ترسم إعلانات التبرعات، التي تحتل، شاشات الفضائيات في شهر رمضان، صورة كاشفة لحال مصر، التي تبدو كسيدة جالسة على إحدى الكباري، أو في مدخل إحدى محطات المترو، أو تحمل رضيعها في رحلة بين المقاهي، أو على أبواب مسجد في حي شعبي، تردد كلمات من نوعية، والله إبني عنده سرطان، والله سايبة العيال من غير أكل، والله العيد داخل علينا ونفسي أجيب للعيال هدوم. ليتحول شهر رمضان، إلى شهر الشحاتة، وهو الشهر الأكثر تناسباً مع خطة، تحويل المجتمع بأكمله إلى مجتمع من الشحاتين، يأكل المواطنون من بنك الطعام، ويلبسون من الجمعيات الخيرية، ويعالجون في مستشفيات التبرعات، 57357، وأخواتها، ويتحول الشعار تدريجيا من، "أكفل طفل يتيم"، إلى "أكفل قرية فقيرة"، لنصبح على أعتاب "أكفل وطن فقير"، وتتخلي الدولة عن دورها، لصالح مؤسسات الشحاتة، ليتشابه أدائها مع دور العسكري الذي يدخل في اتفاق ضمني مع الشحاتين، على أن يتركهم يتجولون في الشوارع، مقابل أن يلعبوا دور المخبرين السريين، وأن يحصل هو على نسبة من إيراد الشحاتة، فيما أن الاتفاق في حال الدولة، هو ترك هذه المؤسسات تجمع التبرعات، مقابل أن يدفعوا مما يجمعوه ما يسد رمق الفقراء، ويمنع المواطنين من الوصول لحد الغضب "الثورة" على الأوضاع القائمة. الغريب، أن المواطن بات متلائما مع هذه الحالة "الشحاتية"، وبات يقبل واحدة واحدة أن يكون المتبرع والمتبرع له، بمعني أن يتبرع لبنوك "الخير"، و ضع خط يا محترم تحت كلمة الخير، ثم يجلس متوقعاً أن تؤدي هذه البنوك، والجمعيات، دور الدولة، وبعد أن كانت المواطن مطالب بالتبرع للعلاج، بات مطالب بالتبرع، للطعام والشراب والملابس، وحتى لافتتاح "قناة السويس". لا يقتصر هذا الأمر على المؤسسات الكبري، أو الشركات العابرة للقارات، التي تتحدث عن أن جزء من أرباحها سيوجه للفقراء في إطار مشروعات خيرية، بل أن أداء المواطن نفسه، في رمضان، يشبه هذه المؤسسات، فمثلا، يتذكر المواطن فقط أن هناك فقراء في بلاده في شهر رمضان، فيتحدث عن جمع الشنط الرمضانية والإحسان للغلابة، وكأن هولاء يتخيلون أن الفقراء لا يأكلون سوى في الشهر الكريم. لو بحثتم عن الإنسان ستجدونه كل العام، إنما أنتم تبحثون عن شيء أخر تستغلون الفقير حتى في البحث عن حسنات، لانكم تتخيلون أن حسنات إطعام الفقير في رمضان آكثر من آي وقت آخر. الخير المزيف أكثر ضررا من الشر البين، لأن الخير المزيف يساعد، ويؤسس لبقاء الظلم، شنط رمضان والإحسان على الفقير في الشهر الكريم لا يمنع الظلم بقدر ما يعطي مسكنات، ويستبدل الحق، بالفتات، ويحول صاحب الحق إلى متسول، وتمنح الدولة شرعية الهروب من أداء دورها، فهل من يحسن الأن سيمارس الإحسان كل العام أم أنه سيعطي المخدر مرة، ثم يترك الفقير يتألم باق العام.. الإحسان ليس بديلا عن الحقوق