هي أفلام غيَّرت التاريخ، لم تؤثِّر في الجمهور وتوجّهه إلى تغيير التاريخ كما يمكن أن نفهم من هذه الجملة الكلاشيه، المقصود أنها غيَّرت التاريخ المعروف فعليًّا وصورته بتفاصيل مختلفة، وروت أحداثًا لم تقع، وصنعت تاريخًا لم تسمع به من قبل عن شخصيات مشهورة، وقبل أن تتهم عزيزى القارئ هذه الأفلام بتشويه التاريخ والفبركة وترويج الأكاذيب وغيرها من التُّهم التى تُدخل المتهمين بها إلى غياهب السجون أو على الأقل إلى الوصم بالخيانة وعدم الوطنية. لنعود إلى تاريخ الفن نفسه، ولنركِّز على السينما العالمية نموذجًا، وإذا كان الفيلم التاريخى التقليدى معروفًا بالتزامه بشكل عام برواية التاريخ كما نعرفه مع قليل من التصرُّف لدواعٍ درامية، فهناك نوع آخر من السينما التاريخية مقتبس من الأدب، يُطلق عليه سينما «الخيال التاريخي»، وهو كما في سينما «الخيال العلمي» يقدِّم حكايات تاريخية خيالية مبنية فى بعض تفاصيلها على وقائع تاريخية معروفة وقد تضم شخصيات تاريخية دون الالتزام الصريح بتفاصيل الوقائع التاريخية أو سيرة الشخصية التاريخية، وهناك نوع آخر هو سينما «التاريخ البديل»، ويعتمد هذا النوع على رواية مختلفة للتاريخ تعتمد على نظرية تاريخية أو رواية مختلفة للتاريخ لا تحظى بإجماع المؤرخين، قام فيلم ورواية شفرة دافنشى للكاتب دان براون على روايات تاريخية لا تحظى بإجماع لدى المؤرخين وترفضها الكنيسة، منها مثلاً وجود ابنة للمسيح ونسل يعيش حتى الآن ويخفى هويته. حينما فاز هتلر في الحرب العالمية الثانية تنصهر تفاصيل التاريخ في خيال كاتب السيناريو، ويخرج الفيلم بروايته الخاصة التى تنتمى إلى عالم الخيال، مسلسل «سرايا عابدين» للكاتبة هبة مشارى حمادة، انتمى بحكم الكتابة إلى الخيال التاريخى، لكن ركاكته وعبثه وعشوائية روايته للتاريخ جعلته أضحوكة درامية، ولأن التقليد دون استيعاب أو فهم تكون نتيجته متواضعة غالبًا فإن تماثيل الشخصيات التاريخية فى فيلم «الحرب العالمية الثالثة» ظهرت شديدة الهزل والتفاهة، وظيفتها إلقاء الإفيهات المضحكة، لكن الحال مختلفة فى نماذج صنعت من الخيال التاريخى أعمالاً جادّة متماسكة لها مضمون. بعد عامين من صدور رواية الكاتب الإنجليزى روبيرت هاريس، بعنوان Fatherland «أرض الآباء»، قامت شبكة «HBO» بإنتاج الرواية فى فيلم تليفزيونى قام ببطولته روتجر هاور وميراندا ريتشاردسون، ويبدأ الفيلم بسرد الخلفية التاريخية للأحداث التى تدور فى شهر أبريل 1964 فى أثناء احتفال الزعيم النازى أدولف هتلر، بعيد ميلاده الخامس والسبعين! عفوًا، هل اندهشت؟ انتظر هناك المزيد، لقد فاز هتلر فى الحرب وعاش حتى أصبح زعيمًا عجوزًا أشيب الشعر يستعد للاحتفال بعيد ميلاده، ويتأهَّب لأول قمة بينه وبين الرئيس الأمريكى جوزيف كينيدى، وكينيدى المقصود فى الفيلم هو رجل أعمال وسفير أمريكا فى لندن فى زمن الرئيس روزفلت، ولم يكن أبدًا رئيسًا للولايات المتحدة، بل ابنه جون كينيدى، فى هذا التاريخ الخيالى الذى يقدّمه الفيلم نفهم أن الحرب العالمية الثانية انتهت بعد فشل القوات الأمريكية فى عملية الإنزال الشهيرة على شواطئ نورماندى الفرنسية، وانسحبت من الحرب الدائرة فى أوروبا وتوجَّهت لضرب اليابان، وتم نفى رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل، إلى كندا، ونجح هتلر فى غزو أوروبا كلها وتحويلها إلى ولايات متحدة تتبعه تحت اسم «جرمانيا»، الفكرة الأساسية