فتح تقديم المدارس الرياضية في القاهرة.. ننشر الشروط والمواعيد    بالصور.. نائب رئيس جامعة أسيوط يتفقد لجان امتحانات كلية الآداب    13 قرارًا وتوجيهًا من محافظ الجيزة بشأن استعدادات عيد الأضحى المبارك    بيان رسمي من الكهرباء بشأن انقطاع التيار عن أكتوبر والشيخ زايد    رئيس الوزراء يستقبل وزير الصحة الإيطالي ووفدًا من أبرز شركات القطاع الصحي    الإحصاء: 21.7% انخفاض في صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى واشنطن خلال 2023    "الاحتلال ارتكبها عن سبق إصرار وترصد".. حماس تعلّق على مجزرة مدرسة الأونروا    إسبانيا تعتزم الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بالعدل الدولية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك جنوبي غزة    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    لاستقبال 56 ألف طالب.. تجهيز 154 لجنة لامتحانات الثانوية العامة بالدقهلية    "قيمتها 8 ملايين جنيه".. نهاية أسطورة عصابة الأدوية المغشوشة في الغربية والدقهلية    سهلة بالعين اليوم.. الجمعية الفلكية بجدة تعلن تفاصيل رؤية هلال ذي الحجة    رئيسة الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    عاجل.. كولر يحسم مصيره مع الأهلي وموقفه من عرضي بولندا واليونان    ارتفاع إجمالى رصيد القمح ل267 ألف طن بتموين الدقهلية    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    المستشار الألماني يؤيد ترحيل المجرمين الخطرين إلى أفغانستان وسوريا    هيئة الأرصاد: درجات الحرارة تتخطى 40 درجة فى الظل بالقاهرة الكبرى    محافظ القاهرة يوجه بشن حملات على الأسواق استعدادا للعيد    اعترافات المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته في منشأة القناطر: رفضت ترجعلي فانتقمت منها    الوفد: رحلة العائلة المقدسة ترسيخ لمفهوم مصر وطن للجميع    خطوة نحو التأهل لكأس العالم 2026.. موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو    مخرج أم الدنيا: الحلقة 2 تشهد حكم الرومان ووصول العائلة المقدسة الي مصر    محمد عبد الجليل: محمد صلاح يجب أن يكون له معاملة خاصة    حكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    تكبيرات عيد الاضحي المبارك 2024 كاملة ( فيديو)    «السبكى» يشارك في جلسة حوارية عن الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية(صور)    الكشف على 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجانى بالمنيا (صور)    منها «التوتر باعتدال».. نصائح للتخلص من التوتر قبل امتحانات الثانوية العامة    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    تنفيذ المستوي الثاني من برنامج المعد النفسي الرياضي بسيناء    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    بوسترات فردية لأبطال فيلم عصابة الماكس قبل عرضه بموسم عيد الأضحى.. صور    ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة مسلسل خارج السباق الرمضاني    رحلة «أهل الكهف» من التأجيل 4 سنوات للعرض في السينمات    مستقبل أوروبا يعتمد على ثلاث نساء.. رئيسة المفوضية أبرزهن    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    تخصيص 14 مجزرا لذبح الأضاحي بالمجان طوال أبام العيد بالفيوم (بالأسماء)    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم تحلق فيه إمتى والحكم الشرعى    فوز الجامعة البريطانية في مصر بجائزة أفضل مشروع بحثي مشترك (تفاصيل)    محافظ الفيوم يتابع إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإلحاد وثورات الربيع العربي


المستشار د. محمد الدمرداش
باتت أصداء الإلحاد والنظريات الوجودية التي تصادم الأديان السماوية تتردد الآن كثيرا بين بعض المفتونين بهذه الترهات، وقد ولجت مؤخرا من باب الحريات الذي فتح علي مصراعيه بعد ثورات الريبع العربي. وأصبحت المنتديات الإلكترونية المعنية بالملاحدة المصريين أو العرب عامرة بالمريدين خاصة الشباب قليلي التجربة ضحلي الثقافة، بل ألفيت في الآونة الأخيرة من يحتفي بذكري وكتابات المدعو إسماعيل أحمد أدهم الملحد صاحب الرسالة الصادمة (لماذا أنا ملحد؟) الذي انتحر في صبيحة يوم 23 من يوليو 1940 ولم يكن له من العمر سوي 29 عاما، ولم يشيع جنازته يومها إلا خمسة من أصدقائه. و قد نهضت بعض دور النشر مؤخراً إلي إعادة طباعة بعض ما سطره في حياته وتجميعه في كتاب واحد.
