فرحة عارمة تملأ أرجاء المنزل.. الأب والأم والعائلة يهنئون الابن بالنجاح والتخرج في الجامعة بدرجات عالية ومتميزة.. الجميع يتنبأ له بمستقبل مشرق وتفوق باهر في الحياة العملية.. الوالد يشعر أخيراً بقرب حصاد ما زرعه من جهد وعرق والبحث المستمر عن توفير لقمة العيش والمصاريف؛ كي يصل لتلك اللحظة، والوالدة تشعر بأنها حصلت على مقابل التضحية بوقتها وسنين عمرها في التربية والاهتمام بسعادة تلك اللحظة، ويكون الجميع في انتظار حصول الابن على فرصة العمل المناسبة؛ كي يصبح ذا شخصية مستقلة وفاعلة في المجتمع، ويبدأ دوره في تكوين أسرة جديدة. ولكن.. يتوقف الزمن عند تلك الأمنية، وتتحطم على أرض الواقع "ما فيش" سمة الوضع الحالي في مصر، لا وظيفة ولا عمل مناسب للشباب.. لا شيء سوى كلام مرسل من الجميع عن المستقبل القريب وتحقيق الآمال والطموحات، بينما في الحقيقة الأوضاع المحيطة بالشباب تعكس حالة من الإحباط واليأس نتيجة البطالة المنتشرة بالبلاد. البطالة والشباب.. الخوف من نظرة الفشل في عيون الآباء عندما يسعى الشاب للبحث عن وظيفة بعد تخرجه يبدأ من القمة، فهو يبحث فقط عن الوظيفة التي تتناسب مع مؤهله الدراسي، وربما عن وظيفة مريحة؛ ظنًّا منه أن الحياة وردية، وأن المجتمع المحيط به هو المدينة الفاضلة، ولكنه يستفيق على الواقع المؤلم بأن ما تتمناه لا تجده في المجتمع المصري، وأنه لكي تعمل يجب عليك أن ترضى بما تجده أمامك، سواء كان يتناسب مع مؤهلك الدراسي أم لا، يتماشى مع طموحك وآمالك التي رسمتها من قبل أم لا. المهم أن تحصل على الوظيفة وتعمل. وحتى ذلك ربما لا تجده، فتتوقف الحياة بالنسبة للشاب؛ ليقترب الشعور باليأس من التسلل لداخله، والخوف من نظرة الحزن في عيون والديه على ما آل إليه حاله بعد الآمال والطموحات المرسومة من قبل؛ ليبحث عن الوجهة الأخرى المتمثلة في الهجرة بشقيها الشرعية وغير المشروعة؛ للبحث عن فرصة للعمل. الهجرة.. الأمل الأخير في حياة كريمة البطالة هي كلمة السر في لجوء الشباب إلى الهجرة والبحث عن فرص عمل خارج القطر المصري؛ نتيجة عدم توافرها في المجتمع، فلا توجد فرص عمل متاحة بالمجتمع لتلبي احتياجاتهم، إضافة إلى فقدان الأمل بالوعود البراقة من جانب الحكومات المتعاقبة، بشأن تحسن الوضع الاقتصادي وإتاحة فرص عمل للشباب وتمكينهم من الدولة، وبالتالي فالهجرة بشقيها الشرعية وغير المشروعة تبقى المخرج الأخير للشباب للحصول على عمل. يقول محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية لحقوق الإنسان "يتعرض الشباب المصري لكافة أنواع الضغوط، فمن ناحية لا يشعر بالاستقرار السياسي والاجتماعي في ظل حالة التخبط الموجودة حاليًّا بالبلاد، ومن الجهة الأخرى لا يشعر بالأمان الاقتصادي، فالأسعار في زيادة مستمرة، والوضع من سيئ لأسوأ، وبالتالي فهو لن يقبل بأن يكون عبئاً على كاهل والديه أكثر من ذلك، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية. ومع استمرار عدم وجود فرص عمل بالمحيط المجتمعي، يجد نفسه مضطرًّا للجوء إلى الهجرة كمنفذ أخير لإيجاد فرصة العمل التي تعينه على الحياة وتمكنه من تكوين أسرة كالمواطن الطبيعي في أي دولة في العالم، بالإضافة إلى رغبته في رؤية نظرة السعادة تعلو وجوه والديه فرحاً باستطاعته الحصول على فرصة العمل، وكأنها أصبحت جائزة وليست حقًّا أصيلاً للمواطن". ويشير لطفي إلى أن الخوف من المجهول في رحلة الشاب وهجرته للبحث عن فرصة عمل يتضاءل في مقابل رغبته في إثبات ذاته ومحاولة رد الجميل لأسرته التي تعبت وكدت من أجل أن يصبح فردأ بالمجتمع له دور فعال به، ولكن فيما يبدو فإن المجتمع يرفض استقبال أشخاص جدد في طياته، وكأنه قد امتلأ عن آخره، وبالتالي فالبحث عن فرصة خارجه أمر طبيعي من جانب الشاب، وربما قد يصل الأمر إلى حالة الخروج بلا عودة. وأكد المدير التنفيذي للمفوضية المصرية لحقوق الإنسان أن الشاب لن يتراجع عن فكرة الهجرة للخارج سوى بحصوله على حقوقه الكاملة من المجتمع والدولة بالحق في العمل والحياة الكريمة والبدء في أداء دوره في استكمال مسيرة المجتمع والدولة. هجرة الشباب.. هروب من الأسوأ للسيئ ورغبة في الخروج من نفق اليأس يتبادر إلى الذهن عندما تطرح مخاطر الهجرة بشقيها وخاصة غير الشرعية، الحالة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي وصل إليها الشاب حتى يتقبل فكرة التضحية بآدميته، بل وبحياته في مقابل الحصول على فرصة الهروب من الدولة إلى أخرى غالباً ما تكون في النطاق الأوروبي للبحث عن وظيفة. وفي ذلك يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الحالة الاقتصادية والظروف السياسية السيئة التي تمر بها البلاد، أهم العوامل التي تدفع الشباب للجوء إلى فكرة الهجرة، إضافة إلى وجود أمثلة من القرى والنجوع التي ينتمي لها هؤلاء الشباب لجؤوا للهجرة، وحققوا مكاسب كبيرة عادوا بها. وأشار فرويز إلى معرفة الشاب بإمكانية تعرضه للفشل، بل والأدهى من ذلك أن عائلته تعلم أيضاً، ولكنه يفضل أن يذهب في رحلة نسبة النجاح بها 50%، قد يصل ويحصل على الوظيفة والمكاسب من وجهة نظره، موضحاً أن فكرته تتمثل في الهروب من الأسوأ للسيئ. وأضاف فرويز أن الهجرة غير الشرعية نوع من الانتحار يلجأ إليه الشاب عندما يشعر بأن حياته أصبحت بلا معنى، خاصة عندما يتعرض لضغوط نفسية من جانب عائلته بأنه فاشل ولم يحقق أي نجاح بحياته، وأن والده ما زال يعوله رغم تعديه سن الخامسة والعشرين وما إلى ذلك، مما يصل به إلى نفق مظلم من الاكتئاب واليأس يدفعه للجوء لتلك الرحلة المأساوية.