فى الفيلم لم تكن الحكاية التاريخية، فحبكة الفيلم بوليسية على خلفية سياسية، ففى أثناء الأحداث يتم العثور على جثة ضابط ألمانى كبير متقاعد تطفو على سطح بحيرة بالقرب من مدينة برلين، وتؤدِّى تحقيقات شرطى ألمانى وصحفية أمريكية إلى كشف مؤامرة كبيرة ضد نظام الحكم النازي. الحقيقة الخفيَّة حول ويليام شكسبير فى فيلم «Shakespeare in Love شكسبير عاشقًا» قصة خيالية لا أصل لها فى التاريخ عن حكاية حب بين الكاتب المسرحى الإنجليزى الشهير، وفيولا دى ليسيبس، وهى ابنه تاجر إنجليزى شديد الثراء، تحب التمثيل، تنكَّرت الفتاة على هيئة شاب لتشارك فى التمثيل فى إحدى مسرحيات شكسبير، حدث هذا فى أثناء كتابة شكسبير مسرحيته الشهيرة «روميو وجوليت»، وكان وقتها شكسبير كما يظهر فى الفيلم يعانى من عدم مقدرته على الكتابة، وبعد اكتشافه حقيقة فيولا تبدأ علاقة غرامية بينهما وتلهمه محبوبته لإكمال مسرحيته. ورغم أن قصة فيلم «شكسبير عاشقًا» خيالية ولا أصل تاريخى لها، فإنها صنعت واحدًا من أجمل أفلام السينما العالمية، حيث جمع الفيلم بين النجاح التجارى والنقدى وحصد سبع جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثلة لجوينيث بالترو، وفى فيلم آخر عن شكسبير هو Anonymous «مجهول» لم يكن شكسبير عاشقًا ورومانسيًّا، بل نصاب ومبتذل، فهو يظهر فى الفيلم ممثلاً من الدرجة الثانية وكاتب مسرحيات تجارية هابطة يتّفق معه السياسى الشهير اللورد إدوارد دى فير، على أن يضع اسمه على المسرحيات التى كتبها دى فير نفسه، ولا يستطيع عرضها تحت اسمه بسبب وضعه السياسى الحرج داخل البلاط الملكى، ويمنح الفيلم الفضل فى كل مسرحيات وقصائد شكسبير لهذا اللورد الناقم على الأوضاع السياسية، الذى استخدم إحدى مسرحياته وهى «ريتشارد الثالث» لدعم ثورة شعبية ضد البلاط الملكى بزعامة الملكة إليزابيث الأولى، وعلى عكس الشخصية الرومانسية لشكسبير الشاب الوسيم فى «شكسبير عاشقًا» التى جسَّدها جوزيف فيرث، جسَّد رافى سبال شخصية شكسبير كشخص وصولى تافه ضعيف الموهبة تقع بين يديه نصوص مسرحية رائعة لا يعرف مؤلفها الحقيقى، تصله سرًّا عن طريق وسيط، بل إنه يدرك فى مرحلة متأخّرة أن كاتب المسرحيات الخفى يستخدمه، ويستخدم مسرحه لأغراض سياسية وللتحريض ضد حكم الملكة. لم يكن إنتاج الفيلم سهلاً خصوصًا أنه تناول شخصية أعظم الأدباء فى التاريخ وأكثرهم قراءة على الإطلاق، ومن السهل اتهام الفيلم بتشويه التاريخ وتشويه شخصية أدبية كبيرة مثل شكسبير. «إبراهام لنكولن» صياد مصاص الدماء فى هذا الفيلم «إبراهام لنكولن صياد مصاص الدماء» Abraham Lincoln Vampire Hunter، الذى ينتمى إلى فئة أفلام الرعب، تظهر شخصية الرئيس الأمريكى إبراهام لنكولن، فى إطار فانتازى يتحوَّل فيه من سياسى فى الصباح إلى شخص يسعى لصيد مصاصى الدماء ليلاً، انتقاماً لمقتل والدته من قبل مصاص دماء، فيلم آخر متوسط القيمة هو «إبراهام لينكولن ضد الزومبى» Abraham Lincoln vs. Zombies، قدَّم شكلاً من البارودى الساخر من فيلم لينكولن مصاص الدماء. لنتخيَّل إنتاج فيلم مصرى مشابه، بطله زعامة تاريخية مشهورة تواجه الجن والعفاريت، لنتخيَّل ردود الفعل على مثل هذه الأفلام، لندرك أن علاقتنا بالخيال تحكمها المزايدات ونظريات المؤامرة، غالبًا كان سيتم القبض على المخرج واتهامه بأنه عميل، هذا بالإضافة إلى اتهامات العمالة التى كانت ستلحق بجميع أبطال الفيلم.