والإلحاد درجات تبدأ بالشك في ثوابت الأديان ثم يزيد حين يستوطن في قلب الملحد ويزدهر فيصير استخفافا بالأديان السماوية وأهلها، وصولا بعد ذلك لإنكار قدرة الله عز وجل في التدخل في حياة المخلوقات، حتي تستوي الشجرة الملعونة في قلب الملحد فيطمئن لتمام إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالي، والإلحاد ليس أمرا مستحدثا، وليس كما يشيع بعض الملاحدة الجدد نتاجا طبيعيا للتطور التكنولوجي الهائل الذي وصلت إليه الإنسانية في شتي المعارف الكونية، مسوغين لعقولهم السقيمة أن ما تحقق للإنسان من رقي عقلي يسمح له بأن يتجاوز المرحلة البدائية وهي مرحلة الدين.
والإلحاد قديم قدم الإنسان ذاته، تناولته فلسفات قديمة مثل فلسفة أبيقور اليوناني منذ أكثر من 2500 عام، وهو أول من صدح بعبارة (لا وجود للإله ولا إحساس بعد الوفاة)، وهي العبارة التي اتخذها الملاحدة حديثا شعاراً بعد اختصارها في عبارة (لا إله).
ويلبس الملاحدة علي اختلاف مشاربهم أفكارهم ثوب العقل حتي تنطلي علي بسطاء العقول فيستسيغون فهمها والانسياق وراءها، مبهورين بعقلانية المنطق وسلاسة الأسلوب؛ فيقولون: "إن الإيمان بالله لم يأت نتيجةً بحثٍ علمي، أو تحليل منطقي، وإنما جاء عن طريق أن إنساناً ما وهو النبي قال للناس: إن هناك إلهاً وهذه هي صفاته، وهذه هي أحكامه وتشريعاته، فالمؤمن لم يتوصل إلي "الله" بمحض عقله، بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله.
إذن، فإن الإيمان ما هو إلا مجرد تصديق لشخص ما وليس أكثر من ذلك". وبهذا التبسيط الساذج يقرر الملاحدة حسم قضية الإيمان بالله بعدم قيام دليل علي وجوده، سوي شخص جاء وأخبر عنه، وأمر الناس بطاعته، فالإيمان لا يعدو في حقيقته عندهم أن يكون تصديق شخص ما، لا أقل ولا أكثر، وهذا الدليل عندهم غير كاف أو مقنع.. هكذا دون بحث فيما جاء به النبي أو تفنيد لرسالته، فيكفي عندهم أن يكون دليل وجود الله بشرا لينتفي هذا الوجود! فهل رأي أحدٌ سخرية من العقل والمنطق كهذه السخرية، إن الإيمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسيره، أعظم وأجل من أن يقال فيه هذا، أو أن تساق في نفيه بعض الحيل العقلية والكلام المنمق، فوجوده أعظم من أن يقتصر في الاستدلال عليه علي خبر النبي الذي يرسله رغم أهميته وعظم دلالته، فعندي إن إرسال النبي أثر مترتب علي وجود الله عز وجل وليس دليلا عليه، لأن أدلة وجوده أوسع وأعمق، فهي تتسع لتشمل كل ذرات الكون من فرشه إلي عرشه، فما من مخلوق في هذا الكون إلا وهو ينادي بالدلالة علي خالقه، وهي دلالة لا تقتصر علي إثبات الوجود فقط، بل تتسع لتدل علي صفات وقدرات هذا الخالق العظيم، من العلم والحكمة والإرادة والقدرة وغيرها.
