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط وليس فقط علما بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثي، وإنما علم بمن يكون ذلك المولود وما شأنه وماذا سيفعل في الدنيا، وما تاريخه من يوم يولد إلي يوم يموت: وهو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب.
وما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض.. وعرش الله الذي يحمله ثمانية.
- إن عقلك يسع السموات والأرض وأنت البشر الذي لا تذكر.. فكيف لا يسعها كرسي الله..والأرض والشمس والكواكب والنجوم والمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء.. فكيف تعجب لحمل عرش..
وما هو الكرسي وما العرش؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي؟ قل لي ما الكهرباء؟ قل لي ما الجاذبية؟ قل لي ما الزمان؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي وما العرش؟ إن العالم مملوء بالأسرار وهذه بعض أسراره.
والنملة التي تكلمت في القرآن وحذرت بقية النمل من قدوم سليمان وجيشه:
» قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده« 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال.. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل ولغة النحل. ولغة النمل الآن حقيقة مؤكدة.. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف ويتم التنظيم وتنقل الأوامر والتعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم، ولا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان.. ألم يعرف الإنسان الله؟
وكيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه:»يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب« 38- الرعد أيخطي ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو ونثبت.. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا.
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه:»إن الحسنات يذهبن السيئات« 114- هود ويقول عن عباده الصالحين:
»وأوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة« 73- الأنبياء. وبذلك يمحو الله دون أن يمحو وهذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها.
أشرس ملحد في القرن العشرين يعلن للعالم إيمانه بالله بعد 80 عاما
الفيلسوف البريطاني »أنتوني فلو«: اكتمل لدينا البرهان الفلسفي علي وجود الإله الحكيم القادر
أنتوني فلو(أستاذ الفلسفة البريطاني) اسم ذائع الصيت في مجالات الفكر والفلسفة والإلحاد والتدين! وُلد في لندن في 11/2/1923كان يُعَد بحق من أكبر ملاحدة العصر الحديث، وتعتبر كتاباته الغزيرة جدول أعمال الفكر الإلحادي طوال النصف الثاني من القرن العشرين..في التاسع من ديسمبر عام 2004، فوجئ العالم بخبر ما زال صداه يتردد في الأوساط الفلسفية والعلمية والثقافية والدينية؛ لقد أعلن أنتوني فلو (بعد أن بلغ من العمر ثمانين عامًا) أنه قد صار يؤمن بأن «هناك إله». وقد أذاعت وكالة أنباء الأسوشيتد برس الخبر بعنوان: »ملحد شهير يؤمن بالإله، بدافع من الشواهد العلمية«
أصاب الخبر الملاحدة من زملاء أنتوني فلو وتلاميذه بهستيريا عارمة، حتي امتلأ إعلام العالم الغربي الحر بسخريتهم وازدرائهم لهذا التحول!وقد طُلب من أنتوني فلو مرارًا أن يُصدِر كتابًا يعرض فيه رحلته، من صبي مؤمن إلي رجل ملحد إلي شيخ في الثمانين يؤمن بوجود الإله. وأخيرًا صدر عام 2007 الكتاب المنتَظَر :«هناك إله: كيف عَدَلَ أشرسُ مُلحدٍ عن الإلحاد» ووضع المفكر والجراح الشهير د.عمرو شريف ترجمة لكتاب«هناك إله» ولم يكتف فقط بالترجمة والعرض بل طرح قضية العلاقة بين الدين والعقل والعلم للتحليل «رحلة عقل» قدم أطروحة عن الإلحاد المعاصر ونشأته، وتعريفًا بالفلسفة والعلم وعلاقتهما بالدين.
بذور الإلحاد
يسرد أنتوني فلو ملامح مرحلة النشأة والتكوين، في بيت مسيحي ملتزم؛ إذ كان والدي كاهنًا إنجليزيًّا كبيرًا من النشطاء في الكنيسة، كما كان محاضرًا ثم رئيسًا لكلية الدراسات الدينية في كمبريدج ويقول إنه لم يشعره في صغري بأية رغبة في التواصل مع الرب، وكل ما يستطيع قوله هو أن بذرة الإيمان التي كانت داخله عند التحاقي بالمدرسة، ماتت قبل تخرج منها، ولا يدري علي وجه التحديد، متي وكيف توجه إلي الإلحاد بالرغم من النشأة الدينية؟ بالتأكيد هناك عوامل كثيرة شاركت في تشكيل قناعاته الإلحادية منها انه ورثت عن والدي الحكمة وشغفه العقلي ومنهجه في البحث..ومن المفارقات، أن اكتسابي لحب الحكمة واكتسابي لهذه العقلية المدققة المحللة الناقدة عن والدي، قد أخذاني بعيدًا عن إيمانه وتدينه. ويؤكدأن معضلة الشر والألم» أحد العوامل المبكرة وراء اندفاعه تجاه الإلحاد.( كنت دائم النقاش مع أقراني ومع من هم أكبر مني عُمرًا، حول القضايا الإيمانية التي يطرحها الكهنة. وكنت غير متقبل علي الإطلاق لفكرة الرب «كُلِّي الوجود كُلِّي العلم كُلِّي القدرة». وما إن بلغت سن الخامسة عشر، حتي أعلنت لزملائي رفضي الإقرار بوجود الإله. تم ذلك كله دون أن أتناقش مع قس الاعتراف حول شكوكي، كذلك نجحت في أن أخفي قناعاتي الجديدة عن والديَّ لفترة طويلة حتي لا أعكر صفو البيت. وبحلول شهر يناير عام 1946، وكنت قد قاربت الثالثة والعشرين من عمري، ذاع الخبر بأنني قد أصبحت ملحدًا دهريًّا، وأن قناعتي لا رجعة فيها، فشعر مَن بالبيت أنه لا طائل من مناقشة هذا الأمر معي. وتبعًا للقول المأثور «إن ما تؤمن به في سن الثالثة عشر هو ما تموت عليه»، أستطيع القول: إن الأفكار التي كونتها في صباي قد ظلت معي حتي بلغت الثمانين من عمري واقتربت من الموت.
ثم يتحدث في الفصل الثاني عن تشكيل الفلسفي دراسة وتدريسا في جامعة اكسفورد, ويستفيض في عرض المؤثرات الفلسفية التتي لعبته دورها في بنائه الفكري، ونختار هذه الفصلين من كتابه (هناك إله)الدي ترجنه د.عمرو شريف:
ثمار شجرة الإلحاد
بدأ اهتمامي بالفلسفة يتخذ شكلًا أكاديميًّا منذ ظهور بحث «زيف علم اللاهوت». وعلي مدي نصف قرن من الزمان، نشرتُ قُرابة خمسة وثلاثين مجلدًا في مختلف فروع الفلسفة. كانت فلسفة الإلهيات أكثر فروع الفلسفة إثارة لاهتمامي، كما كتبت في فلسفة اللغة والمنطق والأخلاق والاجتماع والسياسة والتعليم. وكتبت كذلك حول قضايا حرية الإرادة والباراسيكولوجي والحياة بعد الموت وغيرها.سأتوقف في هذا الفصل عند أربع محطات، أعتبرها أحجار زاوية في منظوري الإلحادي في فلسفة الإلهيات علي مدي خمسين عامًا، اعتقدت بعدها أن مفاهيمي الفلسفية قد تشكلت ونضجت وتبلورت واستقرت.
(أ) زيف علم اللاهوت .. ذكرت في الفصل السابق الملابسات التي أحاطت بعرضي لهذا البحث عام 1950أمام نادي سقراط بأكسفورد. بدأت البحث بعرض الأسباب التي دفعتني لتبني الإلحاد في سن مبكرة، وتدور هذه الأسباب حول نقطتين:
1- معضلة الشر والألم التي تقف عقبة أمام مفهوم «الله محبة الله الذي لا يقبل الشرور».
2- طلاقة المشيئة الإلهية، ليست عذرًا كافيًا لصب كل هذه المعاناة علي البشر.
وقد أقمت البحث علي القاعدة الفلسفية: لا يمكن قبول ادعاءٍ ما إلا إذا أقمنا الدليل علي خطأ كل الأمور التي تعارضه. فمثلًا، ادعاء أن الأرض كروية يعارضه أن الأرض تبدو أمامنا مستوية، لذلك ينبغي إقامة الدليل علي خطأ هذا التعارض الظاهري أو تفسيره.وعند تطبيق هذه القاعدة، للحكم علي صحة ادعاء المؤمنين بأن «الله محبة» (أي أن الإله يحبنا)، ينبغي أن ينتفي وجود الشر والمعاناة والألم من حياة البشر، وهذا ليس واقع الأمر.
لِمَ لا نستنتج من وجود هذه النقائص في حياتنا أن الإله لا يحبنا، أو أنه ليس هناك إله البتة، خاصة أن المتدينين لم يقدموا حيثيات قاطعة تثبت أن هناك إلهًا، وأنه يحبنا.كما أكد البحث علي أهمية تحليل معني المصطلاحات اللغوية التي يُعَبِّر بها المؤمنون عن مفاهيمهم الدينية (الفلسفة التحليلية اللغوية).
كان غرضي من هذا الطرح أن أشعل الحوار بين المُلحدين والمتدينين، وأن أحث المؤمنين علي أن يشرحوا اصطلاحاتهم ومفاهيمهم (مثل: الله محبة، الثالوث، الصليب...) بشكل واضح مفهوم، خاصة مع وجود شواهد قوية تعارض ما يقولون. وبالرغم من هذا، ادَّعي البعض أنني أتفق مع الفلسفة الوضعية المنطقية التي تري أن المفاهيم الدينية لا معني لها ولا ينبغي طرحها للمناقشة، وهذا معني لم أقصده علي الإطلاق. بل إنني أعتبر أن دعوتي للحوار بين الملحدين والمتدينين، وكذلك دعوتي لشرح مصطلحات المؤمنين والرد علي ما يواجهها من معارضة، تمثل الضربة القاضية للفلسفة الوضعية المنطقية.حقق هذا البحث ذيوعًا كبيرًا وطُبع عدة طبعات، وأصبح أكثر الدراسات الفلسفية شيوعًا في القرن العشرين، كما وُصف بأنه «يطرح أفكارًا وحججًا جديدة في مجال فلسفة الإلحاد»، وأنه «يطرح منهجًا فلسفيًّا جديدًا لدراسة قضية الألوهية».
