"سور أوكرانيا العظيم" يبدو أن هذا أفضل اسم مستعار مقترح، حيث لا يبحر الحجر أو الطوب أو يقع أي عبث، ولكن لا يمكنك المشي بمحاذة هذا السور، كما أن هناك فرصة صغيرة جدا قد يأملها الفرد، وهي أن يبقى ذلك السور واقفا لمدة ألفي عام من الآن، على الرغم من أن أولوية الرئيس الأوكراني، بترو بوروشينكو، هو "إبقاء روسيا خارج التواجد بين الانفصاليين"، حيث أعلن رئيس الوزراء الأوكراني آرسيني ياتسينيوك أن سلطات بلاده تستعد لاستكمال بناء مشروع السور على الحدود الأوكرانية الروسية، وذلك بمبلغ 66 مليون يورو. وقال ياتسينيوك خلال جلسة للحكومة:" إن حدود الدولة يتم وسيتم بناؤها، أما من يعارض ذلك فسنمكنه من الحصول على تذكرة سفر إلى ما وراء الحدود"، في إشارة للقوى السياسية الموالية لروسيا، وينص مشروع الجدار الذي قدمه ياتسينيوك أوائل سبتمبر الماضي، على بناء خندق طوله أكثر من 3 آلاف كيلومتر، وعرضه 4 أمتار وعمقه متران، وذلك بتزويده بمنظومات رصد إلكتروني، وبدوره، أكد مسؤول حرس الحدود الأوكراني فيكتور نازارينكو أن حوالي 144 كيلومترا من الخندق قد تم حفرها. وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إنه قبل عامين لم يحتاج الأوكرانيون لهذا الجدار، أو بعبارة أخرى، لم يكونوا بحاجة إليه، ولكن الزمن قد تغير، فقد أتت الفكرة منذ 12 شهرا، كمسرحية سياسية مع الفترة التي سبقت الانتخابات، مضيفة أنه أول امتداد للأسلاك الشائكة في خاركيف، المنطقة الشمالية الغير بعيدة عن وهانسك، نقطة الاشتباكات المتكررة المجاورة، ولكن الخطة في نهاية المطاف تكمن في خلق شيء يحجز بين أوكرانياوروسيا، حيث امتداد 1500 ميل من الخنادق وأبراج المراقبة والحراس والمسلحين، بناء السور سوف يستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات، بمبلغ 500 مليون دولار، ولكن نتيجة لإفلاس أوكرانيا، تأمل الحكومة في تمويل المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي. وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن هذا السياج ليس الوحيد الذي يرتفع هذا العام، حيث تحاول دول أوروبا الشرقية من أوكرانيا إلى بولندا وبلغاريا، خلق ستائر جديدة لحدودها مع روسيا، لحماية نفسها بطريقة مثيرة للدهشة، فقد أعلنت بولندا هذا الشهر عن خطط تصلب حدودها مع روسيا بداية من كالينينجراد إلى الشمال، ووضع ستة أبراج مراقبة يتم طرحها هذا العام، وهي خطوة تدل على تدهور العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي المجاورة، وفي الوقت نفسه، جنوبا، ذهبت بلغاريا إلى نصب أسلاك شائكة على امتداد حدودها الجنوبية مع تركيا، ووفقا لإدارة صوفيا، الغرض من الأسلاك، وقف تدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والحد من خطر وصول المسلحين من سوريا والعراق. من جانبة، يقول البروفيسور "ديفيد بريستلاند"، الذي يحاضر في التاريخ السوفيتي بجامعة أكسفورد:" هذا نوع من الحرب الباردة التي ظننا أننا تخلصنا منها، ولكن الآن بدأ الاقتصاص من جديد"، ويرى أن أسباب ذلك:" عسكرة الحدود، وهذه الجدران ستوقف حركة الناس، نحن لسنا في عالم رائع من التداول مع بعضنا البعض أو التحرك بحرية، نحن نعود إلى فترة التسعينات، على الرغم من عدم حدوث ذلك". وتلفت الصحيفة إلى أن نحو 500 ميلا من أوكرانياوبلغاريا وبولندا، سيتم استخدامهم لبناء جدران، تم بنائها لنوايا