«يقينا، لا يبدو التعرض لمحمد مستجاب أو لما يكتبه، أمرًا سهلًا أو عاديًا، ذلك لأنه شكل ظاهرة أدبية وثقافية، ليست في حياتنا الأدبية والثقافية فقط، وإنما في نفوسنا نحن البشر العاديين أو الشعبيين كذلك، إذ استطاع أن يعبّد لنفسه سكة أدبية موغلة في الخصوصية والجمال، واستطاع أن يبتكر قصة تنتمي إليه وحده دون غيره».. هكذا قال نادي حافظ، قبل حديثه عن مجموعة قصص «قيام وانهيار آل مستجاب». وقال عنها الكاتب أحمد عبد الحافظ: بين الأسطورة والسخرية يكتب محمد مستجاب ليمجد آل مستجاب ويسخر منهم، فيمجد هذه السخرية ويسخر من هذا التمجيد الواقع في محله أو في غيره لا تعرف، فقط تعرف أن كتابة كهذه لم تخرج من غير قلم هذا المستجاب العاشق للغة العربية، يكتب كأنما يحفر على الأرض الصلبة بتلك الحروف البليغة، بأسلوبه الساحر الجامع بين المتناقضات فيقنعك أنك فقط لجهلك -عفوا- تتوهم أنها متناقضات أو غير مجتمعات، فيا هذا المستجاب الأعظم، منذ وقعت عيني على كتاباتك، من سنين عديدة، وأنا أعشق حرفك، قاصًا كنت أو مبحرًا في علوم اللغة. وجدها بعض النقاد توثّق علاقتنا بالتراث العربي بشكل عام، فنصوص المجموعة تعمل على استعادة الموروث السردي العربي القديم، في إيجازه حينا، وفي استرساله حينا آخر، وفي تقاطعاته مع مضامين سردية أو غير سردية، كالأمثال والمواويل والأغاني والحكم والهوامش والتضمين -بشكل كلّي وجزئي- لأقوال ومأثورات خطابية مباشرة أو غير مباشرة، والتناص مع أشكال ومضامين تراثية، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، تتكئ مجموعة مستجاب، بشكل ما، على الموروث السردي الفلكلوري، لما يتميّز به من غنى سردي وفيض حكائي، وتنوع في الأساليب والتقنيات. هذا الموروث الذي يتمثل في ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية، والأساطير العربية، وحكايات الشطار والعيارين، والحكايات الهزلية، والحكايات الرمزية. يعتمد محمد مستجاب، في معظم قصص المجموعة، على البنية الدائرية المغلقة، بحيث تعود القصة في نهايتها إلى بدايتها كما في قصص: "مستجاب الثالث"، "مستجاب السابع"، و"سن الجبل" التي يقول في بدايتها: "أول من ظهر على السطح الغربان والضباط والسحالي والمهندسون والتلاميذ والصقور والضفادع، وبعدها كانت السحب وكلاب البحر وكرة القدم وكلاب البرّ والتصوير عن بعد، حينئذ أصبح ملائما أن تنقلب الدنيا رأسا على عقب بحثا عن سن الجبل"، وفي نهاية هذه القصة يقول: "ظلت السماء فرحة متهللة بالنصر، وقد تحلّق فيها الغربان والضباط والسحالي والمهندسون والصحافيون والتلاميذ والصقور وأعضاء المجالس النيابية من دون سن الجبل". وتتميز الشخصيات التي يخلقها مستجاب، في مجموعته هذه، بأنها تمتلك العديد من السمات أو الصفات المتناقضة في الوقت نفسه، فهي خيرة على طول الخط، ولكنها تفكر في الشر أحيانا، وكما تتميز بالذكاء الخارق أحيانا، فإنها تتميز بالغباء الخارق كذلك في كل الأحايين، وذلك ما يعطي الكارثة التي تنتهي بها أغلب قصص المجموعة أبعادا منطقية وواقعية مقبولة. الأديب محمد مستجاب، تمر اليوم ذكرى وفاته، وهو المولود عام 1938 في مركز ديروط بمحافظة أسيوط، وعمل في الستينات في مشروع بناء "السد العالي" في مدينة أسوان وثقف نفسه بنفسه بعد أن توقف دراسيا عند مستوى شهادة الثانوية، ثم التحق بمعهد الفنون الجميلة، ولكن لم يكمل دراسته بالمعهد، عمل بضعة أشهر في العراق وبعد عودته إلى مصر عمل في مجمع اللغة العربية، وأحيل إلى التقاعد بعد بلوغه سن الستين عام 1998.