نتعلم من الاختلاف
أثار بحثي «زيف علم اللاهوت» الكثير من ردود الأفعال التي استمرت لعشرات السنين (وما زالت مستمرة حتي اليوم)، وقد أعانني بعضها علي أن أصحح بعضًا من مفاهيمي.اعترض «ر.م.هير» (أستاذ فلسفة الأخلاق في أكسفورد) علي التعامل مع المفاهيم الدينية بأسلوب التحليل المنطقي والتدقيق اللغوي، ودعي إلي أن نفهم الاصطلاحات الدينية فهمًا عامًّا. ولا أعتقد أن هذا الطرح يعجب المتدينين؛ إذ إنه ينفي إمكانية الإيمان بناءً علي أدلة العقل والمنطق.أما «بازل ميتشل »(الذي تَرَأَّس نادي سقراط بعد لويس) فقد اعترض بأنه لا مانع من أن يوجد في العقائد الدينية ما يتعارض مع الحقائق الظاهرة، ذلك لما تنطوي عليه العقائد من غيبيات. ومع ذلك أقر ميتشل بأن المتدينين يُحَوِّلون معتقداتهم إلي صياغات خالية من المعني.ويري «آي. أم. كرمبي» (المهتم بفلسفة أفلاطون) أنه ينبغي أن نفهم المصطلحات الدينية في ظل ثلاثة مفاهيم :
أولًا: الوجود الإلهي وجود خارق، يتجاوز كل ما نعرف، لذلك لا ينطبق ما يوصَف به الوجود المخلوق علي الإله الخالق.ثانيًا: بناءً علي «أولًا»، فإن الوجود الإلهي يتجاوز إمكانية الإحاطة والفهم.ثالثًا: بناءً علي «أولًا وثانيًا»، فإن الحديث عن الإله ينبغي أن يكون باستخدام لغة المجاز والرموز.لذلك يرفض كرمبي أن نستخدم الفلسفة التحليلية اللغوية، التي تعتمد علي التدقيق في المعني اللغوي للألفاظ، لفهم الصياغات الخاصة بالعقائد الدينية.
ويري «ريبرن هيمبك (أستاذ الفلسفة والدراسات الدينية الفخري بجامعة واشنطن) أنني وقعت في ثلاثة أخطاء في بحثي حين اعتبرت:أولًا: أن المقصود من أي جملة هو المعني اللغوي الظاهر لكلماتها، دون النظر إلي المجاز.ثانيًا: أن عدم توافق برهان ما مع معتقَدٍ ما، يعني أن هذا البرهان يثبت خطأ المعتقد، بينما ينبغي التفرقة بين عدم التوافق وبين التخطيء.ثالثًا: أن المتدينين لا يدركون التناقض بين معضلة الشر ومفهوم أن الله محبة. ويرد بأن المتدينين يدركون هذا التناقض الظاهري، ويطرحون العديد من التأويلات لإزالته.ويري هيمبك أن خطأي المنهجي الأكبر عند الحكم علي مفهوم ما بالخطأ أو الصواب، هو أنني أنظر إليه نظرة مطلقة دون أخذ الظروف المحيطة في الاعتبار.لا شك أن رأي هيمبك من أصوب ما وُجِّه من نقد إلي بحث «زيف علم اللاهوت»، وقد استفدت منه في تصحيح منهجي الفلسفي.
(ب) الإله والفلسفة
قمت في هذا الكتاب بعمل دراسة منهجية تحليلية للديانة المسيحية؛ حيث لم أجد في الكتابات الحديثة تحليلًا معاصرًا للمعتقدات المسيحية، التي يعتبرها المسيحيون مفاهيم بديهية وأساسية.صدر الكتاب عام 1966، وخرجت منه طبعات عديدة كان آخرها عام 2005.قدمت في الكتاب منهجًا للملاحدة للتعامل مع الفكر الديني. ولما كانت الدعوة للدين تتم علي ثلاث مراحل، ذكرت أن أول ما ينبغي البدء به هو تمحيص مفهوم الإله (الروح، كلي الوجود، كلي العلم)، بعد ذلك يأتي تقييم حجج الدين الطبيعي ثم الرد علي دعاوي الوحي الإلهي.من أجل تمحيص مفهوم الإله، ذكرت أن هناك ثلاثة تساؤلات رئيسية ينبغي الإجابة عنها عند تناول قضية الألوهية:
- كيف نُعَرِّف الإله؟
- كيف نَصِف الإله ببعض الصفات التي تتفق مع صفاتنا (مثل الوجود والقدرة والعلم)، بالرغم من دعاوي المتدينين مخالفته التامة للمخلوقات؟
- إذا أقررنا بوجود الإله الخَيِّر، كيف نفسر معضلة الشر والألم؟
كانت إجابة المتدينين جاهزة بخصوص السؤال الثاني، وهي أن وصف الإله يتم بما يُعرف في علم المنطق بأسلوب المشابهة، وهو أنه لا يمكننا أن نَصِف الإله إلا بما نعرف من صفات بشرية (موجود، حي، قادر، عليم) مع إدراك أن هناك فوارق كيفية وكمية في هذه الصفات بين الخالق والمخلوق.كذلك كانت الإجابة عن التساؤل الثالث جاهزة، وهي طلاقة الإرادة في أن يُنزل الإله بالبشر الخير أو الشر، وأن الشر ابتلاء للإنسان يلقي عنه العِوَض في حياة أخري بعد الموت.أما التساؤل الأول فلم يكن قد أخذ حظه من اهتمام المتدينين من قبل. وقصدت أن أؤكد بهذا التساؤل أنه لا ينبغي مناقشة الأدلة علي وجود الإله، قبل أن نكون قادرين علي أن نُعَرِّف هذا الإله وندرك معني أوصافه (مثل الموجود في كل مكان ولا جسم له).
كان الفيلسوف «ريتشارد سوينبرن » من أحكم من تصدي لهذا التساؤل. فأجاب بأن حقيقة شخص ما تختلف عن جسده وسلوكه، وإذا كان من المستحيل التعرف علي حقيقة الإنسان فإن هذا العجز أوْلَي في حق الإله.كذلك تنبه الفيلسوف الإنجليزي الشهير «فريدريك كوبلستون» إلي خطورة تساؤلي، فأجاب بأنه ليس باستطاعة العقل البشري أن يشير بإصبعه إلي الإله كما يشير إلي فراشة في متحف للفراشات. وأضاف أن الإله يتجلي لكل إنسان تبعًا لقدرة الفرد علي التسامي خارج إطار الزمان والمكان.
انتقلت إلي المرحلة الثانية، فأكدت علي أن الأدلة علي الوجود الإلهي المستقاة من دقة تصميم الكون ومن فطرية المفاهيم الأخلاقية (حجج الدين الطبيعي) أدلة واهية. ثم انتهيت بأن أكدت أن دعاوي الوحي الإلهي لا تثبت أمام التمحيص المنهجي.والآن، أعتبر أن ما أوردت في كتاب «الإله والفلسفة» من حجج وتساؤلات، منذ أربعين سنة، قد أصبح خطوة علي الطريق؛ إذ تخليت عن معظم ما به من مفاهيم.
(ج) فرضية الإلحاد
في هذا الكتاب (صدر عام 1976) وَضَعتُ الكُرَة في ملعب المتدينين؛ إذ أكدت أن إثبات الوجود الإلهي يقع علي عاتق المؤمنين، وأن عليهم أن يطرحوا من الحجج ما يفحم الملاحدة؛ إذ إن «البينة علي من ادَّعي». ذلك بعد أن كان المنهج في فلسفة الأديان يضع علي الملاحدة مسئولية إثبات عدم وجود الإله، بدعوي أن الشعور بوجود الإله إحساس فطري.
لقد قلقل هذا الطرح موقف المتدينين من جذوره، فلم يحدث أن واجه الإيمان بوجود الإله مثل هذا التحدي من قبل.وذكرت أن إثبات الوجود الإلهي ينبغي أن يمر بالمراحل التي يمر بها أي افتراض علمي أو فلسفي، وهي:
1- تعريف مفهوم الإله الذي نطرح إثبات وجوده للبحث.
2- تحديد كيف تتم دراسة الظاهرة المعروضة للبحث (كل ظاهرة يناسبها منهج خاص).
3- طرح وتحليل الأدلة التي تشير إلي صدق هذا المفهوم (افتراض وجود الإله).
وكنت مصممًا علي التمسك بالنفي حتي يُقَدم الآخرون البرهان علي وجود الإله. كنت أطرح هذا المنهج وأنا أدرك تمامًا أن إثبات أمر ما أصعب كثيرًا من نفيه.
أتي أقوي اعتراض علي ما طالبت به المؤمنين من قِبَل الفيلسوف الأمريكي العظيم «ألفين بلانتنجا ». لقد أصر علي أن «الإيمان شعور فطري»، وأن الاعتقاد في وجود الإله مثل الاعتقاد في مفاهيم أساسية أخري، كالاعتقاد بأن للآخرين عقولًا كعقولنا، والاعتقاد في صحة حواسنا، والقول بأن الكل أكبر من الجزء،... إننا نؤمن بصحة هذه المفاهيم دون الحاجة إلي أن نسوق الدليل.