مختلفة تماما، وهي أبعد من عمليات التنمية، مثل مشروع الطموح الأمريكي لتعزيز حدود الولاياتالمتحدة مع المكسيك، ويقول "بورس شيسيرفوك"، المتحدث باسم وكالة الأممالمتحدة للاجئين في بلغاريا:" خطة الحكومة هي تمديد السور 100 ميلا عبر الحدود الجنوبية مع تركيا، وتهدف الخطة للانتهاء من السور بحلو شهر يونيو"، ويضيف:" أنه سياج من الأسلاك الشائكة، بارتفاع ثلاثة أمتار، وأنا لا أعرف ماذا أقول عن ذلك"، كما أكد أن هذه الأسلاك نوع من البشاعة تقود إلى التصلب الحدودي بشكل مباشر، وتضيق الخناق على اللاجئين بالإضافة إلى أنها أكثر خطورة أثناء السفر. وتقول "الإندبندنت" يتوقع الكثيرين زيادة عدد الأفراد الفارين من منطقة الشرق الأوسط من خلال القوارب بدلا من الأراضي، خلال الأشهر القليلة المقبلة، مما يهدد بزيادة المآسي مثل التي تحدث في المياه الإيطالية، ويقول الصحفي التركي "اليف سكوت":" هناك بالفعل تأسيس مسار لتهريب البشر من الساحل التركي على بحر يجة ثم البحر المتوسط، وبالتأكيد سنرى طرق بحرية مستخدمة بشكل أكبر بعد الانتهاء من بناء السياج". وتشير الصحيفة إلى أن بلغاريا ترى أن لديها أسباب تدفعها إلى فعل ذلك، حيث الحرب الأهلية في سوريا وبروز الجماعات المتشددة في بلاد الشام، مما يؤثر سلبا على البلاد، التي لاتزال أحد أفقر دول الاتحاد الأوروبي، حيث لا تتمكن بلغاريا من تحمل عبء اللاجئين ووضعهم ببساطة على قائمتها الجغرافية، التي تتعارض بشدة مع توجيهات الاتحاد الأوروبي. وتوضح الصحيفة أن دخل نحو 15 ألف لاجئ سوري إلى بلغاريا بشكل غير قانوني منذ بداية الحرب الأهلية، من بينهم 4 آلاف في مراكز اللاجئين، وربما يكون الرقم الحقيقي أكثر من ذلك بكثير، وبالتالي ليس من المستغرب أن تعبر بلغاريا عن استيائها من تدفق اللاجئين، وترى الصحيفة البريطانية أن بكل المقايس، سيحقق السياج نتائجه، فقبل بدأ العمل منذ 16 شهرا، كان يدخل إلى بلغاريا نحو 100 لاجئ بشكل يومي، معظمهم من السوريين والأكراد والعراقيين والإيزيديين، وبعد البدء في بناء السياج يدخل نحو 15 لاجئ كل أسبوع. ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد والخبير الأمني في التكامل الأوروبي، "كايلبسو نيكولاديس"، أن السياسيات التي تتبعها بلغاريا غير صحيحة، حيث إن أوروبا لديها حرس حدود قوي وتأمينات على المعابر، والأغلبية الضخمة من المهاجرين يصلون إلى المطارات، وكل ما يحدث هو لعبة سياسية تسمح للسياسيين باعطاء الانطباع أن هناك تهديدات خارجية بشكل متزايد. وتشير الصحيفة إلى أن بولندا، والتي تقوم ببناء السياج، يرجع ذلك لقلها من روسيا المدججة بالسلاح، خاصة بعد أن أعلن مسؤول بوزارة الدفاع الروسية أنه منذ مارس الماضي، يجهز الكرملين لوضع صواريخ اسكندر على الحدود، مما دفع بولندا لأخذ هذه الخطوة على محمل الجد، كما أعرب رئيس لوتوانيا عن مخاوفه من الأسلحة البالستية التي قد تصل إلى حدود برلين. ويرى "نيكولدوس" أن حكومات بولندا وأوكرانياوبلغاريا، مخطئة في قرار بناء تلك الجدران لأنها قرارات فعالة على المدى القصير، وقال:" الناس لا تفهم حقيقة ما يدور حول المصدر، التعامل مع روسيا والتعامل مع مشكلات الشرق الأوسط وافريقيا، يجب أن يكون بشكل أكثر فاعلية"، ويضيف:" لكن في خيال المواطنين، فالجدران لها نوعية من الخيال الذي يميل إلى إرضاء الساسة، حيث يبدو بالنسبة لهم حل أسهل".