نور الدين: رجال الغرف التجارية وراء أزمات الزراعة سليمان: البنك الدولي يسعى للقضاء على القطن المصري بيومي: تطوير الري الحقلي هدفه تقليص المساحات الزراعية السعدني: لا توجد مؤامرة بل تعثر في القدرات التسويقية انتهجت بعض الدول الكبرى طريقًا مختلفًا في شن الحروب على الدول النامية، خاصة مصر التي أصبحت مخترقة من الداخل بفعل رجال الأعمال المصريين الذين تواطئوا مع تلك القوى الخارجية للقضاء على الزراعات المصرية، بالتحكم في سوق الاستيراد والتصدير لمحاصيل تعتمد عليها الدولة في توفير الغذاء للمواطن الفقير، وتوفير مستلزمات الإنتاج لكثير من الصناعات الأخرى، التي تعد ركيزة للاقتصاد المصري، تمشيًا مع المخطط الصهيوأمريكي للقضاء على الزراعة والصناعات القائمة عليها، ليصبح مصير مصر السياسي والاقتصادي في قبضتها؛ لتحقيق أطماعها في منطقة الشرق الأوسط. ولم تكتفِ الدولة بتعيين رجال الأعمال في مناصب وزارية اقتصادية؛ للسيطرة على الأسواق الداخلية، والتحكم في الكميات والأسعار لكل سلعة بطريق غير مباشر، ولا سيما في الكميات التي يقدم الفلاح على زراعتها، بل أصدرت الحكومة المصرية أيضًا قرارات بفتح باب التصدير لبعض المحاصيل بعد موسم الحصاد بفترة كافية؛ ليكون القرار في صالح المصدرين، بجانب تخلي الدولة عن تسويق القطن، وعدم قدرتها على إحكام قبضتها على تسويق المحاصيل الحقلية الاستراتيجية كافة. قال الدكتور نادر نور الدين، خبير بورصات الغذاء والحبوب العالمية: هناك محاصيل اندثرت تقريبًا ولم يعد الفلاح المصري يقدم على زراعتها؛ كالفول والعدس والمحاصيل الزيتية، وأخرى تقلصت مساحاتها بشكل كبير كالقمح والذي نستورد 70% من إجمالي احتياجاتنا 15 مليون طن، وزيوت الطعام 92%، والسكر 32%، واللحوم 60%، والذرة الصفراء لأعلاف الدواجن والمواشي 50%، والعدس 99%، والفول 70%، ومعها الزبد البقري والألبان المجففة والأسماك بنسبة 50%. وأكد نور الدين أن رجال الغرف التجارية، وعلى رأسهم رئيسها، يروجون لفكرة أن استيراد القمح من الخارج أفضل من زراعته، بغرض زيادة أرباحهم دون النظر لصالح الوطن والفلاح المصري، حيث يستورد التجار 10 ملايين طن سنويًّا، ويبلغ صافي ربح الطن 30 دولارًا، حيث إن ربح إجمالي الكمية المستوردة يبلغ 300 مليون دولار أي ما يعادل 2.4 مليار جنيه سنويًّا، وهذا الكم من الأرباح لا يكفيهم، بل يسعون لزيادته بالدعوة إلى عدم زراعة القمح واستيراد باقي احتياجاتنا من الخارج 3.7 مليون طن؛ لنغطي احتياجات وزارة التموين من القمح المخصصة لإنتاج رغيف الخبز المدعم، لافتًا إلى أن الغرف التجارية برجالها لم يتوقفوا عند هذا الحد من التربح على حساب الشعب، بل واصلوا تنفيذ المخطط للقضاء على الزراعات الاستراتيجية. وأضاف أن ما حدث للسكر هذا العام لا يمكن تفسيره سوى بأنه فكر موجه لتدمير اقتصاد الدولة، ففي الوقت الذي يتكدس فيه السكر بمخازن مصانع الدولة حتى بلغت كمياته 1.6 مليون طن، حال دون وفاء تلك المصانع بالتزاماتها المادية تجاه المزارعين، مما دفعهم بالتلويح بأنهم لن يقدموا على زراعة المحاصيل السكرية مرة أخرى، في المقابل نجد أن المستوردين سارعوا بإغراق السوق بالسكر المستورد للاستفادة من فارق الأسعار العالمية، مضيفًا: رغم أن هناك التزامًا دائمًا من وزارة التموين باستلام كامل إنتاج مصانعنا الوطنية من السكر، سواء القصب أو البنجر، وصرفها على بطاقات التموين وتسويقها عبر المجمعات التعاونية، إلَّا أن انخفاض أسعار السكر العالمية دفع التجار، بما فيهم رئيس الغرفة التجارية، بدخول أسواق استيراد السكر، معتمدين على رجلهم وزير التموين في تسويقه وتصريفه على البطاقات التموينية، فعرضه على البطاقات التموينية بسعر