«بحث مثير في أكثر الأحداث غموضًا على مر الزمن».. هكذا تقدم مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، كتاب «ألغاز تاريخية محيرة»، الذي تتيح نسخته الرقمية لقراءها عبر موقعها الإلكتروني بترجمة شيماء طه الريدي. 25 سؤال غامض حول الحوادث الكبرى في التاريخ فهرسهم «بول أرون» في كتابه محل عناوين الفصول والأبواب، كما هو معتاد في الكتب البحثية، ليعقد اتفاقًا مع القاريء، قبيل القراءة، أنه كباحث ينطلق من السؤال حول الحدث التاريخي، لسبر أغواره، كقضية حساسة، لا يجوز معها الإجابات المطلقة بنعم أو لا. هل صلب المسيح، وهل وقعت حرب طروادة فعلًا، ولماذا بنى الفراعنة الأهرامات، من هو الملك آرثر، ومن كتب مسرحيات شكسبير؟ أسئلة ضمن 25 سؤال، أوردهم «أرون» في بداية كتابه المثير. الذي وبحسب الناشر "يتميز بدقة البحث وبراعة الأسلوب. يتنقل بين أبرز الأحداث في مختلف العصور وينتقي أكثرها إثارة للحيرة، مستخدمًا أسلوبه الرائع في تصوير هذه الألغاز لينقِّب في الخلفية الاجتماعية والتاريخية لكلٍّ منها، ويقدم تصويرًا موحدًا للفترات الفاصلة المحيرة والتي لم تشهد توثيقًا جيدًا. في سبيل الحصول على إجابة على تلك الأسئلة، في فصول موجزة، كان لابد أن يفحص المؤلف الأسئلة المحيطة بالأحداث التي يتناولها بالبحث، ويدرس النظريات المختلفة المتنافسة التي ظهرت على مر الزمن والتي تعود إلى الكثير من المفكرين والمصادر الغامضة. وقبل أن ننتقل إلى نماذج مما أورد «بول»، نذكر أنه مدير المطبوعات بمؤسسة كولونيال ويليامزبرج. ويعمل صحافيًّا في صحيفة «ذا فرجينيا جازيت»، ومديرًا للتحرير في دار ليو دوجلاس للنشر، وهو أيضًا مؤلف كتاب «ألغاز محيرة في التاريخ الأمريكي». لماذا بنى الفراعنة الأهرامات؟ قبل أن يحاول بول الإجابة على ذلك السؤال الذي خرجت من أجل الإجابة عليه، نظريات لا تحصيها مؤلفات عدة، عبر أكثر من ألفي عام؛ يسخر المؤلف من أشهر النظريات، لواحد ممن يعتبرهم التاريخ مؤرخًا عظيمًا، وهو الإغريقي «هيرودوت»، الذي قال بأن السبب في بناء الملك خوفو للهرم –ويصفه بالخبيث- هو أنه أضاع ثروته، ولتعويضها أرسل ابنته للعمل كداعرة في إحدى بيوت البغاء. وفي جملة صارمة يقول «أرون» أنه منذ هيرودوت لم يتوقف سيل النظريات "المعتوهة". يبدأ المؤلف في سرد عدة نظريات، حول بناء الأهرامات مفندًا إياها، مابين أنها مقابر للفراعنة، أو أنها مجرد رموز جنائزية، أو أنها كانت طريقة حضارية لترسيخ هوية وطنية للقبائل المشتتة من خلال المعمار والجماليات، أو أنها سلمًا إلى السماء كما في النصوص التي وردت على بعض الأحجار، إلى أن يصل إلى أن الأمر الذي مايزال يستعصي على علماء المصريات، والذي يصعب التأكد من إجابته، كان جديرًا باهتمام المصريين لدرجة التفاني في إنجازه. ولكن وقبل أن يختتم المؤلف الأميركي ما بدأه، يتوقف عابرًا عن نقطة غاية في الأهمية، ليمر عليها سريعا بنفي قاطع لما يزال الإعلام الصهيوني يحاول ترسيخه، وهو أن العبيد من اليهود هم من قاموا ببناء الأهرامات، كما ظهر في فيلم الخروج آلهة وملوك. إن كل شيء تقريبا تبقى من الحضارة المصرية يرتبط بالموت، فيبدو أنه كان القوة المميزة في عقيدتهم الدينية، وأدبهم وفنهم،فقد كانت الحياة الأخرى بالنسة إلى الفراعنة هدفًا حقيقيًا للغاية، سواء بواسطة درجات سلم أم أشعة الشمس، لذا فمن الصواب تمامًا أن تكون الآثار التي تُعرف حضارتهم إلى الأجيال اللاحقة مصممة أيضًا بشكل شبه مؤكد ليؤوي موتاهم. من كتب مسرحيات شكسبير؟ «لا شيء في السجل الوثائقي لستراتفورد، يعطي إشارة، أن شكسبير كان كاتبًا»، هكذا يمضي المؤلف مع نظرية مارك توين حول شكسبير، الذي لم يسجل عنه أيضًا أي شيء أدبي، أو حتى تعليمه في ستراتفورد أون إيفون، أو سفره إلى الخارج، كل ما يعرف عنه أن كان ابن صانع قفازات عاش في تلك المدينة، وأنه صار ممثلا لبعض الأدوار الصغيرة، وأنه نجح في الاستثمار في شركة كينجز مِن للتمثيل المسرحي. لذلك يصفه توين أنه سيرته مثل الديناصور الشهير في المتحف، والذي لم نجد له غير 9 عظمات، والباقي من جبس باريس، أي أن مايعرف عنه يسيرًا والباقي من خيال مؤلفين السير الذاتية وتوقعاتهم، ليؤكد أن كاتب المسرحيات كان شخصًا أخر، وأن مايربطه بشكسبير ابن صانع القفازات هو الأسم فقط. ومع نهاية القرن ال19، وما بين توقع لأن تكون شخصية الكاتب هي الملكة إليزابث تارة، وفرانسيس بيكون، ودي فير، ظهرت العديد من النظريات التي تبلوت في 3 اتجاهات، حيث أطلق على الأول البيكونيين، نسبة لترجيحهم أن يكون الكاتب هو فرانسيس بيكون الذي يتمتع بما يفتقده شكسبير بن صانع القفازات، فهو فيلسوف وجامعي وأرستقراطي، أما الثاني والذي أعتقد وحارب لإثبات أن أن دي فير أكسفورد ابن عم الملكة إليزابث، هو شكسبير فأطلق على ذلك الاتجاه "الأكسوفورديين"، وقالوا أنه أخفى هويته ككاتب بسبب منصبه وموقعه داخل العائلة المالكة ما يمنعه من مخالطة الممثلين والعوام، وسيطرت تلك النظرة على سنوات عديدة من القرن ال20، إلا أن التقليديين وهو الاتجاه الغالب استطاع تفنيد العديد من حجج الاتجاهين السالفين اللذين لم يكونا بالخصم السهل، ولكن بقيت هناك أسئلة مبهمة. ويقف بول في صف هؤلاء التقليديين ليدعم حججهم، ويقول في النهاية، أن السبب في اعتبار أن كاتب المسرحيات شخص آخر غير بن صانع القفازات، هو التغطرس القبيح، الذي يجعلهم يفترضون أن الأرستقراطي فقط هو من يمتلك عبقرية أدبية.