ورغم سعة هذه الدلالات وعظمتها، فقد وجد من شواذ البشر، من زعم أنه لا إله، وراحوا بعد ذلك ينسجون من حبائل إبليس تفسيرا للحياة علي أنها مادة صماء لا تعقل ولا تنطق، أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية والمصادفة!! وهي ذاتها تُسير ذاتها عن طريق نظام الطبيعة وقوانينها، دون أن يتدخل أحد لا في إيجادها ولا في تسييرها. كل ذلك في منطق سقيم مبتور يعجز العقل عن تصوره أو التسليم به، إذ كيف لمادة صماء أن توجد نفسها بنفسها، فضلا علي أن تهب الحياة لغيرها؟! كيف ؟! والعقل قاضٍ بأن الموجود لا بد له من مُوجد، وأن المخلوق لا بد له من خَالق، كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي بسيط، عندما سئل عن دليل وجود الله؟ فقال: البعرة تدل علي البعير، والأثر يدل علي المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل علي العليم الخبير؟!
وعندما تغوص في أوهام الملاحدة وتعاين ترهاتهم التي لا تصمد أمام التفنيد تستيقن أنهم ما سلكوا طريق الإلحاد إلا فرارا من الطاعة والالتزام بأي تشريع سماوي يحد من نزعاتهم الخبيثة، ويحول دون وصولهم إلي نزواتهم الدنيئة.
وأسوق هنا قصة ملحد مصري قديم يدعي عبد الملك جري بينه وبين الإمام جعفر الصادق حفيد الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم حديثا حين قابله عند الطواف، وأفصح له الملحد المصري عن مكنون نفسه، فسأله الإمام: ما اسمك؟ قال: أنا عبد الملك. فسأله: وما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله. فقال الإمام له: فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ وقال له الإمام جعفر: فكر وعندما أفرغ من الطواف نتحدث. فلمّا فرغ الإمام أتاه عبد الملك المصري، فقال له الإمام؟ يا أخا مصر، أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟ قال: نعم. قال فدخلت تحتها؟ قال: لا. قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء. فقال له الإمام: فالظن عجز، لما لا تستيقن؟ ثم قال: أفصعدت السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا. قال: عجبا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! فقال الملحد: ما كلمني بهذا أحد غيرك. فقال الإمام: فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو؟ فقال الزنديق: ولعل ذلك، فقال الإمام: أيها الرجل، ليس لمن لا يعلم حجة علي من يعلم ولا حجة للجاهل.
ولا يتسع المقام لسرد كامل الرواية التي تفند أباطيل أهل الإلحاد لكن ما يهمنا منها هو أن منهجية الملحدين منذ قديم الزمان في مناظراتهم في الأسواق والطرقات هي نفسها التي يستخدمها ملحدو الإنترنت اليوم، فلم تتغير الآليات الهادفة إلي إثارة الشك والريب في وجود الخالق، ثم الوصول بهذا الشك إلي هدم كل الثوابت حتي يترك القلب خاويًا والعقل فارغا تصفر فيه أنفاس إبليس. ولا بد من أن نستفيد من القاعدة المنطقية التي أشار إليها الإمام الصادق وهي "لا حجة لمن لا يعلم علي من يعلم". فالجهل لا يصح بحال أن يكون مصدراً للعلم أو اليقين. وليس من حق الجاهل أن ينكر وجود الإله لأنه أساسا لا يعلم الإله، وكما نقول دوما في استنباط الدليل إن البينة علي من ادعي، فعلي الملحد أن ينهض لإثبات خلو الكون من الله عز وجل لا أن ينفي ما يجهل ثم يطلب من الآخر أن يثبت له عكسه، أو أن يعترف بجهله وعدم علمه واحتياجه لمعرفة الآخرين، ولا يقبل منصف القول بأننا حين تعجز حواسنا عن إدراك كنهه عز وجل، فهذا دليل علي عدم وجوده بل نعتبر ذلك من صميم أحديته وصمديته وإثبات أنه واجب الوجود وخالق الكون لأنه لو أدركته حواسنا كان ذلك ينقص منه وإذا انتقص فهو ليس إلهًا.
وللحديث بقية مع ملاحدة العصر الجديد وربيع الحرية والثورات العربية.
وكيل مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية
لجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.