هل علينا شهر رمضان الكريم بعادات وتقاليد توارثها الأجيال يوماً بعد يوم، حتى وصلت إلينا. وقال الباحث الأثري أحمد عامر "إننا منذ صغرنا، وعندما يقترب شهر رمضان الكريم، نشعر بأن هناك ضيفاً مهمًّا وعزيزاً على قلوبنا جميعاً سوف ينزل ببيوتنا، وعلينا أن نستقبله بعناية وبمودة فائقتبن؛ ولذلك كنا نرتدي الملابس الجميلة الجديدة، ونحمل الفوانيس الصغيرة المصنوعة من الصفيح والزجاج الملون، وكنا نضع بها الشمع ونشعلها، ونمر بها على بيوت جيراننا وأقاربنا، ونحن ننشد أنشودة لم نكن نستطيع فهم كلماتها. ولكن لأن الأجداد والآباء أنشدوها، فنحن بدورنا كنا ننشدها، وهي: وحوي يا وحوي إياحه". وأضاف "مع مرور الوقت عندما أصبحنا شباباً، فتوقفنا عن اللف بالفوانيس، إلا أن هذه الأغنية ظلت كما هي تسحرنا. وعندما رجعنا إلى الماضي، توصلنا إلى أن المصري القديم كان على شغف كبير بملاحظة ومراقبة حركة الأجرام السماوية والأرصاد الفلكية؛ فقد لعب القمر دورًا مهمًّا في معتقدات المصريين القدماء وفي حياتهم العلمية والعملية، وقد نجحوا في تقسيم السنة إلى شهور؛ حيث إنهم وجدوا أن النجم "سويدة" يظهر كل 365 يوماً، وخلال تلك الأيام يظهر القمر اثنتي عشرة مرة، ومنها كان تقسيم الشهور المصرية القديمة، حيث كان المجتمع المصري القديم مجتمعاً زراعيًّا، فكان يستخدم المصري القديم تلك الشهور في تحديد مواعيد الزراعة والحصاد التي هي مرتبطة في الأساس بالقمر، فقد حملت تلك الشهور أسماء مصرية قديمة، تحولت إلى أسماء قبطية فيما بعد". وكشف أن "أسماء تلك الشهور تعود إلى الآلهة المصرية، ومنها شهر "توت"؛ نسبة إلي "تحوتي" إله الحكمة، وشهر "بشنس"؛ نسبة إلى الإله "خونسو" إله القمر، وشهر "أبيب"؛ نسبة إلى الإله "عبب" وغيرها". وتابع عامر أن أدوار التاريخ المختلفة غيرت لغة البلاد ودينها مرات عديدة، ولكن الغزوات التي توالت على مصر لم تنل من شعبها، بل نجدهم يتأثرون بقيم وعادات حضارة شعب مصر. وعن أغنية رمضان الخالدة منذ القدم ، وهي "وحوي يا وحوي" أكد الباحث الأثري أنه بالبحث والتدقيق وجد أن كلمة "وحوي يا وحوي إياحه" هي تحريف لجملة هيروغليفية كان الغرض منها الترحاب بالإله "خونسو" إله القمر، وذلك عند ظهور القمر، حيث كان المصريون القدماء يقومون برصد تحركات الأجرام السماوية ومنها القمر، ويقوم المُبشِّر مع بداية كل شهر أو مع ظهور الهلال بالتبشير بالشهر الجديد وعودة الإله "خونسو" إله القمر إليهم مرة أخرى، فكانوا يستقبلونه بأنشودة جميلة عند عودته، وهي "واح وي واح وي إي إياح"، والتي تعني "إكليلاً وترحاباً بمجيء وعودة الإله خونسو الهلال أو القمر". وكانت تلك الأنشودة يتغنى بها المصريون كل ليلة قبل ظهور هلال كل شهر، وهم يحتفلون بظهور هذا القمر نحو اثنتي عشرة مرة في السنة، وكان كهنة الإله "خونسو" يبدءون طقوسهم الدينية بإحراق البخور وإطلاق الروائح العطرية الجميلة. وكانت تلك الاحتفالات تقام في أثناء الليل لاستقبال الهلال. مشيرًا إلى أنه من المحتمل أن الكهنة كانوا يحملون مصابيح زيتية بغرض الإضاءة ومباخر بغرض التبخير، وهم ينشدون أنشودة "واح وي واح وي إي إياح"، ويستمر هذا الاحتفال طوال الليل حتى شروق الشمس. وأضاف عامر أنه "على الرغم من مرور أكثر من 7000 عام حتى الآن، ومع دخول التوراة والإنجيل والإسلام إلى مصر، وحتى في فترات الاحتلال، فإننا ما زلنا نتمسك بعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن أجدادنا الفراعنة، مع وجود بعض التغييرات؛ لكي تتماشى مع واقعنا الحالي".