أما الفيلسوف «رالف مك أينرني » فقد تمسك بأن الانتظام والإعجاز في بنية الوجود، وثبات قوانين الطبيعة تجعل «القول بوجود خالق بديهة منطقية»، وعلي من ينكر ذلك أن يقدم الدليل.
(د) أنا وديفيد هيوم
كنت مهتمًّا في مرحلة من حياتي بدراسة فلسفة «ديفيد هيوم » (من أعتي فلاسفة الإلحاد)، وكتبت عنه عام 1961 كتابًا بعنوان: «فلسفة الإيمان عند هيوم» عندما كنت متبنيًا الكثير من آرائه، قبل أن أغير قناعاتي في هذه الآراء.من أهم القضايا التي تبنيتها ثم غيرت فيها رأيي، كانت قضية رفض «ارتباط النتيجة بالسبب ».
من الإلحاد إلي الشك إلي الإيمان
بعد أن اكتملت قناعاتي الإلحادية التي بلورتها عام 1976 في كتابي «فرضية الإلحاد »، انصرفت إلي مختلف فروع الفلسفة الأخري وإلي علم الاجتماع وإلي السياسة.جَدَّ علي ذلك اهتمامي بالقفزات العلمية الهائلة، خاصة نظرية الانفجار الكوني الأعظم التي تفسر نشأة الكون، وكذلك اكتشاف تركيب وآلية عمل المادة الوراثية في الخلايا الحية (جزيء الدنا DNA) وبالرغم من ذلك، ظل الاهتمام بفلسفة الأديان هو المسيطر علي اتجاهاتي الفكرية. ويبدو أن الآخرين صاروا يعتبرونني ممثلًا ومسئولًا عن الفكر الإلحادي، فدُعيت للمشاركة في الكثير من المناقشات التي كانت تأخذ صورة من ثلاث؛ إما مناظرات عامة أو حوارات محدودة أو مساجلات في الصحف العامة والمجلات الفلسفية المتخصصة.
أعرض فيما يلي بعض المناظرات المهمة التي قمت بها خلال حياتي الفلسفية الطويلة، والتي تُظهر تراجع موقفي تدريجيًّا عن الإلحاد الصِرف إلي معسكر الشكاكين.
(أ) برهان الرجل الأصلع
وقعت هذه المناظرة (عام 1976) في جامعة ولاية تكساس الشمالية مع الفيلسوف الديني الكبير «د. توماس وارين»، واستمرت أربع ليالٍ بدأت في العشرين من سبتمبر، وحضرها ما بين 5-7 آلاف شخص كل ليلة.
اعتمدت حجج د. وارين ضد الإلحاد علي مهاجمة نظرية التطور لداروين. لذلك سألني د. وارين إن كنت أؤمن بأنه كان يوجد في يوم من الأيام كائن نصفه إنسان ونصفه قرد؟ أجبت بأن هذا السؤال مثل السؤال عن متي نعتبر أن إنسانًا ما قد صار أصلعًا. وفَسَّرتُ رَدِّي قائلًا: لا شك أن أستاذي جلبرت رايل كان أصلعًا، إذ كانت رأسه خالية تمامًا من الشعر كقشرة البيضة، أما إذا نظرنا إلي الرجال عندما يتساقط الشعر تدريجيًّا من رءوسهم شعرةً شعرةً، فليس من السهل تحديد متي صار الرجل أصلعَ! فلا شك أن التطور أمر شديد البطء والتدريج.
ومن أقوي صياغاتي التي قلتها في هذه المناظرة، والتي تعكس قناعتي الإلحادية وقتها، قولي:
- إن القول بأن هناك إلهًا، فيه من التضاد كالتضاد في الحديث عن الأعزب المتزوج أو عن الدائرة المربعة.
- أؤمن بأن الوجود لا بداية له ولا نهاية له، ولم يُطرح عليَّ في حياتي مبرر عقلي وجيه لأغير قناعتي هذه.
- أؤمن بأن الكائنات الحية قد نشأت تلقائيًّا من المادة غير الحية، علي مدي دهور مغرقة في القدم.
- وبالرغم من الترحاب والضيافة الكريمة التي قوبلْتُ بها، فقد انتهت المناظرة وكل من المتناظِرَين متمسك بموقفه.
(ب) مبارزة رعاة البقر
وقعت هذه المناظرة المهمة في ولاية تكساس أيضًا عام 1998، وحضرها زهاء أربعة آلاف شخص. وكانت المناظرة تشبه المبارزة بالمسدسات بين رعاة البقر في الغرب الأمريكي، كنا أربعة من الملاحدة في مواجهة أربعة من كبار الفلاسفة الدينيين. تمسك كلٌّ من الطرفين بنفس المنهج: المبدأ القانوني «البينة علي من ادَّعي، وليس علي من ينكر». ومن ثَمَّ لم يبذل أي طرف منا جهدًا في إقناع الآخر بوجهة نظره، واكتفي بإطلاق النار علي خصمه!كانت حجج فريق الملاحدة تعتمد علي أن ادعاء شخص أنه رسول من السماء ليس دليلًا علي أن هناك من أرسله، فقد يكون شعوره هذا أوهامًا وتخيلات، أو كذبًا. وأكدنا أن الأدلة التقليدية علي الألوهية قد أصبحت بالية متصدعة.وقد تَمَسك مناظرنا الكبير «ألفين بلانتينجو بأن الإيمان بوجود إله يُعتَبَر شعورًا فطريا بديهيا، لا يحتاج إلي دليل، تمامًا كمفاهيم بديهية أخري مثل أن الكل أكبر من الجزء، ومثل أننا موجودون.
(ج) تَصَدُّع حائط الصد ..يلاحظ المتابع لمناظراتي الثلاث التالية أن حججي وأجوبتي علي المؤمنين قد ضعفت قوتها:
1- جَرَت علي صفحات المجلات الفلسفية مناظرة مهمة مع الفيلسوف الديني الكبير «تيري ميث، وقد طرح فيها برهانًا كونيًّا هائلًا:
- الكون يحوي موجودات محددة متغيرة.
- هذه الموجودات لا بد لها من موجد.
- لا يمكن التسلسل مع الموجودات التي تحتاج موجد، إلي ما لا نهاية؛ لذلك ينبغي الإقرار بموجد أول لهذه الموجودات.
- هذا الموجد الأول ينبغي أن يكون واحدًا، أزليًّا، حتمي الوجود.
وتنطبق صفات هذا الموجد الأول علي مفهوم الإله في الأديان السماوية.يقوم هذا البرهان علي مفهوم «الموجد واجب الوجود».وبالرغم من وجاهة هذا البرهان فقد رفضته، منطلقًا من أن الكون فيه من الأسباب المادية ما يلغي الاحتياج إلي موجد من خارجه.
2- في مناظرتي في ثمانينيات القرن العشرين مع «ريتشارد سوينبرن» أستاذ فلسفة الأديان بأكسفورد (أفضل مدافع عن الإيمان في العالم الناطق بالإنجليزية)، انطلقت حجج سوينبرن من أن موجد الكون المادي المحدود لا بد أن يكون غير مادي وأن يكون كلي الوجود، أجبت سوينبرن بأنني غير قادر علي تصور موجود بهذه الصفات.
3- في مناظرتي عام 1998 مع «وليم لين كريج، انطلق كريج من أن الكون الذي له بداية وعلي هذا القدر من التنظيم، يمكن تفسيره علي أكمل وجه بوجود إله خالق. كان جوابي: إننا يجب أن نقف في تصور بداية وجود الكون عند الانفجار الكوني الأعظم، وأن نعتبر هذا الانفجار هو الحقيقة الأولي. أما برهان التنظيم فقد دفعته بقولي: إن أدق ما في الكون، وهو الإنسان، يمكن تفسير وجوده وقدراته بالقوانين الطبيعية.
(د) إرهاصات تصحيح المسار ..تُعَدُ نظرية التطور)لعالم البيولوجيا الكبير تشارلس دارون (تطور الكائنات الحية نتيجة لطفرات عشوائية تحدث بالصدفة) من أهم الحجج التي يستند إليها الملاحدة، لتفسير تنوع الكائنات الحية دون الحاجة إلي وجود إله خالق، لذلك أصبحت هذه النظرية من موضوعات المناظرة المفضلة بين الماديين والمؤمنين.في كتابي «التطور الدارويني»، ذكرت أن مبدأ «الانتخاب الطبيعي (الذي يسمح للكائنات الحية بأن تمرر الطفرات العشوائية الجيدة التي تحدث في جيناتها إلي الأجيال التالية) لا يُنشئ في الكائنات صفات جديدة، ولكنه يقضي علي الطفرات غير الصالحة التي تصيب الكائنات الحية. إن تمحيصي لموقف الملاحدة من نظرية التطور، قد كشف لي عن الكثير من سوء الفهم المحيط بالنظرية، ونَزَعَ عنها حجيتها كدليل إلحادي، وسمح لي بتصحيح المسار، والبدء في الاقتناع بدور المصمم الذكي(في إحداث التطور.
(ه) ثم أدرت الدفة ..ثم جاءت اللحظة الحاسمة، ففاجأت الجميع في أهم مناظراتي العلنية (عُقدت في جامعة نيويورك عام 2004)، بأنني قد صرت أقبل فكرة «الوجود الإلهي»!، وفسرت ذلك بأن ما أثبته العلم الحديث من تعقيد مذهل في بنية الكون يشير إلي وجود مصمم ذكي. كذلك فإن البحوث الحديثة حول أصل الحياة، وما تَكَشَّفَ من بنية شديدة التعقيد وطريقة أداء مذهلة لجزيء الدنا DNA يؤكد حتمية وجود المصمم الذكي.وقد نقلت وكالة أنباء الأسوشيتد برس هذا الخبر إلي أرجاء الأرض مع تعليق صادق طريف: لا شك أن أعظم الاكتشافات المبهرة للعلم الحديث هو اكتشاف أن هناك إلهًا .
