"فن سيناء".. مشروع خاص بالمشغولات اليدوية.. ثياب ومفارش وكليم للتسويق العالمي دفع ضيق الحال بشبه جزيرة سيناء وبالأخص في مدن الشمال، المرأة البدوية إلى اختراق مجال سوق العمل، باحثة عن توفير سبل للعيش الكريم لأسرتها، على الرغم من العادات والتقاليد المتعارف عليها. وتميزت المرأة البدوية بالعمل في مجال التطريز اليدوي على الأقمشة وعباءات المرأة، وهي من المهن التي تتطلب رؤية وذوقًا عاليًا وإبداعًا وإحساسًا رفيعًا. تطل من بين البدويات "سليمة جبلي عواد" 34 سنة، إحدى النساء السيناويات اللاتي أفدن المجتمع بما لا يستطيع أن يفعله رجال أعمال ومستثمرون، حيث استطاعت الوصول بالفتيات البدويات ومشغولاتهم اليدوية للعالمية. تروي سليمة تجربتها بأنها بدأت مشروعها بمجهودها الذاتي دون مساعدة من أحد، وتمكنت خلال فترة وجيزة من الوصول إلى أعلى المراتب في توزيع المنتجات البدوية التي زاد الإقبال عليها في الخارج أكثر من الداخل. وأضافت سليمة أنها وجهت كل جهدها للارتقاء بالمرأة السيناوية عن طريق مشروع "فن سيناء" الخاص بها والمشغولات اليدوية التي تعكس عبق التاريخ وأصالة الماضي، ولم تعد المرأة البدوية مثل شجرة الحريملاء الجميلة، لكن بدون فائدة، كما قال عنها البعض. لم تتوقف سليمة عند حد صناعتها للمشغولات البدوية كالأثواب وغيرها، لكنها اتجهت لتعليم الفتيات هذا الفن الذي يميز المرأة السيناوية عن غيرها، وبالفعل عملت الكثير من الفتيات حتى أصبح مشروعها من أهم المشروعات التي وصلت للعالمية. من 5 سيدات إلى 430 و3 موظفات بدأت سليمة مشروعها بتعليم وصناعة المشغولات السيناوية اليدوية ب5 سيدات وفتاة، حتى وصل عددهن إلى 430 سيدة وفتاة و3 موظفات، وأصبح ل"فن سيناء" كما أطلقت عليه، مراكز توزيع وبيع في سويسرا وألمانيا وإيطاليا وموسكو وبلدان أخرى من العالم يحجزون المنتجات اليدوية عبر الإنترنت وموقع المشروع على "الويب واليوتيوب والفيس بوك". وتابعتأن مشروع "فن سيناء" ضمن لكل سيدات سيناء دخلًا مناسبًا، وهى بداخلمنزلها تعمل بالمشغولات اليدوية، وأصبحت المرأة البدوية تستطيع مساعدةأولادها وشراء مستلزمات البيت والعلف لأغنامها . تمكنت سليمة من مواجهة المجتمع القبلي بسانت كاترين وعاداته وتقاليده الصارمة، وكانت أول فتاة تحصل على الثانوية العامة بسانت كاترين، لكن العادات والتقاليد حرمتها من دراسة الحقوق، وحبها للفن السيناوي والمشغولات اليدوية، أوحى إليها بفكرة تطوير المشغولات اليدوية وتوزيعها على السياح، فاستعانت بالسيدات والفتيات البدويات بداخل الوديان الجبلية الوعرة، ومن أجل هذه الفكرة تركت "سليمة" عملها كسكرتيرة بمحمية سانت كاترين. ووفرت سليمة الخامات والخرز والترتر وكل أنواع الخيوط والمواد الخام ووزعتها على الفتيات في الوديان البدوية لإنتاج المشغولات؛ مثل "الثوب البدوي والحزام والمسلية (حلية توضع على الصدر) والبرقع وكيس السكر"، وعرضت إنتاجها على السياح الزائرين لدير سانت كاترين، فحظي بإعجابهم وأقبلوا بشدة عليه وتضاعف ربح المشروع، إلى أن بدأ الاتحاد الأوروبي بدعم الحفاظ على التراث البدوي، وبحثت سليمة عن الفتيات اللاتي يقمن برعي الأغنام بالمناطق الجبلية في سانت كاترين ودهب ونويبع، ويمارسن أثناء الرعي أشغال الإبرة والخرز بصفة فطرية وترسم الطبيعة الجميلة بصورة رائعة في مشغولاتها. وأوضحت أن مشروع "فن سيناء" حصل على منحة مالية من المفوضية الأوربية، التي أدت إلى الارتقاء بالمشروع، وأصبح له مقر للزائرين بسانت كاترين ومعارض بشرم الشيخ ومدن جنوبسيناء، ومنافذ بيع بايطاليا وسويسرا وموسكو وألمانيا، بالإضافة للمعارض الدولية التي يشارك مشروع "فن سيناء" بها، غير أن هناك طلبيات