أرخص من السكر المحلي، وكان من باب أولى أن نستهلك إنتاجنا أولًا ثم نستورد ما نحتاجه، لكن الوزير يستهلك المستورد فقط ويترك المحلي لخراب المصانع المحلية. وأشار نادر إلى أن الحكومة فتحت باب تصدير الأرز للخارج بضغوط من رجال الأعمال، شريطة ألَّا يرفعوا أسعاره في الأسواق المحلية، لكن هذا لم يحدث، وبتأخر إصدار ذلك القرار كانت النتيجة في صالح رجال الغرفة التجارية؛ لأنهم اشتروا المحصول بسعر بخس من الفلاحين؛ لتأخر وزارة الزراعة هي الأخرى في إعلان سعر توريده، فسارع المزارعون في التخلص منه بأي أسعار؛ خشية أن يتراكم بالمخازن؛ مثل محصول القطن، لافتًا إلى أن أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرفة التجارية، استغل صداقته بمحلب وضغط عليه جدًّا لتعيين مستشاره كوزير للتموين للسيطرة على الأسواق، ومن قبله ضغطوا لتعيين منير فخري عبد النور، عضو غرفة السباحة بالغرفة التجارية، فأصبح لهم وزيران غاية في الأهمية بالوزارة، وهي وزارات التجارة والصناعة والتموين، فسيطروا على التجارة الخارجية والداخلية برجالهم في الوزارتين، والنتيجة إغلاق 6 آلاف و400 مصنع في السنوات الأربع الماضية لصالح التجار. وأوضح خبير بورصات الغذاء العالمية أن رجال الأعمال المصريين يفتقدون الانتماء إلى وطنهم والبحث عن تحقيق الصالح العام، وبالمقارنة نجد أن تجار الولاياتالمتحدة عرضوا على حكومتهم إغلاق محلات الوجبات الجاهزة والأطعمة السريعة في روسيا، دعمًا لموقف بلدهم ضد روسيا وحصارها، إلَّا أن أحمد الوكيل رفض إيقاف التجارة مع تركيا، رغم موقفها العدواني ضد بلده، فالرجل يضحي ببلده من أجل أرباحة من التجارة مع تركيا. وقال الدكتور سعيد سليمان، أستاذ الهندسة الوراثية بزراعة الزقازيق: القطن المصري فائق الطول، أحد الأصناف التي لها ميزة نسبية، لقلة المساحات المنزرعة منه، لافتًا إلى أن الحرب بدأت عام 1984 للقضاء على القطن المصري، بصدور قرار وزاري من وزير الاقتصاد آنذاك، بالسماح بدخول أقطان قصيرة التيلة بالبذور إلى مصر، وجميع الخبراء رفضوا هذا القرار؛ خشية أن تتم زراعة مساحات من القطن قصير التيلة، ويحدث خلط بينه وبين الأصناف المصرية فتعمل على تلويثة، وعلى الرغم من ذلك استطاع معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة الحفاظ على الأقطان المصرية، في ظل عدم تمتعها بمنح المشاريع البحثية، التي كان مصدرها البنك الدولي، الذي اشترط على الحكومة المصرية أن يمول الأبحاث الزراعية فيما عدا القطن، حتى لا نصبح في موقف المنافسة لأقطانهم، بالإضافة إلى أنه أحد الخطوات الفعلية للقضاء على القطن المصري ثلاثي الأغراض والاستخدامات، فهو المحصول الذي يوفر المادة الخام لصناعة الغزل والنسيج، التي بالفعل انتهت، فضلًا عن استخلاص زيوت الطعام من بذوره، وهي من أجودها عالميًّا دون منافس، وأرخص من السعر العالمي، وما يتبقى من عملية العصير "الكسب" تصنع منه الأعلاف، لافتًا إلى أن القضاء على هذا المحصول يعني القضاء على صناعات عديدة، بجانب عرقلة التوسع في مشاريع الثروة الحيوانية، مؤكدًا أن ما ينتهجه البنك الدولي من فرض شروطه على الجانب المصري للحصول على المنح، لا نجده ينتهج مثل هذا التصرف مع دولة مثل الهند، فأمريكا لا تستطيع أن تتدخل في كيفية توزيع تلك المنح على المشارع البحثية ولا الحق في التفتيش على تلك الأبحاث. وأكد سليمان أن مصر تتمتع بميزة نوعية وسعرية لكل من القطن والأرز وقصب السكر، فبالنسبة للأرز يتزايد الطلب عالميًّا على الصنف قصير الحبة، وفي المقابل نجد الدولة تمنع تصديره بحجة ندرة المياه في حين أنه تم استنباط صنف يستهلك نصف كمية المياه المعتادة، إلَّا أن وزارة الزراعة رفضت اعتماده، ورغم