الدليل علي صدق الرأي
تقول القاعدة الفلسفية: إن البرهان الفلسفي يُعتبر متكاملًا إذا اجتمع فيه الدليل علي صدق الرأي، مع الدليل علي خطأ الرأي المقابل. لذلك أعجبني كثيرًا تفنيد العالم «جيرالد شرويدر» في كتابه «علم الإله للدليل الذي يسمونه: «برهان القرد».
يُشَبِّه القائلون بهذا الرأي إمكانية نشوء الحياة بالصدفة بمجموعة من القِرَدة، تدق باستمرار علي لوحة مفاتيح الكمبيوتر، ويرون أن القِرَدة يمكن أن تكتب بالصدفة، في إحدي محاولاتها اللانهائية، قصيدة لشكسبير. يبدأ شرويدر تفنيده بعرض تجربة أجراها المجلس القومي البريطاني للفنون، وفيها وضع الباحثون ستة من القِرَدة في قفص لمدة شهر، وتركوا معها لوحة مفاتيح كمبيوتر، بعد أن دربوهم علي دق أزرارها.
كانت النتيجة 50 صفحة مكتوبة، دون كلمة واحدة صحيحة، حتي لو كانت هذه الكلمة من حرف واحد مثل A (لاحظ أنه لا بد من وجود مسافة قبل حرف A ومسافة بعده حتي نعتبره كلمة).وإذا كانت لوحة المفاتيح تحوي ثلاثين مفتاحًا (26حرفًا + 4 رموز)، فإن إمكانية الحصول علي كلمة من حرف واحد بالصدفة، عند كل محاولة، تصبح 1/303030 أي 1/27000.بعد ذلك طَبَّق شرويدر هذه الاحتمالات علي قصيدة (سوناتا) لشكسبير، فخرج بنتائج عَرَضها كالآتي:
اخترت لشكسبير السوناتا التي تبدأ ببيت Shall I Compare thee to a Summers day، وأحصيت حروفها فوجدتها 488 حرفًا. ما هي احتمالية أن نحصل بالطَرْق علي أزرار لوحة الكمبيوتر علي هذه السوناتا بالصدفة (أي أن تترتب ال 488 حرفًا نفس ترتيبها في السوناتا)؟ إن الاحتمال هو واحد مقسوم علي 26 مضروبة في نفسها 488 مرة، أي 26 وهو ما يعادل10.وعندما أحصي العلماء عدد الجسيمات في الكون (إلكترونات، وبروتونات، ونيوترونات) فوجدوها 10 أي واحد وعلي يمينه 80 صفرًا. معني ذلك أنه ليس هناك جسيمات تكفي لإجراء المحاولات، وسنحتاج إلي المزيد من الجسيمات بمقدار 10 .
وإذا حَوَّلنا مادة الكون كلها إلي رقاقات كمبيوتر تزن كلٌّ منها جزءًا من المليون من الجرام، وافترضنا أن كل رقاقة تستطيع أن تجري المحاولات، بدلًا من القِرَدة، بسرعة مليون محاولة في الثانية، نجد أن عدد المحاولات التي تمت منذ نشأة الكون هي 10 محاولة. أي إنك ستحتاج مرة أخري كونًا أكبر بمقدار 10 أو عمرًا أطول للكون بنفس المقدار.يقينًا لن نحصل علي سوناتا بالصدفة، حتي لو كان الكاتب هو الكمبيوتر وليس القِرَدة.إن للصدفة قانونًا، فالمتخصصون لم يتركوا كل مدعٍ ينسب إليها ما يشاء، ليستر بها جهله وتهافت أدلته. لقد حدد المتخصصون ما يُعرف «بمقدار الاحتمال الملزِم»، الذي يستحيل بعده تفسير حدوث أمر ما بالصدفة وحدها. ويبلغ هذا الاحتمال 1 :10 فهل يمكن أن يقع بالصدفة أمر احتماله يبلغ 1 : 10؟ أخبرت شرويدر بأن طرحه هذا أثبت لي أن «برهان القِرَدة» لا يعدو إلا أن يكون كومة من النفايات، بالرغم من جرأة من يعرضون هذا البرهان، ويَدَّعون أن القِرَدة يمكن أن تكتب رواية كاملة لشكسبير، مثل هاملت أو عطيل، أو حتي أعمال شكسبير كلها. وإذا كان هذا الرأي يعجز عن إثبات إمكانية كتابة سوناتا بالصدفة، فهل سينجح في تفسير نشأة الحياة بالصدفة من المادة غير الحية ؟!بهذا العرض لشرويدر انهار تمامًا البرهان العقلي الذي يستند إليه الملاحدة. وإذا أضفنا إلي ذلك قوة البرهان الذي يقدمه التعقيد الهائل في بنية الكون وفي بنية وآلية عمل جزيء الدنا، اكتمل لدينا البرهان الفلسفي (الدليل علي صدق الرأي مع الدليل علي خطأ الرأي المقابل) علي وجود الإله الحكيم القادر.

العدد القادم.. د.عمرو شريف :
آن للعلم الحديث أن يستنجد بالسماء ليستكمل مشوار الفهم لما يحدث داخلنا ومن حولنا.أنتوني فلو(أستاذ الفلسفة البريطاني) اسم ذائع الصيت في مجالات الفكر والفلسفة والإلحاد والتدين! وُلد في لندن في 11/2/1923كان يُعَد بحق من أكبر ملاحدة العصر الحديث، وتعتبر كتاباته الغزيرة جدول أعمال الفكر الإلحادي طوال النصف الثاني من القرن العشرين..في التاسع من ديسمبر عام 2004، فوجئ العالم بخبر ما زال صداه يتردد في الأوساط الفلسفية والعلمية والثقافية والدينية؛ لقد أعلن أنتوني فلو (بعد أن بلغ من العمر ثمانين عامًا) أنه قد صار يؤمن بأن «هناك إله». وقد أذاعت وكالة أنباء الأسوشيتد برس الخبر بعنوان: »ملحد شهير يؤمن بالإله، بدافع من الشواهد العلمية«
أصاب الخبر الملاحدة من زملاء أنتوني فلو وتلاميذه بهستيريا عارمة، حتي امتلأ إعلام العالم الغربي الحر بسخريتهم وازدرائهم لهذا التحول!وقد طُلب من أنتوني فلو مرارًا أن يُصدِر كتابًا يعرض فيه رحلته، من صبي مؤمن إلي رجل ملحد إلي شيخ في الثمانين يؤمن بوجود الإله. وأخيرًا صدر عام 2007 الكتاب المنتَظَر :«هناك إله: كيف عَدَلَ أشرسُ مُلحدٍ عن الإلحاد» ووضع المفكر والجراح الشهير د.عمرو شريف ترجمة لكتاب«هناك إله» ولم يكتف فقط بالترجمة والعرض بل طرح قضية العلاقة بين الدين والعقل والعلم للتحليل «رحلة عقل» قدم أطروحة عن الإلحاد المعاصر ونشأته، وتعريفًا بالفلسفة والعلم وعلاقتهما بالدين.
بذور الإلحاد
يسرد أنتوني فلو ملامح مرحلة النشأة والتكوين، في بيت مسيحي ملتزم؛ إذ كان والدي كاهنًا إنجليزيًّا كبيرًا من النشطاء في الكنيسة، كما كان محاضرًا ثم رئيسًا لكلية الدراسات الدينية في كمبريدج ويقول إنه لم يشعره في صغري بأية رغبة في التواصل مع الرب، وكل ما يستطيع قوله هو أن بذرة الإيمان التي كانت داخله عند التحاقي بالمدرسة، ماتت قبل تخرج منها، ولا يدري علي وجه التحديد، متي وكيف توجه إلي الإلحاد بالرغم من النشأة الدينية؟ بالتأكيد هناك عوامل كثيرة شاركت في تشكيل قناعاته الإلحادية منها انه ورثت عن والدي الحكمة وشغفه العقلي ومنهجه في البحث..ومن المفارقات، أن اكتسابي لحب الحكمة واكتسابي لهذه العقلية المدققة المحللة الناقدة عن والدي، قد أخذاني بعيدًا عن إيمانه وتدينه. ويؤكدأن معضلة الشر والألم» أحد العوامل المبكرة وراء اندفاعه تجاه الإلحاد.( كنت دائم النقاش مع أقراني ومع من هم أكبر مني عُمرًا، حول القضايا الإيمانية التي يطرحها الكهنة. وكنت غير متقبل علي الإطلاق لفكرة الرب «كُلِّي الوجود كُلِّي العلم كُلِّي القدرة». وما إن بلغت سن الخامسة عشر، حتي أعلنت لزملائي رفضي الإقرار بوجود الإله. تم ذلك كله دون أن أتناقش مع قس الاعتراف حول شكوكي، كذلك نجحت في أن أخفي قناعاتي الجديدة عن والديَّ لفترة طويلة حتي لا أعكر صفو البيت. وبحلول شهر يناير عام 1946، وكنت قد قاربت الثالثة والعشرين من عمري، ذاع الخبر بأنني قد أصبحت ملحدًا دهريًّا، وأن قناعتي لا رجعة فيها، فشعر مَن بالبيت أنه لا طائل من مناقشة هذا الأمر معي. وتبعًا للقول المأثور «إن ما تؤمن به في سن الثالثة عشر هو ما تموت عليه»، أستطيع القول: إن الأفكار التي كونتها في صباي قد ظلت معي حتي بلغت الثمانين من عمري واقتربت من الموت.
