هذا التاريخ في مجمله ادعاء من اليهود علي أنفسهم، وفى تلك الدراسة لن نحاول إعداد سرد وتسلسل لتاريخ اليهود كدولة، فحقيقة الأمر التي يجب أن نقف عليها أن تاريخ اليهود كشعب مجرد أكذوبة، فهم في التاريخ مجرد طائفة راوغت في طاعتها لله، وليس هذا ادعاء عليهم بدافع الخصومة التاريخية كوننا عربا وهم يهود، ولكن تلك هي ثوابت زعمهم التاريخي، فأغلب هذه الادعاءات الصهيونية تدور حول التأكيد على تلك الثوابت وتوريثها كمعتقد للشعب اليهودي واعتقادهم في دولتهم المزعومة. 1- الشعب المختار يدور الفكر اليهودي دوماً حول ثلاثية الإله والأرض والشعب، فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً ومقدَّسا وأزليا، و مصطلح «الشعب المختار» ترجمة للعبارة العبرية «هاعم هنفحار»، ويوجد معنى الاختيار في عبارة مثل «عم سيجولاه»، أو «عم نيحلاه» أي «الشعب الكنز»، وإيمان بعض اليهود بأنهم شعب مختار مقولة أساسية في النسق الديني اليهودي، وتعبير آخر عن الطبقة الحلولية، ولهذا السبب يُشار إلى الشعب اليهودي بأنه «عم قادوش»، أي «الشعب المقدَّس» و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، و«عم نيتسح»، أي «الشعب الأبدي»، وتزخر بتلك المعاني النصوص التوراتية المحرفة والتي جاء فيها: "أنتم أولاد للرب إلهكم… لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". وجاء في سفر التثنية (14/2) "لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". والفكرة نفسها تتواتر في سفر اللاويين (20/24، 26): "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب… وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكم من الشعوب لتكونوا لي". ويشكر اليهودي إلهه في كل الصلوات لاختياره الشعب اليهودي، وحينما يقع الاختيار على أحد المصلين لقراءة التوراة عليه أن يحمد الإله لاختياره هذا الشعب دون الشعوب الأخرى، ولمنحه التوراة علامة على التميز. كل تلك الدلالات التي تضمنتها نصوصهم تعزز من عنصريتهم وتعاليهم على سائر الشعوب، وأن الله يتعالى بهم على سائر خلقه، وتلك هي أكذوبة وجود إسرائيل. 2- شعب الشتات جاء بالنص على موقع الخارجية الإسرائيلية "يذكر أن بني إسرائيل مكثوا في الصحراء أربعين سنة قبل دخول الأرض، إن هذا الفصل من تاريخ الشعب اليهودي جدير بالمناقشة لأنه يطرح قضية معنى التأريخ علي أساس النصوص المقدسة في الديانة اليهودية، فكثيرا ما تصف التوراة بني إسرائيل بعدم استطاعتهم الامتثال للأوامر الإلهية، عبدوا العجل الذهبي في الصحراء (التثنية 32)، وأننا فشلنا في الثقة بالله لما فيه الكفاية للدخول إلى أرض الميعاد، ولكن بني إسرائيل بشر بمعنى الكلمة، فهم ضعفاء على الصعيد الأخلاقي ويميلون للوقوع فريسة للإغراء، ويفشلون كثيرا في القيام بالصواب، فالتأريخ التوراتي هنا يقوم بوظيفة ملحمة وطنية وقصة أخلاقية معا، ورغم هذا القانون الإلهي، فإن بني إسرائيل لا يستطيعون العيش دوما بحسب المتطلبات الإلهية".. هكذا كتب اليهود تاريخ شتاتهم. تزعم الصهيونية العالمية أن القوة الجائرة فرضت على اليهود الشتات، وحالت عبر التاريخ دون عودتهم إلى أرض الميعاد، ولكن الحقيقة أن شتات اليهود كانت له مسببات أخرى منها أنهم كانوا صائدي فرص وتجارا رحالة، وكذلك كانوا دائما مكروهين فى إطارهم الاجتماعي لسلوكياتهم المريضة، مما كان يدفع الكثير من الحكام فى العهد القديم إلى اضطهادهم وطردهم، وليس العهد القديم فقط بل والحديث، ولو تم تفنيد مراحل شتات اليهود لوجدناه يفوق ما كتبوه هم عن أنفسهم فهو سبب نشأة دولتهم الآن. ويمكننا أن نتتبع وجود 4 مراحل للشتات اليهودي وفقاً لتاريخهم: الشتات الأول: السبي الآشوري، وكان عام 720 ق.م، وكان ليهود مملكة إسرائيل (السامرة) الشمالية. الشتات الثاني: السبي البابلي سنة 586 ق.م، وكان لسكان مملكة يهودا في الجنوب. الشتات الثالث: على يد الحاكم الرومانيتيتوس سنة 70م. الشتات الرابع: على يد الحاكم الروماني هادريان 136 م، وهو الشتات الأكبر والنهائي لهم. والغريب أن مراحل الشتات الأربع ليس بها شتات الخروج من مصر. ولن نخوض بشكل تفصيلي في أي من مراحل الشتات تلك، ولكن ما يمكننا إثباته أن كل هذا التاريخ من الشتات والاضطهاد، كان دافعاً كافياً لميلاد فكرة الصهيونية والسعي لخلق دولة من عدم لاحتضان هذا الشعب المظلوم فى الأرض المخير من الله، كما تدعي الصهيونية. 