صحيح أن عددًا ليس بالهين توقع فوز «الطلياني»، الرواية الأولى للكاتب التونسي شكري المبخوت، بالجائزة العالمية للرواية العربية، وصحيح أن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، رئيس لجنة تحكيم جائزة البوكر، بعدما أعلن عن فوزها، مساء الأربعاء، امتدحها وصاحبها، واعتبر الرواية مدهشة، مشيرًا إلى مشهدها الافتتاحي، الذي أكد أنه يثير الحيرة والفضول، ويسلمك عبر إضاءة تدريجية ماكرة وممتعة إلى كشف التاريخ المضطرب لأبطاله ولحقبة من تاريخ تونس، إلا أن الجمهور وبعض النقاد كانوا على موقف مختلف من حيث جودة العمل الذي احتفت به الأوساط الثقافية في الوطن العربي أمس. عندما حانت لحظة إعلان الفائز بالجائزة، أخذ "البرغوثي" على عاتقه هذه المهمة، بصفته رئيس لجنة التحكيم، وأعلن نتيجة المسابقة "وضميره مرتاح"، هكذا كتب على صفحته الرسمية على فيس بوك قبل الحفل: بعد قليل سأقوم بإعلان اسم الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية لهذه السنة، ضميري كرئيس لجنة التحكيم مرتاح. وفي الحفل لم يتهاون في مدح الرواية: إن شخصية عبد الناصر بطل الرواية مركبة وغنية ومتعددة الأعماق، حتى الشخصيات الثانوية منها، مقنعة فيما تقول أو تفعل، وفيما ترفض أو تقول، لكن شخصية زينة تظل إنجازًا فنيًا فريدًا تمتزج فيها الثقة والارتباك والشراسة والشغف والتماسك والانهيار، وبهذا حظينا بشخصية لا نمطية لأنها مكتوبة أثناء عملية الكتابة لا قبلها. لم يكتف بهذا فحسب، وقال: إن الرواية رحلة في عوالم الجسد والبلد، الرغبة والمؤسسة، والانتهاك والانتهازية، وتناول بارع لارتباك العالم الصغير للأفراد والعالم الكبير للبلاد، وفي كشفها الغطاء عن ملامح مجتمعها التونسي تباغت الرواية معظم القراء العرب بما يجسد ملامح مجتمعاتنا أيضًا، "الطلياني" عمل فني يضيف للمنجز الروائي التونسي والعربي، ويتعلق به القارئ منذ سطره الأول حتى سطره الأخير. كالعادة، اعتبر المثقفون -بخاصة من انتظروا فوز رواية شوق الدرويش للروائي السوداني حمور زيادة- أن «البوكر» لها حسابات غير أدبية، في اختيار الفائز، بالطبع لا يقصد التعميم وإنما يشار إلى الأغلبية، والحقيقة أنه موقف ليس وليد الأمس، وإنما منذ خروج رواية «الطلياني» على القراء للمرة الأولي. فكان رأي أحد القراء أن "المؤلف تكلف اصطناع راوي عليم، وأشركه بلا داع في الأحداث، ومع ذلك ما أرانا الكاتب وجه راويه إلا في مفتتح الرواية وفي ختامها، وفي الباقي من الأحداث مات الرواي يارفاق! بناء العمل جاء جيدًا على جملته، مترهلًا في عدة مواضع بلا جدوى فنية، والشخصيات الرئيسة رسمت ببراعة وعناية، وشخصيات أخرى مكملة ظهرت كأطياف بلا دور ولا ملامح". من أجواء الرواية: «رغم كلّ شيء ثمّة أمْرٌ ما يربطهما أكثر من الزواج الذي ساقته الظّروف والصّدفة، حين تشرع شفتا الطلياني تمتصّان رضاب تلك القصبة المفكّرة وتجوس يداه في ملمسها اللّيّن، تصبح غصنًا أخضر غضًّا يتلوّى كلّما مسّتْه ريحُ الرّغبةِ، هذه النّبتة الشّيطانيّة مذهلةٌ قُلَّبٌ لا تستقرّ على هيئة واحدة، يراها غصنًا جافًّا أو جذعًا يابسًا أحيانًا، وتكون أحيانًا أخرى عُودًا منوّرًا طيّبَ الرّيح يجدّد الحواسّ التي تبلّدت». بعد الانتهاء منها، قدم قارئ آخر رأيه غير الراضي عنها، على موقع «جود ريدز»، إذ قال: بدأ المبخوت الرواية بقوة سردية لا يعرف كيف يتعامل معها كلما توغل في الرواية، مملة في بعض المواضع والشخصيات غير لافتة للنظر ما عدا زينة، ظُلم العمل حقًا بنهايته المألوفة، إنها رواية ليست لعامة الشعب، لأنها تتحدث نسبيًا عن سياسة السبات الذي نال حظه من عامة الشعب، والذي لا يدري ما يُحاك في جوّه، تمنيتها أسطع و أقوى. الكثير من القراء لم يتوقعوا فوزها بالجائزة، حتى أن أحدهم قال منذ فترة: الرواية ليست عملًا مذهلًا مهمّا، وليست عملًا بسيطًا هينًا، يمكنني أن أفهم وجودها في القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية، لكنّني لا أتوقع منها الفوز بالجائزة، إذا ما عدتُ إلى تاريخ الروايات الفائزة. قارئ آخر يتعجب من وصول «الطلياني» للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية: رواية أخرى من الروايات المرشحة لجائزة البوكر العجيبة، يبدو أن شرط الترشح لتلك الجائزة أن يكون العمل أقل من المتوسط، سواء في الفكرة أو أسلوب المعالجة أو حتى الحوار. ويبدو أن قارئ آخر لم يداري انزعاجه من الرواية: أزعجتني، بقدر ما كنتُ أنتظر منها أكثر، نسج الروائي مشهد البدء بدهاءٍ أرغمني لألهث خلف سطوره، بيد أن آمالي خابتْ، تحديدًا، بعد اجتياز الثلث الأول من العمل، وجدتني أرغم نفسي على أن أمضي بها، وفعلت، قبل كل شيء، استغرب كيف للروائي أن يكتب بتقنية الراوي العليم، ذاك الصوت الذي يمثل صديقًا مجهولاً لبطل الرواية (عبدالناصر)، ولم نشهد له صوتًا إلا في صفحة واحدة، ص185، بينما ظل في بقية المشاهد شبحًا متوارٍ عن الحضور، ويعرف ما لا يعرف الأبطال عن بعضهم البعض، وهو ما أراهُ يتنافى مع القاعدة. هناك من انتهى من قراءة الرواية ويقول عنها: السرد كلاسيكي أشبه ما يكون ب" كان يا ما كان في قديم الزمان"، عندما يكتب أكاديمي رواية تخرج لنا رواية أكاديمية بعيدة عن أي دهشة أو جمال سواء من ناحية الأحداث أو الشخصيات واختيار السارد ليكون "صاحب البطل والبطلة ومطلع على الأحداث" أضعف الرواية ونحى بها نحو الأكاديمية أكثر. طبعًا هناك قراء أعجبتهم الرواية، هم كذلك انقسموا حول أحقيتها بالجائزة من عدمه، المهم أن الجميع دائمًا، وعلى مدى أكثر من دورة للبوكر، يعتقد أن لجائزة الرواية الأهم في الوطن العربي حسابات مختلفة، قد تكون أحيانًا سياسية وفي بعض الأحيان ربما تحكمها المجاملات.