ثم يتحدث في الفصل الثاني عن تشكيل الفلسفي دراسة وتدريسا في جامعة اكسفورد, ويستفيض في عرض المؤثرات الفلسفية التتي لعبته دورها في بنائه الفكري، ونختار هذه الفصلين من كتابه (هناك إله)الدي ترجنه د.عمرو شريف:
ثمار شجرة الإلحاد
بدأ اهتمامي بالفلسفة يتخذ شكلًا أكاديميًّا منذ ظهور بحث «زيف علم اللاهوت». وعلي مدي نصف قرن من الزمان، نشرتُ قُرابة خمسة وثلاثين مجلدًا في مختلف فروع الفلسفة. كانت فلسفة الإلهيات أكثر فروع الفلسفة إثارة لاهتمامي، كما كتبت في فلسفة اللغة والمنطق والأخلاق والاجتماع والسياسة والتعليم. وكتبت كذلك حول قضايا حرية الإرادة والباراسيكولوجي والحياة بعد الموت وغيرها.سأتوقف في هذا الفصل عند أربع محطات، أعتبرها أحجار زاوية في منظوري الإلحادي في فلسفة الإلهيات علي مدي خمسين عامًا، اعتقدت بعدها أن مفاهيمي الفلسفية قد تشكلت ونضجت وتبلورت واستقرت.
(أ) زيف علم اللاهوت .. ذكرت في الفصل السابق الملابسات التي أحاطت بعرضي لهذا البحث عام 1950أمام نادي سقراط بأكسفورد. بدأت البحث بعرض الأسباب التي دفعتني لتبني الإلحاد في سن مبكرة، وتدور هذه الأسباب حول نقطتين:
1- معضلة الشر والألم التي تقف عقبة أمام مفهوم «الله محبة الله الذي لا يقبل الشرور».
2- طلاقة المشيئة الإلهية، ليست عذرًا كافيًا لصب كل هذه المعاناة علي البشر.
وقد أقمت البحث علي القاعدة الفلسفية: لا يمكن قبول ادعاءٍ ما إلا إذا أقمنا الدليل علي خطأ كل الأمور التي تعارضه. فمثلًا، ادعاء أن الأرض كروية يعارضه أن الأرض تبدو أمامنا مستوية، لذلك ينبغي إقامة الدليل علي خطأ هذا التعارض الظاهري أو تفسيره.وعند تطبيق هذه القاعدة، للحكم علي صحة ادعاء المؤمنين بأن «الله محبة» (أي أن الإله يحبنا)، ينبغي أن ينتفي وجود الشر والمعاناة والألم من حياة البشر، وهذا ليس واقع الأمر.
لِمَ لا نستنتج من وجود هذه النقائص في حياتنا أن الإله لا يحبنا، أو أنه ليس هناك إله البتة، خاصة أن المتدينين لم يقدموا حيثيات قاطعة تثبت أن هناك إلهًا، وأنه يحبنا.كما أكد البحث علي أهمية تحليل معني المصطلاحات اللغوية التي يُعَبِّر بها المؤمنون عن مفاهيمهم الدينية (الفلسفة التحليلية اللغوية).
كان غرضي من هذا الطرح أن أشعل الحوار بين المُلحدين والمتدينين، وأن أحث المؤمنين علي أن يشرحوا اصطلاحاتهم ومفاهيمهم (مثل: الله محبة، الثالوث، الصليب...) بشكل واضح مفهوم، خاصة مع وجود شواهد قوية تعارض ما يقولون. وبالرغم من هذا، ادَّعي البعض أنني أتفق مع الفلسفة الوضعية المنطقية التي تري أن المفاهيم الدينية لا معني لها ولا ينبغي طرحها للمناقشة، وهذا معني لم أقصده علي الإطلاق. بل إنني أعتبر أن دعوتي للحوار بين الملحدين والمتدينين، وكذلك دعوتي لشرح مصطلحات المؤمنين والرد علي ما يواجهها من معارضة، تمثل الضربة القاضية للفلسفة الوضعية المنطقية.حقق هذا البحث ذيوعًا كبيرًا وطُبع عدة طبعات، وأصبح أكثر الدراسات الفلسفية شيوعًا في القرن العشرين، كما وُصف بأنه «يطرح أفكارًا وحججًا جديدة في مجال فلسفة الإلحاد»، وأنه «يطرح منهجًا فلسفيًّا جديدًا لدراسة قضية الألوهية».
نتعلم من الاختلاف
أثار بحثي «زيف علم اللاهوت» الكثير من ردود الأفعال التي استمرت لعشرات السنين (وما زالت مستمرة حتي اليوم)، وقد أعانني بعضها علي أن أصحح بعضًا من مفاهيمي.اعترض «ر.م.هير» (أستاذ فلسفة الأخلاق في أكسفورد) علي التعامل مع المفاهيم الدينية بأسلوب التحليل المنطقي والتدقيق اللغوي، ودعي إلي أن نفهم الاصطلاحات الدينية فهمًا عامًّا. ولا أعتقد أن هذا الطرح يعجب المتدينين؛ إذ إنه ينفي إمكانية الإيمان بناءً علي أدلة العقل والمنطق.أما «بازل ميتشل »(الذي تَرَأَّس نادي سقراط بعد لويس) فقد اعترض بأنه لا مانع من أن يوجد في العقائد الدينية ما يتعارض مع الحقائق الظاهرة، ذلك لما تنطوي عليه العقائد من غيبيات. ومع ذلك أقر ميتشل بأن المتدينين يُحَوِّلون معتقداتهم إلي صياغات خالية من المعني.ويري «آي. أم. كرمبي» (المهتم بفلسفة أفلاطون) أنه ينبغي أن نفهم المصطلحات الدينية في ظل ثلاثة مفاهيم :
أولًا: الوجود الإلهي وجود خارق، يتجاوز كل ما نعرف، لذلك لا ينطبق ما يوصَف به الوجود المخلوق علي الإله الخالق.ثانيًا: بناءً علي «أولًا»، فإن الوجود الإلهي يتجاوز إمكانية الإحاطة والفهم.ثالثًا: بناءً علي «أولًا وثانيًا»، فإن الحديث عن الإله ينبغي أن يكون باستخدام لغة المجاز والرموز.لذلك يرفض كرمبي أن نستخدم الفلسفة التحليلية اللغوية، التي تعتمد علي التدقيق في المعني اللغوي للألفاظ، لفهم الصياغات الخاصة بالعقائد الدينية.
ويري «ريبرن هيمبك (أستاذ الفلسفة والدراسات الدينية الفخري بجامعة واشنطن) أنني وقعت في ثلاثة أخطاء في بحثي حين اعتبرت:أولًا: أن المقصود من أي جملة هو المعني اللغوي الظاهر لكلماتها، دون النظر إلي المجاز.ثانيًا: أن عدم توافق برهان ما مع معتقَدٍ ما، يعني أن هذا البرهان يثبت خطأ المعتقد، بينما ينبغي التفرقة بين عدم التوافق وبين التخطيء.ثالثًا: أن المتدينين لا يدركون التناقض بين معضلة الشر ومفهوم أن الله محبة. ويرد بأن المتدينين يدركون هذا التناقض الظاهري، ويطرحون العديد من التأويلات لإزالته.ويري هيمبك أن خطأي المنهجي الأكبر عند الحكم علي مفهوم ما بالخطأ أو الصواب، هو أنني أنظر إليه نظرة مطلقة دون أخذ الظروف المحيطة في الاعتبار.لا شك أن رأي هيمبك من أصوب ما وُجِّه من نقد إلي بحث «زيف علم اللاهوت»، وقد استفدت منه في تصحيح منهجي الفلسفي.
(ب) الإله والفلسفة
قمت في هذا الكتاب بعمل دراسة منهجية تحليلية للديانة المسيحية؛ حيث لم أجد في الكتابات الحديثة تحليلًا معاصرًا للمعتقدات المسيحية، التي يعتبرها المسيحيون مفاهيم بديهية وأساسية.صدر الكتاب عام 1966، وخرجت منه طبعات عديدة كان آخرها عام 2005.قدمت في الكتاب منهجًا للملاحدة للتعامل مع الفكر الديني. ولما كانت الدعوة للدين تتم علي ثلاث مراحل، ذكرت أن أول ما ينبغي البدء به هو تمحيص مفهوم الإله (الروح، كلي الوجود، كلي العلم)، بعد ذلك يأتي تقييم حجج الدين الطبيعي ثم الرد علي دعاوي الوحي الإلهي.من أجل تمحيص مفهوم الإله، ذكرت أن هناك ثلاثة تساؤلات رئيسية ينبغي الإجابة عنها عند تناول قضية الألوهية:
- كيف نُعَرِّف الإله؟
- كيف نَصِف الإله ببعض الصفات التي تتفق مع صفاتنا (مثل الوجود والقدرة والعلم)، بالرغم من دعاوي المتدينين مخالفته التامة للمخلوقات؟
- إذا أقررنا بوجود الإله الخَيِّر، كيف نفسر معضلة الشر والألم؟
كانت إجابة المتدينين جاهزة بخصوص السؤال الثاني، وهي أن وصف الإله يتم بما يُعرف في علم المنطق بأسلوب المشابهة، وهو أنه لا يمكننا أن نَصِف الإله إلا بما نعرف من صفات بشرية (موجود، حي، قادر، عليم) مع إدراك أن هناك فوارق كيفية وكمية في هذه الصفات بين الخالق والمخلوق.كذلك كانت الإجابة عن التساؤل الثالث جاهزة، وهي طلاقة الإرادة في أن يُنزل الإله بالبشر الخير أو الشر، وأن الشر ابتلاء للإنسان يلقي عنه العِوَض في حياة أخري بعد الموت.أما التساؤل الأول فلم يكن قد أخذ حظه من اهتمام المتدينين من قبل. وقصدت أن أؤكد بهذا التساؤل أنه لا ينبغي مناقشة الأدلة علي وجود الإله، قبل أن نكون قادرين علي أن نُعَرِّف هذا الإله وندرك معني أوصافه (مثل الموجود في كل مكان ولا جسم له).