3- النبوءة الغامضة عمل تيودور هرتزل، علي الترويج لفكرة العودة إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك، وكانت تلك الفكرة في مجملها تفسيرا عمليا للنبوءة الغامضة للشعب اليهودي التي تتحدث عن العودة لأرض الميعاد دون وجود ميعاد محدد لتحقيقهم تلك النبوءة التى بدت وقتها غامضة بل ومستحيلة، دخلت تلك النبوءة حيز التطبيق وتم عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، وكان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن "الهدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه اعتراف عام من العالم". وحددت تلك الحركة الصهيونية استراتيجية إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين عبر النقاط التالية: أولاً: تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ثانيا: تنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية. ثالثا: اتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني. رابعا: تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هرتزل. خامسا: تشكيل الجهاز التنفيذي "الوكالة اليهودية" لتنفيذ قرارات المؤتمر؛ ومهمتها جمع الأموال في صندوق قومي لشراء الأراضي وإرسال مهاجرين يهود لإقامة مستعمرات في فلسطين. وبالفعل نجح المخطط الأولي للمشروع الصهيوني، وفي الثاني من نوفمبر 1917 صدر الوعد البريطاني الشهير بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين؛ وحمل الوعد توقيع وزير الخارجية في ذلك الوقت آرثر بلفور، وحين صدر كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان، وقد أخذ الوعد شكل رسالة بعث بها اللورد بلفور، إلى اللورد إدموند دي روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، وفيما يلي النص الكامل للرسالة: عزيزي اللورد روتشيلد, يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرت "لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر، وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح". المخلص آرثر جيمس بلفور ملاحظات على وعد بلفور عبر بلفور في موقفه هذا عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد، وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك، فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية، كما يرى بعض المؤرخين أن إنجلترا أصدرت الوعد تعبيراً عن اعترافها بالجميل لوايزمان لاختراعه مادة الأسيتون المحرقة أثناء الحرب العالمية الأولى، ويمكن أن نتحدث عن بعض الفوائد الجانبية التي سيجنيها أصحاب الوعد من إصداره ومن تأسيس الوطن القومي اليهودي. -يتحدث العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية عن تحويل يهود شرق أوربا عن غربها، حفاظاً على الأمن القومي بالداخل، ولابد أن الحكومة البريطانية كانت تأخذ هذا في اعتبارها، خصوصاً أنه قد سبق لها إصدار وعد شرق إفريقيا البلفوري لهذا السبب. -يتحدث العقد عن تسريب الطاقة الثورية من شباب اليهود من خلال المشروع الصهيوني، وهذه مسألة لم تكن بعيدة عن أذهان أصحاب وعد بلفور، وقد نُشر خبر إصدار الوعد في الصحف في 8 نوفمبر 1917، وهو العدد نفسه الذي نُشرت فيه أنباء اندلاع الثورة البلشفية، وقامت طائرات الحلفاء بإلقاء ألوف النسخ من وعد بلفور وأنباء صدوره على يهود روسيا القيصرية وبولندا وألمانيا والنمسا. -كان ثمة اعتقاد غالب بأن الإعلان سيكون ذا قيمة دعائية على الصعيد الدبلوماسي، ذلك أن وعد بلفور سيَلقى صدى لدى اليهود الروس بحيث يمكن أن يصبحوا بشكل من الأشكال أداة ضغط على الحكومة الروسية المؤقتة حتى لا تتراجع عن رغبتها في متابعة الحرب مع ألمانيا. -كان من المتوقع أن يؤدي الوعد إلى عائد مماثل بين يهود أمريكا الذين كانوا قد أصبوا بشيء من خيبة الأمل بسبب تحالف الحلفاء الوثيق مع حكومة روسيا القيصرية التي كانت مكروهة عند أعضاء الجماعات اليهودية، فكان من المؤمل أن يشجع الوعد أصحاب الأموال من أعضاء الجماعات اليهودية على الإسهام في الجهود الحربية للحلفاء وعدم الارتماء في أحضان الألمان، خصوصاً أن أرستقراطية يهود الولاياتالمتحدة كانت من أصل ألماني، ولكن مسار الأحداث أثبت أن ثمة خطأً فاحشاً في التقدير، فلم يكن يهود روسيا أو الولاياتالمتحدة مهمين إلى هذا الحد، وكانت المنظمة الصهيونية منقسمة على نفسها، كما أن عدد الصهاينة من اليهود كان لا يزال صغيراً للغاية. هربرت صموئيل أوفت بريطانيا بما وعدت لتحقيق العهد المنتظر لليهود وكان اختيار وتعيين هربرت صموئيل، 1920-1925 اليهودي الأصل كأول مندوب سام، حيث كانت أول واجبات ومهام صمويل إعادة أدلجة وتعيين الحدود الدولية لفلسطين بحيث تجسد وتحقق المطامع الهادفة للمشروع الصهيوني، فتم إدخال الجليل الأعلى وأيضا المنابع العليا لنهر الأردن وبحيرة الحولة وطبريا من ضمن الحدود الدولية الفلسطينية لكي يتم توفير الطاقة والمياه للمستوطنين وإنعاش المشروعات الصهيونية. انتهج الانتداب البريطاني خلال فترة الانتداب على فلسطين 4 سياسات رئيسية: 1: حق انتزاع الأراضي الفلسطينية. 2: دعم وتشجيع الهجرة اليهودية. 3: التشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية اليهودية. وعلى كل ما سبق، فقد كان وعد بلفور للحركة الصهيونية تجسيدا لميلاد عهد الدولة اليهودية والتي هي في ذاتها نبوءة ومقدمة لدولة المعبد الثالث (إسرائيل الكبرى)، وفي جوانب تلك النبوءة تركيز أن يكون الوعد البريطاني على نفس أرض الميعاد المنتظر لشعب الله المختار، على حد ادعائهم.