تعتبر المقاطعة أسلوبا نموذجياً كأحد أوجه المواجهة والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال كي تنال الشعوب حريتها واستقلالها. ويُعني بالمقاطعة (الاقتصادية) بمفهومها العام إيقاف التبادل السلعي والخدماتي بشكل كلي أو جزئي مع الطرف المراد مقاطعته بما يخدم مصالح وأهداف الطرف الداعي للمقاطعة، ويشمل التعامل الاقتصادي والخدماتي بكافة أشكاله أي وقف التبادل السلعي والخدماتي مع الطرف المطلوب مقاطعته وخاصة في أوقات الأزمات بهدف التأثير عليه سياسياً أو إضعافه عسكرياً واقتصادياً، وغالباً ما يتم اتخاذ قرار مقاطعة طرف أو أكثر في حالة وقوع الأزمات السياسية أو حتى الحروب أو الاختلافات العقائدية بهدف إحداث الضغط والتأثير على الطرف الآخر بما يخدم المصالح العليا العامة وليس مصالح بعض الأفراد، ومن أروع صور المقاطعة في التاريخ الحديث (إضراب عام 1936) الذي قام بتنفيذه الشعب والثوار الفلسطينيون ضد الاحتلال البريطاني وقد استمر هذا الاضراب لمدة ستة أشهر مسجلا أطول وأفضل إضراب (مقاطعة) في التاريخ. كذلك لا ننسى التجربة الهندية الشجاعة والتي نفذها الشعب الهندي بزعامة المهاتما غاندي ضد المستعمر البريطاني "للقارة الهندية" وكذلك مقاطعة الشعب الفيتنامي المتميزة ضد المحتلين الأمريكيين والفرنسيين حتى نالوا حريتهم وكرامتهم، وهنا لا ننسى الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م ونموذجها البطولي المشرف في المقاومة ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، باعتبارها تكتيكا ضمن أوجه المقاومة الأخرى. البضائع الاسرائيلية التي كانت تملأ المحال التجارية في غزة أصبحت تتناقص تدريجياً بعد حملات التوعية والمقاطعة التي قادها ناشطون ومؤسسات مهتمة بهذا الشأن، خصوصاً بعد العدوان الاسرائيلي الأخير الذي خلَّف المئات من الشهداء والجرحى. وحول هذا الموضوع، أجرى البديل لقاءً مع الباحث محمد حمدان، وفي حديثنا إليه، أشار حمدان: "لمقاطعة البضائع والمنتجات الاسرائيلية آثار سلبية على الطرف الاسرائيلي وهذه بداية مشجعة ومثمرة وهي ما زالت تلقي استجابة مقبولة من جمهور المستهلكين الفلسطينيين وذلك بناء على الاستبيانات التي أعدها الباحثون وخصوصاً أنَّ السوق الفلسطينية تعتبر ثاني أكبر سوق للمنتجات الاسرائيلية". وتابع حمدان: "ونود الإشارة إلى أهمية التقرير الإسرائيلي الذي صدر في جريدة (يديعوت أحرنوت) والذي أشير إلى انخفاض يصل لحوالي 50% على الصادرات الاسرائيلية إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بفعل حملات المقاطعة التي يقوم بها الفلسطينيون للمنتوجات والسلع الاسرائيلية. صور نشرها ناشطون على فيسبوك وفي ورقة أعدها معهد ماس حول تأثير حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها- البعد الاقتصادي– أوضح المعهد أن المقاطعة قد ساهمت في دعم القطاعات الإنتاجية الفلسطينية، ما ساهم في رفع مداخيل الضرائب وخفض معدل البطالة. وتشير البيانات الى اعتماد الفلسطينيين على التجارة الخارجية بشكل كبير، ففي عام 2012 استورد فلسطينيو 1967 ما يعادل 4.7 مليار دولار سنوياً من الخدمات والبضائع، منها 4.3 مليار من اسرائيل، أي 91% من مجمل المستوردات، بعض النظر عن إن كانت هذه المستوردات منتجات اسرائيلية أو تأتي عبر اسرائيل، وهذا الاستيراد يكبح جماح الإنتاج المحلي الفلسطيني ويحرمهم مبالغ الجمارك التي تجمعها اسرائيل عن هذه المستوردات. وتقدر الجمارك الضائعة على الفلسطينيين وفق هذه الآلية حسب تقرير الانكتاد ب500 مليون دولار سنوياً. مقاطعة البضائع الاسرائيلية تعادل مليار دولار يمكن ان توفر ما يقارب 90.000 فرصة عمل فلسطينية، أو ما يعادل 11.5% من حجم التشغيل الحالي في الضفة والقطاع (781.000) ويقلص الاعتماد على اسرائيل، وبالتالي يقلص قدرتها على تركيع الفلسطينيين سياسياً وفرض تسوية مجحفة على الفلسطينيين.