كان الفيلسوف «ريتشارد سوينبرن » من أحكم من تصدي لهذا التساؤل. فأجاب بأن حقيقة شخص ما تختلف عن جسده وسلوكه، وإذا كان من المستحيل التعرف علي حقيقة الإنسان فإن هذا العجز أوْلَي في حق الإله.كذلك تنبه الفيلسوف الإنجليزي الشهير «فريدريك كوبلستون» إلي خطورة تساؤلي، فأجاب بأنه ليس باستطاعة العقل البشري أن يشير بإصبعه إلي الإله كما يشير إلي فراشة في متحف للفراشات. وأضاف أن الإله يتجلي لكل إنسان تبعًا لقدرة الفرد علي التسامي خارج إطار الزمان والمكان.
انتقلت إلي المرحلة الثانية، فأكدت علي أن الأدلة علي الوجود الإلهي المستقاة من دقة تصميم الكون ومن فطرية المفاهيم الأخلاقية (حجج الدين الطبيعي) أدلة واهية. ثم انتهيت بأن أكدت أن دعاوي الوحي الإلهي لا تثبت أمام التمحيص المنهجي.والآن، أعتبر أن ما أوردت في كتاب «الإله والفلسفة» من حجج وتساؤلات، منذ أربعين سنة، قد أصبح خطوة علي الطريق؛ إذ تخليت عن معظم ما به من مفاهيم.
(ج) فرضية الإلحاد
في هذا الكتاب (صدر عام 1976) وَضَعتُ الكُرَة في ملعب المتدينين؛ إذ أكدت أن إثبات الوجود الإلهي يقع علي عاتق المؤمنين، وأن عليهم أن يطرحوا من الحجج ما يفحم الملاحدة؛ إذ إن «البينة علي من ادَّعي». ذلك بعد أن كان المنهج في فلسفة الأديان يضع علي الملاحدة مسئولية إثبات عدم وجود الإله، بدعوي أن الشعور بوجود الإله إحساس فطري.
لقد قلقل هذا الطرح موقف المتدينين من جذوره، فلم يحدث أن واجه الإيمان بوجود الإله مثل هذا التحدي من قبل.وذكرت أن إثبات الوجود الإلهي ينبغي أن يمر بالمراحل التي يمر بها أي افتراض علمي أو فلسفي، وهي:
1- تعريف مفهوم الإله الذي نطرح إثبات وجوده للبحث.
2- تحديد كيف تتم دراسة الظاهرة المعروضة للبحث (كل ظاهرة يناسبها منهج خاص).
3- طرح وتحليل الأدلة التي تشير إلي صدق هذا المفهوم (افتراض وجود الإله).
وكنت مصممًا علي التمسك بالنفي حتي يُقَدم الآخرون البرهان علي وجود الإله. كنت أطرح هذا المنهج وأنا أدرك تمامًا أن إثبات أمر ما أصعب كثيرًا من نفيه.
أتي أقوي اعتراض علي ما طالبت به المؤمنين من قِبَل الفيلسوف الأمريكي العظيم «ألفين بلانتنجا ». لقد أصر علي أن «الإيمان شعور فطري»، وأن الاعتقاد في وجود الإله مثل الاعتقاد في مفاهيم أساسية أخري، كالاعتقاد بأن للآخرين عقولًا كعقولنا، والاعتقاد في صحة حواسنا، والقول بأن الكل أكبر من الجزء،... إننا نؤمن بصحة هذه المفاهيم دون الحاجة إلي أن نسوق الدليل.
أما الفيلسوف «رالف مك أينرني » فقد تمسك بأن الانتظام والإعجاز في بنية الوجود، وثبات قوانين الطبيعة تجعل «القول بوجود خالق بديهة منطقية»، وعلي من ينكر ذلك أن يقدم الدليل.
(د) أنا وديفيد هيوم
كنت مهتمًّا في مرحلة من حياتي بدراسة فلسفة «ديفيد هيوم » (من أعتي فلاسفة الإلحاد)، وكتبت عنه عام 1961 كتابًا بعنوان: «فلسفة الإيمان عند هيوم» عندما كنت متبنيًا الكثير من آرائه، قبل أن أغير قناعاتي في هذه الآراء.من أهم القضايا التي تبنيتها ثم غيرت فيها رأيي، كانت قضية رفض «ارتباط النتيجة بالسبب ».
من الإلحاد إلي الشك إلي الإيمان
بعد أن اكتملت قناعاتي الإلحادية التي بلورتها عام 1976 في كتابي «فرضية الإلحاد »، انصرفت إلي مختلف فروع الفلسفة الأخري وإلي علم الاجتماع وإلي السياسة.جَدَّ علي ذلك اهتمامي بالقفزات العلمية الهائلة، خاصة نظرية الانفجار الكوني الأعظم التي تفسر نشأة الكون، وكذلك اكتشاف تركيب وآلية عمل المادة الوراثية في الخلايا الحية (جزيء الدنا DNA) وبالرغم من ذلك، ظل الاهتمام بفلسفة الأديان هو المسيطر علي اتجاهاتي الفكرية. ويبدو أن الآخرين صاروا يعتبرونني ممثلًا ومسئولًا عن الفكر الإلحادي، فدُعيت للمشاركة في الكثير من المناقشات التي كانت تأخذ صورة من ثلاث؛ إما مناظرات عامة أو حوارات محدودة أو مساجلات في الصحف العامة والمجلات الفلسفية المتخصصة.
أعرض فيما يلي بعض المناظرات المهمة التي قمت بها خلال حياتي الفلسفية الطويلة، والتي تُظهر تراجع موقفي تدريجيًّا عن الإلحاد الصِرف إلي معسكر الشكاكين.
(أ) برهان الرجل الأصلع
وقعت هذه المناظرة (عام 1976) في جامعة ولاية تكساس الشمالية مع الفيلسوف الديني الكبير «د. توماس وارين»، واستمرت أربع ليالٍ بدأت في العشرين من سبتمبر، وحضرها ما بين 5-7 آلاف شخص كل ليلة.
اعتمدت حجج د. وارين ضد الإلحاد علي مهاجمة نظرية التطور لداروين. لذلك سألني د. وارين إن كنت أؤمن بأنه كان يوجد في يوم من الأيام كائن نصفه إنسان ونصفه قرد؟ أجبت بأن هذا السؤال مثل السؤال عن متي نعتبر أن إنسانًا ما قد صار أصلعًا. وفَسَّرتُ رَدِّي قائلًا: لا شك أن أستاذي جلبرت رايل كان أصلعًا، إذ كانت رأسه خالية تمامًا من الشعر كقشرة البيضة، أما إذا نظرنا إلي الرجال عندما يتساقط الشعر تدريجيًّا من رءوسهم شعرةً شعرةً، فليس من السهل تحديد متي صار الرجل أصلعَ! فلا شك أن التطور أمر شديد البطء والتدريج.
ومن أقوي صياغاتي التي قلتها في هذه المناظرة، والتي تعكس قناعتي الإلحادية وقتها، قولي:
- إن القول بأن هناك إلهًا، فيه من التضاد كالتضاد في الحديث عن الأعزب المتزوج أو عن الدائرة المربعة.
- أؤمن بأن الوجود لا بداية له ولا نهاية له، ولم يُطرح عليَّ في حياتي مبرر عقلي وجيه لأغير قناعتي هذه.
- أؤمن بأن الكائنات الحية قد نشأت تلقائيًّا من المادة غير الحية، علي مدي دهور مغرقة في القدم.
- وبالرغم من الترحاب والضيافة الكريمة التي قوبلْتُ بها، فقد انتهت المناظرة وكل من المتناظِرَين متمسك بموقفه.
(ب) مبارزة رعاة البقر
وقعت هذه المناظرة المهمة في ولاية تكساس أيضًا عام 1998، وحضرها زهاء أربعة آلاف شخص. وكانت المناظرة تشبه المبارزة بالمسدسات بين رعاة البقر في الغرب الأمريكي، كنا أربعة من الملاحدة في مواجهة أربعة من كبار الفلاسفة الدينيين. تمسك كلٌّ من الطرفين بنفس المنهج: المبدأ القانوني «البينة علي من ادَّعي، وليس علي من ينكر». ومن ثَمَّ لم يبذل أي طرف منا جهدًا في إقناع الآخر بوجهة نظره، واكتفي بإطلاق النار علي خصمه!كانت حجج فريق الملاحدة تعتمد علي أن ادعاء شخص أنه رسول من السماء ليس دليلًا علي أن هناك من أرسله، فقد يكون شعوره هذا أوهامًا وتخيلات، أو كذبًا. وأكدنا أن الأدلة التقليدية علي الألوهية قد أصبحت بالية متصدعة.وقد تَمَسك مناظرنا الكبير «ألفين بلانتينجو بأن الإيمان بوجود إله يُعتَبَر شعورًا فطريا بديهيا، لا يحتاج إلي دليل، تمامًا كمفاهيم بديهية أخري مثل أن الكل أكبر من الجزء، ومثل أننا موجودون.
(ج) تَصَدُّع حائط الصد ..يلاحظ المتابع لمناظراتي الثلاث التالية أن حججي وأجوبتي علي المؤمنين قد ضعفت قوتها:
1- جَرَت علي صفحات المجلات الفلسفية مناظرة مهمة مع الفيلسوف الديني الكبير «تيري ميث، وقد طرح فيها برهانًا كونيًّا هائلًا:
- الكون يحوي موجودات محددة متغيرة.
- هذه الموجودات لا بد لها من موجد.
- لا يمكن التسلسل مع الموجودات التي تحتاج موجد، إلي ما لا نهاية؛ لذلك ينبغي الإقرار بموجد أول لهذه الموجودات.
- هذا الموجد الأول ينبغي أن يكون واحدًا، أزليًّا، حتمي الوجود.
