يتقدم تنظيم داعش الإرهابي منذ فترة في سورياوالعراق مسيطرًا على مناطق استراتيجية في الدولتين، تحت أنظار ما يسمى بالتحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي شرع بالدخول في حرب مع هذا التنظيم في العام الماضي دون تحقيق أي تقدم يذكر، كل هذا يطرح سؤالًا ما هي استراتيجيات التحالف بقيادة أمريكا في سورياوالعراق بعد مرور عدة أشهر على تشكيلة دون القضاء على داعش وخطرها؟. على الرغم من أن تاريخ جرائم التنظيم في سورياوالعراق تعود إلى فترة بعيدة، لم يبدأ تشكيل التحالف الدولي إلا بعد تهديد "داعش" لإقليم كردستان العراق، حيث تتمركز المصالح الغربية بشكل أساسي، وكأن الرسالة كانت بأن تجاوز الحدود المعطاة له غير مسموح، والمفترض به أن ينفذ مهمة التقسيم بالنار ليأتي بعد ذلك من يتولى ملء الفراغ السياسي في هذه المناطق. ثمة من يرى أن نقطة الإنطلاق في فهم ما يجري هي المدن العراقية، وطريقة تعامل القوى الغربية مع هذا الخطر تخفي خلفها الكثير من الحقائق الهامة، حيث تنص المعادلة على أن أبناء المناطق هم من يتولون إدارتها بعد السيطرة عليها، وهؤلاء يرتبطون حكماً بالجهات التي تقدم لهم الدعم في المواجهة المصيرية، والدليل على ذلك القانون الذي بحث في الكونجرس الأمريكي، القاضي بتقديم الدعم إلى الأكراد والعشائر السنية كدولتين مستقلتين. ما حدث في مدينة عين عرب السورية (كوباني)، لا ينفصل عن هذا المسار، لم تتدخل طائرات التحالف لتأمين منع سيطرة "داعش" عليها إلا بعد حصولها على ضمانات واضحة، مفادها أن قوات "حماية الشعب الكردي"، التابعة لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، ستكون حليفة لها، وستشكل اللبنة الأولى في النسخة السورية من مشروع الفدرلة القائم على الأراضي العراقية. يتزامن انتشار داعش في العراقوسوريا مع ظهور تقارير ووثائق أمريكية تؤكد كل ما طرح من أحاديث عن استراتيجية واشنطن في المنطقة، حيث أصبح بالإمكان معرفة أسباب بقاء داعش وجبهة النصرة وصمودهما أمام الحرب الدولية التي أعلنتها واشنطن عليهما بعدما كشفت هذه التقارير أن مشاريع التنظيمات الإرهابية في سورياوالعراق كانت بعلم الإدارة الأمريكية وحلفائها. مشروع داعش لإقامة "دولة إسلامية" ليس حلماً راود البغدادي، ومن المؤكد أن توجه زعيم النصرة الجولاني لإنشاء إمارة إسلامية ليس مغامرة أيضاً، فالمشاريع الجاري تنفيذها من العراق إلى سوريا بدأت بعلم الولاياتالمتحدة وحلفائها هذا ما كشفته "جوديشيال واتش"، وهي مجموعة حقوقية يمينية أمريكية أجبرت الدولة الأمريكية في الأيام القليلة الماضية على رفع السرية عن مجموعة وثائق ورسائل من أرشيف وزارتي الخارجية والدفاع. وتثبت التي أُفرج عنها بأمر قضائي أن واشنطن كانت على علم بتأسيس تنظيم "داعش" واتجاهه نحو تأسيس إمارة له في شرق سوريا وغرب العراق، وتبنته ومدته بالسلاح من ليبيا وأنها لن تتمكن من أن تنكر دورها في بناء ما يسمى ب"الإمارة الإسلامية" في شرق سوريا، وأكدت مقتطفات مترجمة من وثيقة وكالة استخبارات الحرب على سوريا في 12 أغسطس 2012 – سرية – منع عرضها على أجانب، إعلان البنتاغون عام 2012 دعمه لإمارة للقاعدة في سوريا، وجاء فيه المقتطفات التالية: (داخليا، تأخذ الأحداث مسارا طائفيا واضحا) ، كما ورد أيضًا أن ( السلفيون والإخوان المسلمون والقاعدة في العراق هم القوى الأساسية التي تقود التمرد في سوريا)، (يقوم الغرب ودول الخليج وتركيا بدعم المعارضة، فيما تدعم روسيا، الصين، وإيران النظام). وفي الوثائق أن دعم هذه التنظيمات بالسلاح بدأ في عام 2012 عن طريق ليبيا إلى موانئ في سوريا، بذريعة دعم القوى المعارضة بهدف عزل النظام السوري، ووفقاً للوثائق التي ذكرت أن إخراج الشرق السوري من نطاق سيطرة الحكومة السورية كفيل بإقامة إمارة إسلامية، وبالفعل المتابع في الفترة الأخيرة لسياق التطورات لن يحتاج إلى جهد ليرى هذا المشروع وهو يترجم ميدانياً على يد داعش في شرق سوريا وغرب العراق، فيما تتولى النصرة إستكماله في الجنوب والشمال السوريين. هل هذه المكاشفات مرتبطة ببعضها البعض؟ في استراتجية المشاريع الكبيرة لا توجد حدود بين الأحداث، لا سيما أن سقوط محاور استراتيجية في سوريا، كما في العراق، بيد داعش أو النصرة لم يكن ليتم من دون التسهيل والدعم اللذين باتا عنوان الإستراتيجية لسقوط المنطقة في فخ الفوضى التي تشهدها حاليًا.