تطلب من المشروع عبر الإنترنت من كل دول العالم، فتم إنشاء فصول محو أمية للسيدات البدو وفصول كمبيوتر وحجرات تدريب على التفصيل والتريكو. وعندما توقف مشروع سليمة عقب ثورة 25 يناير نتيجة خلافات، بدأت مرة أخرى المشروع وأنتج مشغولات متميزة، ومازال هناك إقبال كبير على المشغولات البدوية للمرأة السيناوية. وتحلم سليمة بأن يصبح ل"فن سيناء" مؤسسة كبرى لها فروع في كل دول العالم، وأن تعمل بها كل السيدات والفتيات البدويات، خاصة المعيلات لأسرهن في كل واد بدوي ليصبح الفن السيناوي "ماركة مسجلة" في كل دول العالم. وتشكو سليمة من أنها تواجه عقبات في شحن المشغولات اليدوية للراغبين من كل دول العالم؛ لأن مصاريف الشحن تفوق أسعار المشغولات، وتطالب بتخفيض أسعار شحن البضائع في المطارات. وحول مهارة البدويات في نسج الأثواب وغيرها قالت سلوى الهرش، إحدى السيناويات اللاتي يعملن على تطوير مهارات المرأة البدوية: إن سيدات البدو يحرصن على أن تدل الألوان المستخدمة في تطريز الثوب وصناعته على الحالة الاجتماعية للمرأة، فالثوب المطرز باللون الأزرق ترتديه السيدة الكبيرة في السن وغير المتزوجة، أما المتزوجة فترتدي الثوب المطرز باللون الأحمر، فيما ترتدي الفتاة الصغيرة الأثواب المطرزة بألوان فاتحة، وهذا الأمر عرف وتراث لا يمكن الحياد عنه نهائيًّا، بل إن بعض القبائل تختار ألوان تختلف عن القبائل الأخرى. وأضافت سلوى أن هناك بدويات مازلن يغزلن الأثواب والكليمات ويحلبن النوق ويجمعن الحطب، وهن في منتهي السعادة خاصة في المناطق الجبلية، وهناك بدويات اعتلين أكبر المناصب، مشددة على أن البادية ما تزال بحاجة فعلية إلى خدمات ومرافق أكثر، مثل توفير المياه النقية والوحدات الصحية وغيرها من الخدمات الغائبة. الشاطرة تغزل برجل حمار وقالت سلمي العايد، إحدى البدويات العاملات بمجال التطريز: المشغولات اليدوية من تطريز وغيرها تنتشر في شمال وجنوبسيناء؛ لقلة الإمكانيات والتعليم المحدود ولاعتمادها على الحس الفني الفطري، حيث إن الفتيات يذهبن للتعليم حتى المرحلتين الأوليين، الابتدائية والإعدادية، والبنت "المتفوقة" تشق طريقها والكل يساعدها، مضيفة: "الشاطرة تغزل برجل حمار، في إشارة للقدرة على صنع أشياء مميزة بأقل الإمكانيات، ولهذا المثل الشعبي دلالته البالغة لدى أهالي سيناء، فالمرأة البدوية تشتهر بمهارتها الفائقة في صنع أجود أنواع المفارش والكليمات اليدوية المصنوعة من الصوف. وتقول داليا العلي من الشيخ زويد: لجأت وغيري من سيدات شمال سيناء لعمل منتجات يدوية، معظم موادها الخام من الطبيعة البدوية مثل السلاسل والميدليات وحلى للسيدات ومفارش من تلك الطبيعة البكر، حيث يستغرق هذا العمل في بعض الأحيان شهرًا كاملًا في صنع منتج يدوي واحد، لكن في الأون الأخير اندثرت تلك الصناعات بسبب الظروف الأمنية العصيبة. وأضافت داليا، "كانت تلك المهنة تدر دخلًا جيدًا لنا"، مؤكدة أن الدولة يجب أن تقف إلى جانبهن وتدعم تلك الصناعات اليدوية، من خلال معارض تقيمها المحافظة ويتم خلالها بيع تلك المنتجات، خاصة مع ضيق الحال، فالتسويق لتلك المنتجات هو العائق الرئيس لها، مشيرة إلى أن سيدات كثير يعملن بتلك المهنة في المنازل، لكن في ظل الظروف الأخيرة لا نجد من يشتري منا تلك المنتجات. أما علياء محمود، من مدينة الطور فقالت: لجأت إلى تلك المهنة لضيق الحال، وأملًا في عيش كريم، وأستخدم مواد خام من الطبيعة المحيطة بها، حيث يتم استغلال المحار والأصداف الموجودة على الشاطئ وزعف النخل مع دعمها بأشياء بسيطة يتم شراؤها من الأسواق، وأنها تأمل في فتح مساحات لهن بالقرى السياحية؛ لبيع تلك المنتجات وتسويقها للسياح الذين يزورون جنوبسيناء.