تعددت سبل الفساد وأشكاله بمصر من مؤسسي إلى سياسي، وتمثلت آلياته في الرشوة والمحسوبيةوانتشار الجريمة والفساد المالي والإداري واستغلال النفوذ، فضلًا عن تجاوز وقائع الفساد أو محاباة الفاسدين على حساب مصلحة الوطن،هي دلائل واضحة على الفساد، مما يشل إرادة الدولة نحو مستقبل أفضل. وقضايا الفساد شائكة ومتعددة ومتوغلة في العديد من مفاصل الدولة وقطاعاتها الخدمية، والبعض منها أدى إلى اختلالات مالية وإدارية من خلال تحصيل الرسوم بمختلف وحدات الجهاز الإداري المتعلقة بالتوظيف وغيرها من القضايا. ربط الفساد بالإرهاب تبرير للفشل أعلن إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء،في ديسمبر الماضي عن خطة لمكافحة الفساد خلال 4 أشهر فقط، بتفعيل عدة قواعد واستعادة ثقافة الشفافية، إضافة إلى تطوير التعاون مع الأجهزة المعنيةكافة. وصرح محلب بأن الدولة ملتزمة بتطبيق أحكام منظمة الأممالمتحدة في مجال مكافحة الفساد، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل على توسيع رقعة تقديم الخدمات الإلكترونية، حتى يصل المواطن إلى ما يصبو إليه دون اتصال مباشر بالموظفين، بغية الحد من فرص الفساد. وأوضح أن الدولة تهدف إلى إصلاح شامل بجميع المجالات، في إطار التزامها بمكافحة الفساد؛ لأن العائد التراكمي من انتشار الفساد تسبب في تردي الأوضاعبالخدمات المقدمة للمواطنين، مما أدى إلى اعتباره سببًا رئيسًا في اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. وانتهى عام 2014 وكشف التقرير السنوي الأخير لهيئة النيابة الإدارية بمصر عن كارثة تفشي الفساد بأجهزة الدولة؛ حيث أشار التقرير إلى أن إجمالي قضايا الفساد بالحكومة بلغ 70 ألف قضية، بواقع قضية فساد كل دقيقة ونصف. في الوقت الذي أكد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي،خلال خطاب له في فبراير، ليس بالقوانين وحدها يتم القضاء على الفساد، فنحن بحاجة إلى ثورة تشريعية في مناحي الحياة كافة؛سواء بتفعيل القوانين الصالحة لهذا العصر أو بإيجاد نصوص تشريعية جديدة تتواكب مع الواقع، بدلًا من النصوص القانونية التي عفا عليها الزمن وباتت بالية لا تصلح للواقع الجديد على الأرض. وأوضح أن القوانين التي تحتاجها البلاد في ظل ثورتين عظيمتين باتت ضرورة ملحة وحاسمة، مضيفًا أن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن الحرب علىأحدهما دون الآخر. تضخم الفساد في 2014.. والبرلمان هو الحل في إطار فعالية القرارات التي تتخذها الدولة في مكافحة الفساد، يقول المستشار مجدي الجوهري: تفشي الفساد وفقًا للإحصائية الأخيرة يعد كارثة في حق الحكومة، ودليل على ضعفها في مواجهته،مما يعد مؤشرًا خطيرًا. وأكد الجوهري أن القضايا التي يتم الإعلان عنها تكون معروفة من قبل، في حين أن هناك آلاف القضايا الأخرى التي تتم في الخفاء، موضحًا أن هناك غيابًافي التنسيق بين الجهات المعنية بالرقابةكافة، وأنه لو تحقق هذا التنسيق لتم الكشف عن آلاف القضايا الجديدة يوميًّا. وتابع الخبير القانوني: مكافحة الفساد ستبدأ بمصر حين يقرر المسؤولون فعليًّا وحين يتم انتخاب مجلس النواب؛ لأنهم القادرون علىوضع تشريعات لمكافحتة بشكل سليم، فنواب سيتعاملون مع قضايا الفساد من خلال عدة طرق قانونية وفقًا لدستور، منها تقديم استجوابات أو طلبات إحاطة، أو تقديم الأسئلة عن القضايا المدعومة بمستندات. ولفتإلى أن البرلمان نفسه له آلية إضافية، وهي تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الهيئات والوزارات والإدارات الحكومية، وهي التقارير التي تناقشها اللجان المختلفة بالبرلمان وتصدر بشأنها توصيات، مؤكدًا أن ترتيب مصر في الفساد في2004كان 54، ثم تراجع في 2014 إلى المرتبة ال 94. الفصل بين السلطات من ناحية أخرى يقول شريف حمودة، القيادي السابق بحزب المحافظين والخبير السياسي: لابد أن تكون مكافحة الفساد الشغل الشاغل للحكومة والبرلمان المقبل، لافتًا إلى أن القوانين الحالية غير كافية لمكافحته. وأوضح حمودة أن مكافحة الفساد تحتاج إلى استراتيجية ودراسات مطولة بإصدار حزمة تعديلات لقوانين الفساد، وتقديم دراسة عن المدة الزمنية التي يمكن من خلالها مكافحة الفساد المرتبط بعدة أسباب اجتماعية كالرواتب والمعاشات. وتابع:هناك العديد من المشكلاتبالمنظومة الإدارية نابعة من سلطات اتخاذ القرار،ولابد من العمل عليها وإصلاحها، مشيرًا إلى أنه كان هناك العديد من الفساد في التسعينيات بالبنوك المصرية، وتم محاربته وقل بالفعل. فيما يقول محمد بدر، عضو مجلس الشباب المصري:مكافحة الفساد بمصر ينقصها الكثير، على رأسها العمل وفقًا لاستراتيجية من قِبَل الحكومة المصرية،بداية من المؤسسات وحتى القطاعات كافة،وتحددبمدى زمني معين. وأوضح بدر، أن معالجة الفساد ممكنة من خلال الفصل التام بين السلطات، وتعزيز الدور الرقابيللبرلمان المقبل، والاهتمام بالموظف العام، ورفع راتبه للتماشي مع التضخم، وحرية والإعلام والصحافة، واستقلالية الأجهزة الرقابية عن الأجهزة التنفيذية، وزيادة وعي المواطن ومنظمات المجتمع المدني بأهمية مكافحة الفساد. من جهتها أكدت النيابة الإدارية، أنها تثمن اهتمام الدولة بالتنسيق بين أجهزتها القضائية والرقابية، إيمانًا منها بأهمية مكافحة الفساد، من خلال إعادة تشكيل اللجنتين الرئيسية والفرعية؛ للوصول إلى فرق عمل متكاملة تتضافر جهود أعضائها في بوتقة واحدة مما يساعد على مكافحة الفساد،مما يؤكد أن هناك إرادة سياسية جادة للقضاء على الفساد. وأكدت النيابة الإدارية، أنه قبل تأكيد أهمية دور الهيئات والأجهزة الرقابية، يتعين الإشارة إلى محاور أساسية لا تقل أهمية، وهي الاهتمام بتربية النشء والتأكيد على الرقابة الأسرية، والتعليم بمراحلهكافة، والتركيز على بث الوعي القومي والانتماء للوطن.