ذلك يتم تهريب الأرز المصري عبر بحيرة البرلس؛ لارتفاع أسعاره حيث تبلغ قيمة الطن بالأسواق العالمية ألف دولار، في مقابل 400 دولار فقط للأرز طويل الحبة، لافتًا إلى أن أمريكا نجحت في زراعة أرز قصير الحبة بولاية كاليفورنيا، ولذلك تسعى لاحتلال السوق العالمية دون منافس، وتساعدها على ذلك الحكومة المصرية على حساب الاقتصاد المصري. وأوضح أستاذ الهندسة الوراثية، أنه تتم محاربة الزراعة المصرية بالطرق والوسائل كافة، تارة برفع الدعم عن الزراعة، وأخرى بتخلي الدولة عن تسويق بعض المحاصيل الاستراتيجية المهمة، أو إدخال زراعات جديدة للقضاء على زراعات قائمة بالفعل، ومصر تمتاز بإنتاج جيد لها، وأكبر دليل على ذلك دخول زراعة بنجر السكر إلى مصر لتحل محل القصب، الذي ينتج أعلى أنواع السكر وأجودها عالميًّا وأقلها في السعر، في حين أن سكر البنجر مشبع بالمبيدات؛ لأنه يتم رشه أكثر من 20 مرة خلال ثمانية أشهر فقط، وكان من المفترض زراعته بالمناطق الشمالية، إلَّا أنه تم التوسع في زراعته بمحافظات الجمهورية كافة، وأصبح يتنافس مع القمح على المساحات، مؤكدًا أن ما يحدث في قطاع الزراعة مخطط محكم للقضاء على الزراعة والاقتصاد المصري، وعلى صحة المواطن بصفة عامة، في الوقت الذي نجد فيه حكومة غير واعية أو مدركة لهذه المؤامرة التي تنفذ منذ سنوات عديدة؛ للوصول بنا إلى مرحلة عدم القدرة على إنتاج غذائنا، مما يترتب عليه عدم قدرتنا على اتخاذ قراراتنا السيادية، مؤكدًا أن سياسة "لي الذراع" بدأت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، التي اشترطت إسرائيل بها أن يكون التطبيع في وزارة الزراعة. وأكد الدكتور محمد بيومي، أستاذ المحاصيل بمركز البحوث الزراعية، أن البنك الدولي في الوقت الراهن صب اهتمامه على مشروع تطور الري الحقلي، ووفر له منحًا عديدة، والهدف المعلن لهذا المشروع تطوير منظومة الري، أما الهدف الضمني التحكم في كمية المياه التي تصل للفلاح عن طريق المحابس، وبالتالي التحكم في مساحات المحاصيل المنزرعة؛ لأنه في هذا الوقت لن توفر سوى المقنن المائي الذي تشترط أن تتم زراعته في تلك المساحة، وإن قام بزراعات مخالفة سيكون مصيرها الموت لعدم كفاية مياه الري، أما الهدف الآخر غير المعلن تقليل حجم المياه المستخدمة في الزراعة؛ حتى لا يشعر المواطن المصري بفجاعة الآثار المترتبة على بناء سد النهضة وتشغيله. فيما استنكر الدكتور مصطفى السعدني، أستاذ الاقتصاد الزراعي بزراعة دمنهور جامعة الإسكندرية، أن يكون هناك مخطط لتدمير الزراعة المصرية، بل إن كل ما يحدث من تراجع مساحات لمحاصيل بذاتها، يرجع إلى تعثر المسؤولين في القدرة التسويقية بالأسواق الخارجية، وهذا حدث بالتزامن مع اتباع نظام الاقتصاد الحر، في العالم الذي تحكمه المنافسة، مشيرًا إلى أن مبدأ البقاء للأصلح هو السائد الآن، فإذا تطرقنا للقطن فأنه يمكن الحفاظ عليه بتوفير التكنولوجيا الخاصة بتصنيعه محليًّا، وبذلك نكون قد تخطينا مشكلة تسويقة؛ لأنه لا يوجد عليه طلب عالميًّا، لذلك يمكن تصديره في صورة قيمة مضافة بتصنيعه. وأكد السعدني أن سوء التنظيم والإدارة داخليًّا السبب في تراجع حركة تصدير الحاصلات الزراعية التي تساهم بشكل كبير في التوسع في الزراعات؛ لأن إنتاج الأراضي القديمة لا يصلح للتصدير؛ لاستيطان كثير من الآفات بها وهي غير مقبولة دوليًّا، وقبل الحديث عن المؤامرات والمخططات الدولية علينا أن نصلح من الشأن الداخلي، وأن نخصص من هذه الأراضي مساحات لزراعتها بغرض التصدير، ونكوّن جهازًا رقابيًّا للتفتيش على تلك الأراضي؛ حتى لا يتم رفض إنتاجها من قِبَل الدول المستوردة فتخرج مصر من السوق العالمي كمصدر وتحتل صدارة الدول المستوردة لغذائها.