وتنطبق صفات هذا الموجد الأول علي مفهوم الإله في الأديان السماوية.يقوم هذا البرهان علي مفهوم «الموجد واجب الوجود».وبالرغم من وجاهة هذا البرهان فقد رفضته، منطلقًا من أن الكون فيه من الأسباب المادية ما يلغي الاحتياج إلي موجد من خارجه.
2- في مناظرتي في ثمانينيات القرن العشرين مع «ريتشارد سوينبرن» أستاذ فلسفة الأديان بأكسفورد (أفضل مدافع عن الإيمان في العالم الناطق بالإنجليزية)، انطلقت حجج سوينبرن من أن موجد الكون المادي المحدود لا بد أن يكون غير مادي وأن يكون كلي الوجود، أجبت سوينبرن بأنني غير قادر علي تصور موجود بهذه الصفات.
3- في مناظرتي عام 1998 مع «وليم لين كريج، انطلق كريج من أن الكون الذي له بداية وعلي هذا القدر من التنظيم، يمكن تفسيره علي أكمل وجه بوجود إله خالق. كان جوابي: إننا يجب أن نقف في تصور بداية وجود الكون عند الانفجار الكوني الأعظم، وأن نعتبر هذا الانفجار هو الحقيقة الأولي. أما برهان التنظيم فقد دفعته بقولي: إن أدق ما في الكون، وهو الإنسان، يمكن تفسير وجوده وقدراته بالقوانين الطبيعية.
(د) إرهاصات تصحيح المسار ..تُعَدُ نظرية التطور)لعالم البيولوجيا الكبير تشارلس دارون (تطور الكائنات الحية نتيجة لطفرات عشوائية تحدث بالصدفة) من أهم الحجج التي يستند إليها الملاحدة، لتفسير تنوع الكائنات الحية دون الحاجة إلي وجود إله خالق، لذلك أصبحت هذه النظرية من موضوعات المناظرة المفضلة بين الماديين والمؤمنين.في كتابي «التطور الدارويني»، ذكرت أن مبدأ «الانتخاب الطبيعي (الذي يسمح للكائنات الحية بأن تمرر الطفرات العشوائية الجيدة التي تحدث في جيناتها إلي الأجيال التالية) لا يُنشئ في الكائنات صفات جديدة، ولكنه يقضي علي الطفرات غير الصالحة التي تصيب الكائنات الحية. إن تمحيصي لموقف الملاحدة من نظرية التطور، قد كشف لي عن الكثير من سوء الفهم المحيط بالنظرية، ونَزَعَ عنها حجيتها كدليل إلحادي، وسمح لي بتصحيح المسار، والبدء في الاقتناع بدور المصمم الذكي(في إحداث التطور.
(ه) ثم أدرت الدفة ..ثم جاءت اللحظة الحاسمة، ففاجأت الجميع في أهم مناظراتي العلنية (عُقدت في جامعة نيويورك عام 2004)، بأنني قد صرت أقبل فكرة «الوجود الإلهي»!، وفسرت ذلك بأن ما أثبته العلم الحديث من تعقيد مذهل في بنية الكون يشير إلي وجود مصمم ذكي. كذلك فإن البحوث الحديثة حول أصل الحياة، وما تَكَشَّفَ من بنية شديدة التعقيد وطريقة أداء مذهلة لجزيء الدنا DNA يؤكد حتمية وجود المصمم الذكي.وقد نقلت وكالة أنباء الأسوشيتد برس هذا الخبر إلي أرجاء الأرض مع تعليق صادق طريف: لا شك أن أعظم الاكتشافات المبهرة للعلم الحديث هو اكتشاف أن هناك إلهًا .
الدليل علي صدق الرأي
تقول القاعدة الفلسفية: إن البرهان الفلسفي يُعتبر متكاملًا إذا اجتمع فيه الدليل علي صدق الرأي، مع الدليل علي خطأ الرأي المقابل. لذلك أعجبني كثيرًا تفنيد العالم «جيرالد شرويدر» في كتابه «علم الإله للدليل الذي يسمونه: «برهان القرد».
يُشَبِّه القائلون بهذا الرأي إمكانية نشوء الحياة بالصدفة بمجموعة من القِرَدة، تدق باستمرار علي لوحة مفاتيح الكمبيوتر، ويرون أن القِرَدة يمكن أن تكتب بالصدفة، في إحدي محاولاتها اللانهائية، قصيدة لشكسبير. يبدأ شرويدر تفنيده بعرض تجربة أجراها المجلس القومي البريطاني للفنون، وفيها وضع الباحثون ستة من القِرَدة في قفص لمدة شهر، وتركوا معها لوحة مفاتيح كمبيوتر، بعد أن دربوهم علي دق أزرارها.
كانت النتيجة 50 صفحة مكتوبة، دون كلمة واحدة صحيحة، حتي لو كانت هذه الكلمة من حرف واحد مثل A (لاحظ أنه لا بد من وجود مسافة قبل حرف A ومسافة بعده حتي نعتبره كلمة).وإذا كانت لوحة المفاتيح تحوي ثلاثين مفتاحًا (26حرفًا + 4 رموز)، فإن إمكانية الحصول علي كلمة من حرف واحد بالصدفة، عند كل محاولة، تصبح 1/303030 أي 1/27000.بعد ذلك طَبَّق شرويدر هذه الاحتمالات علي قصيدة (سوناتا) لشكسبير، فخرج بنتائج عَرَضها كالآتي:
اخترت لشكسبير السوناتا التي تبدأ ببيت Shall I Compare thee to a Summers day، وأحصيت حروفها فوجدتها 488 حرفًا. ما هي احتمالية أن نحصل بالطَرْق علي أزرار لوحة الكمبيوتر علي هذه السوناتا بالصدفة (أي أن تترتب ال 488 حرفًا نفس ترتيبها في السوناتا)؟ إن الاحتمال هو واحد مقسوم علي 26 مضروبة في نفسها 488 مرة، أي 26 وهو ما يعادل10.وعندما أحصي العلماء عدد الجسيمات في الكون (إلكترونات، وبروتونات، ونيوترونات) فوجدوها 10 أي واحد وعلي يمينه 80 صفرًا. معني ذلك أنه ليس هناك جسيمات تكفي لإجراء المحاولات، وسنحتاج إلي المزيد من الجسيمات بمقدار 10 .
وإذا حَوَّلنا مادة الكون كلها إلي رقاقات كمبيوتر تزن كلٌّ منها جزءًا من المليون من الجرام، وافترضنا أن كل رقاقة تستطيع أن تجري المحاولات، بدلًا من القِرَدة، بسرعة مليون محاولة في الثانية، نجد أن عدد المحاولات التي تمت منذ نشأة الكون هي 10 محاولة. أي إنك ستحتاج مرة أخري كونًا أكبر بمقدار 10 أو عمرًا أطول للكون بنفس المقدار.يقينًا لن نحصل علي سوناتا بالصدفة، حتي لو كان الكاتب هو الكمبيوتر وليس القِرَدة.إن للصدفة قانونًا، فالمتخصصون لم يتركوا كل مدعٍ ينسب إليها ما يشاء، ليستر بها جهله وتهافت أدلته. لقد حدد المتخصصون ما يُعرف «بمقدار الاحتمال الملزِم»، الذي يستحيل بعده تفسير حدوث أمر ما بالصدفة وحدها. ويبلغ هذا الاحتمال 1 :10 فهل يمكن أن يقع بالصدفة أمر احتماله يبلغ 1 : 10؟ أخبرت شرويدر بأن طرحه هذا أثبت لي أن «برهان القِرَدة» لا يعدو إلا أن يكون كومة من النفايات، بالرغم من جرأة من يعرضون هذا البرهان، ويَدَّعون أن القِرَدة يمكن أن تكتب رواية كاملة لشكسبير، مثل هاملت أو عطيل، أو حتي أعمال شكسبير كلها. وإذا كان هذا الرأي يعجز عن إثبات إمكانية كتابة سوناتا بالصدفة، فهل سينجح في تفسير نشأة الحياة بالصدفة من المادة غير الحية ؟!بهذا العرض لشرويدر انهار تمامًا البرهان العقلي الذي يستند إليه الملاحدة. وإذا أضفنا إلي ذلك قوة البرهان الذي يقدمه التعقيد الهائل في بنية الكون وفي بنية وآلية عمل جزيء الدنا، اكتمل لدينا البرهان الفلسفي (الدليل علي صدق الرأي مع الدليل علي خطأ الرأي المقابل) علي وجود الإله الحكيم القادر.
العدد القادم.. د.عمرو شريف :
آن للعلم الحديث أن يستنجد بالسماء ليستكمل مشوار الفهم لما يحدث داخلنا ومن حولنا.أفكار «ابن الراوندي» الإلحادية
كيف أحدثت دويا في رجال الفكر والثقافة..ولا تزال ؟!ما هي الأفكار التي طرحها(الملحد ابن الراوندي) الذي وصفه المورخون والباحثون بأن علمه كان أكثر من عقله، وأن مؤلفاته أحدثت دويا في رجال الفكر والثقافة لفترة طويلة من الزمن؟.
ولماذا لا تزال كتبه، والكتب التي تناقشه وتورد آراءه، وتشرح أفكاره، متداولة بين الباحثين والدارسين، ومنتشرة الآن علي مواقع التواصل الاجتماعي؟ وتلقي محاورات حولها؟.
نستند في هذا السياق إلي ما ذكره د. عبد الرحمن بدوي، الفيلسوف الوجودي، في كتابه» من تاريخ الإلحاد في الإسلام« عن ابن الراوندي، وما أشار إليه د. زكي نجيب محمود في كتابه الشهير »المعقول واللامعقول«
ولنقف وقفة قصيرة عند كتاب واحد من كتبه تلك، وهو كتاب بالزمرذةا أو بالزمرذا لنذكر لمحة من محتواه، تكون كاشفة عن طبيعة ما في سواه، وسوف يكون مرجعنا فيما نذكره، هو البحث الذي قام به ببول كراوس«، والذي نقله إلي العربية الدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه بمن تاريخ الإلحاد في الإسلاما.
كان المصدر الذي أخذت منه الفقرات المقتبسة من كتاب بالزمرذ«، ليس هو الكتاب نفسه، بل كان مصدرها هو ما ورد في بالمجالس المؤيديةا للمؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الاسماعيلي، داعي الدعاة في عهد اخليفة المستنصر بالله الفاطمي، وهو نفسه داعي الدعاة الاسماعيلي الذي حفظ لنا ياقوت مراسلاته مع المعري، وأما كتابه بالمجالس المؤيديةا فهو من ثمانية مجلدات تحتوي علي ثمانمائة مجلس، هي عبارة عن محاضرات ألقاها مؤيد وهو في القاهرة، ولم يكن لهذه المحاضرات موضوع واحد، بل تنوعت موضوعاتها من شرح العقيدة الاسماعيلية الي بسط للمسائل السياسية والدينية، وكان مما ورد ذكره في تلك المحاضرات كتاب بالزمرذا لابن الراوندي، فقد اخذ في مجالسه ما جاء عنه في كتاب داع اسمايعلي غير مذكور الأسم، وهو كتاب اورد اقتباسات كثرية من كتاب بالزمرذا ليناقشها ويرد عليها، تكفي للإلمام بمحتوي هذا الكتاب الأخير بالزمرذا مادام النص الكامل مفقودا، وسنقتصر فيما يلي علي بعض لانصوص المأخوذة من بالزمرذا وطريقة الرد عليها في بالمجالس المؤيديةا:
-قال ابن الراوندي: بإن البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا وعند خصومنا ان العقل أعظم نعم الله سبحانه علي خلقه، وأنه هو الذي يعرف به الرب ونعمه، ومن أجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب: فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والإيجاب الحظر، فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته، إذ قد غنينا بما في العقل من التحسين والتقبيح والإطلاق والحظر فحينئذ يسقط عنا الإقرار بنبوتها.
كان هذا كلام ابن الراوندي عن النبوة، ونختصر ما فيه بلغة أوضح، فهو يقول: إما أن تكون رسالة النبي متفقة مع العقل أو مخالفة له، فإذا كانت متفقة كنا في غني عنها لأن عقولنا تكفينا، وإذا كانت مباينة له فلسنا بحاجة إليها لأننا نريد أن يكون للعقل زمامنا، واذن فهي في كلتا الحالين رسالة لاتدعو إليها حاجة.
- وفي الرد علي الفقرة السالفة عن النبوة، يقول صاحب بالمجالس المؤيديها- بعد أن قرأ النص علي الحاضرين-: بالجواب وبالله التوفيق: أما قوله: ثبت عندنا وعند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله سبحانه علي خلقه فنقول: إنه قطع علي قول لم يحرره، وذلك ان العقل كامن في الصورة البشرية كمون النار في الزناد، فلو بقي ما بقي في مضماره عادما لمن يستخرجه ويستدرجه، لم يقع انتفاع به، كالنار الكامنة في الحجر والحديد، لا يستنفع بها ولا يحظي بطائل من خيرها ما عدمت القادح، والذي يقع من الفعل المكمون- في الصورة الآدمية- موقع قادح الزناد هم الأنبياء.... هم أولي بأن يسموا عقلا، لاستخلاصهم العقول من الصورة البشرية، واخراجهم إياها من حد القوة إلي الفعلا.
-قال ابن الراوندي: إن الرسول أتي بما كان منافرا للعقول، مثل الصلاة، وغسل الجنابة، ورمي الحجارة، والطواف حول بيت لايسمع ولايبصر والعدو بين حجرين لاينفعان لاينفعان ولايضران، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل، فما الفرق بين الصفا والمروة إلا كالفرق بين أبي قبيس وحري، وما الطواف علي البيت إلا كالطواف علي غيره من البيوت، إن الرسول شهد للعقل برفعته وجلالته، فلم أتي بما ينافره إن كان صادقا؟
- فنقول وبالله التوفيق: إن الرسول صلي الله عليه وآله، بعثه الله سبحانه لينشيء النشأة الأخيرة كما أن الوالدين ينشئان أولادهما النشأة الأولي... وقد وجدنا الوالدين موضوعهما قطع الأولاد عن العادة البهيمية وكسبهما الأخلاق الانسانية، استخلاصا للنطق فهما منهما وهو ما يقع الفرقان به بين البهائم وبينها، وإفادة للحياء وسحن الشمائل التي لا قبل للبهائم بمثلها، ولو أنهم كفوا عن رياضتهم هذه الرياضة لخرجوا أشباه البقر والغنم، نقول: إن الأنبياء- صلوات الله عليهم- يسلكون بتابعيهم الذين، ينشئونهم النشأة الثانية للدار الآخرة مسلك الآباء والأمهات بأولادهم، فيخرقون عليهم العادات الطبيعية.. ولما كان خارجا عن العادات الطبيعية ان يقوم احد إلي طهارة ويتوجه الي قبلة ويقوم بصلاة يقصد بجميعها عبادة ربه سبحانه، اوجب الرسول ذلك كله خرقا للعادات الطبيعية.
- قال الملحد (ابن الراوندي) في شأن المعجزات والدفع في وجوهها: إن المخاريق شتي، وان فيها ما يبعد الصولو الي معرفته ويدق عن المعارف لدقته، وإن اورد اخبارها بعد ذلك عن شرذمة قليلة يجوز عليها المواطأة في الكذب.
- فالجواب عن ذلك: أن المحقين لايستصحون النبوات إلا من المعجزات العلمية دون تسبيح الحصي وكلام الذئب وغير ذلك مما هو طلبة من قصر باع علمه وفهمه، مشفوعة تلك بالنصوص (واستطرد المتحدث ليبين ان نبوة النبي عليه السلام كانت قد سبقتها نصوص دلت عليها) ثم قال: اما من كانت نفسه اشرف النفوس، فجسمه بمجاورة نفسه اشرف الأجسام، ومن كان في نفسه وجسمه بهذا الكمال في الشرف، لم يكن مستحيلا أن يصدر عنه ما يخرق العادة من إعجاز لا قبل للبشر بمثله.
-قال ابن الراوندي عن القرآن: إنه لايمتنع أن تكون قبيلة من العرب افصح من القبائل كلها، وتكون عدة من تلك القبيلة افصح من تلك القبيلة، ويكون واحد من تلك العدة افصح من تلك العدة، إلي حيث قال: وهب ان باع فصاحته طالت علي العرب، فما حكمه علي العجم الذين لايعرفون اللسان، وما حجته عليهم؟
- فالجواب عن ذلك: إن الكلام ألفاظ مقدرة علي معان ملائمة لها، والكلام كالجسد، المعني فيه روحه، ومعلوم أن الأجساد- من حيث كونها أجسادا- لاتتفاوت تفاوتا كثيرا... وليس كذلك التفاوت من جهة النفوس التي هي المعاني... والكلام في القرآ هو بمثابة الجسد، ومعناه روحه الذي كني الله سبحانه عنه بالحكمة، فلم يذكره في موضع من زالكتاب إلا قرنه بالحكمة، وقد قاربت- أيها الخصم- بالإقرار بكونه معجزا من حيث لفظه للعرب الذين هم أهل اللسان، ثم أردفته بقولك: فما الحجة علي العجم الذين ليسوا من اللسان في شيء؟ فنقول: إن في معناه المكني عنه بالحكمة التي قدمنا ذكرها، ما يقوم به الحجة..
- قال ابن الراوندي الملحد: إن الملائكة الذين أنزلهم الله تعالي في يوم بدر لنصرة النبي بزعمكم، كانوا مغلولي الشوكة قليلي البطشة علي كثرة عددهم واجتماع ايديهم وايدي المسلمين، فلم يقدروا علي ان يقتلوا زيادة علي سبعين رجلا، وقال بعد ذلك: أين كانت الملائكة يوم أحد لما تواري النبي ما بين القتلي فزعا، وما باله لم ينصروه في ذلك المقام؟
- فلم يزد صاحب بالمجالسا في رده علي هذا القول، علي أن قال ما معناه ان في حديث الملائكة من أسرار الحكمة مالاتبلغه عقولنا، وهو جواب اضعف من الاتهام.
جملة الاتهامات
ولعله مما ينفع هنا ان نورد جملة الاتهامات التي هاجم بها ابن الراوندي الإسلام في كتابه بالزمرذ«، والتي ذكرنا بعضها دون بعض، أقول انه مما ينفع ان نورد جملة الاتهامات ملخصة مبوبة، كما لخصها وبوبها، »كراوسا في بحثه الذي نقلنا عنه ما نقلناه، يقول: بافتراضنا ان مؤلف (يريد بالشيرازيا صاحب بالمجالس المؤيديةا سرد المقتبسات من كتاب بالزمرذا بنفس الترتيب الموجود في النص الأصلي للمؤلف، فإننا نستطيع ان نرتب القطع المختلفة المنفردة مع الأجزاء الرئيسية التالية من الكتاب هكذا:
1- سمو العقل علي النقل.
2- نقد الإسلام:
(أ) معجزات محمد (عليه السلام).
(ب) معجزات محمد (عليه السلام).
-فروض عامة.
-تواريخ المعجزات، ومن بين المعجزات التي يعدها المسلمون دلائل علي نبوة محمد القرآن نفسه، نقد اعجاز القرآن.
(ج) نقد التواتر في الإسلام.
3- العلم ضد النبوة.
(أ) الكلام الإنساني حادث بطبعه، ولا يرجع في اصله إلي الأنبياء.
(ب) والفلك والموسيقي لايرجعان في اصلهما الي الأنبياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.