تواجه منظومة البحث العلمي في مصر العديد من المشكلات التي تقف حجر عثرة في طريق البحث العلمي وتعرقل مسيرته، أبرزها فقر التمويل، وضعف الرواتب وبيروقراطية القوانين والتشريعات واللوائح، بجانب الإرادة السياسية والتنظيم. وأغفل المؤتمر الاقتصادي الذى نظمته مصر خلال الأيام الماضية، أهمية الاستثمار في البحث العلمي وتهيئة المناخ الملائم لباحثينا من أجل الإبداع والابتكار بدلًا من أن يهربوا للخارج. «البحث العلمي»: الدولة تعامل مع مشروعاتنا بقوانين المناقصات قال الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي، إن الجانب التمويلي يعد أبرز المشكلات التي يعاني منها مجال البحث العلمي بمصر، حيث يحتاج إلى ميزانية كبيرة تتلائم مع ما تنفقه الدول في الخارج على نفس المجال. وأضاف أن العنصر الآخر الذي يعد أحد ركائز منظومة البحث العلمي، هو العنصر البشري، ومتوافر، حيث يوجد ما يعادل 90 ألف باحث بمصر موزعون على الجامعات والمراكز البحثية، لكن ينقصهم اهتمام الدولة، بأن تكفل لهم حياة كريمة لكي يتفرغوا للبحث العلمي، متابعا: «الباحث في مصر ليس لديه أي وقت لكي يبدع، فيوم الأستاذ الجامعي الطبيعي يبدأ بالذهاب للكلية لإلقاء محاضرة لمدة ساعتين، ثم ينتقل إلى عيادة خارجية، ثم مستشفى جامعي، ثم العيادة مرة أخرى، ثم يعود ليلًا إلى منزله منهكًا من العمل، والحل أن نكفل للعلماء دخلًا جيدًا يتيح له التفرغ للعمل البحثي فقط». وأشار إلى أن التشريعات والقوانين واللوائح والبيروقراطية الموجودة بالدولة، تعرقل إدارة تمويل البحث العلمي بكفاءة، فالتعامل مع مشروع البحث العلمي من قِبَل المسؤولين صار كأنهم يتعاملون مع بناء كوبري أو عمارة ومصنع، فنتعامل بنفس قانون المناقصات والممارسات وخلافه. وأوضح أن قناعة الدولة بالبحث العلمي فعليًّا أولى خطوات النهوض، فكثيرًا نسمع تصريحات المسؤولين عن البحث العلمي بأنه الاقتصاد القائم على المعرفة ومستقبل البلاد، إلَّا أنها كلها مجرد شعارات تحتاج إلى إرادة سياسية تترجم ذلك إلى أفعال. رميح: نسعى لتحويل رسائل الدكتوراة والماجيستير إلى فعل تطبيقي من جانبه، رأى محمود رميح، المدير التنفيذي لصندوق الاستشارات والدراسات والبحوث الفنية والتكنولوجية التابع لوزارة البحث العلمي، أن العامل الأساسي لنمو الاقتصاد المصري، يكمن فى الاهتمام بالبحث العلمي، والسعي لتطبيق نموذج كوريا وماليزيا في الاستثمار في مجال البحث العلمي، الذي يعد أغلى أنواع الاستثمار. وتابع: «لدينا مشروع فى صندوق الاستشارات والدراسات، نعمل على تفعيله، وهو أن يكون البحث العلمي الذي يعده الطالب بمراحله التعليمية كافة ذي نفع وفائدة، لا أن يكون مجرد أداة للحصول على درجة، ومن ثم وضعه في الأدراج، فنسعى جديًّا إلى تحويل رسائل الدكتوارة والماجيستير إلى فعل تطبيقي، فوظيفة البحث العلمي حل المشكلات الحالية والتنبؤ بالمستقبلية لتجنب حدوثها». الناظر: 10 آلاف جنيه مرتب أكبر باحث في مصر وفى نفس السياق، قال الدكتور هاني الناظر، رئيس المركز القومي للبحوث سابقًا، إن القاعدة العلمية "الباحثين" موجودة، لكن ينقصها القائمون على العملية التعليمية البحثية، من وزراء ورؤساء الجامعات والمراكز البحثية، مؤكدا أن الجانب الإدارى يعد الركن الأساسي لتهيئة المناخ الملائم للباحث، بما يساعده على الإبداع كما تفعل دول الغرب. وأضاف أن معدل ما تنفقه الدولة على مجال البحث العلمي في مصر 1% من ميزانيتها الكلية، ونسعى لأن يصل هذا المعدل إلى 3%، لإثراء مجال البحث العلمي، مشيرًا إلى أن مرتب أكبر باحث جامعي في مصر لا يتعدى 10 آلاف جنيه. وأشار "الناظر" إلى جانب مهم يؤثر على التقدم في البحث العلمي، هو أن مصر لديها 40 مركزًا بحثيًّا، جميعهم مبعثرين على الوزارات كافة، بما يضيع على الدولة الوقت والجهد والأموال، فمن الممكن أن نجد مركزين يعملون على نفس البحث دون أن يدري أحد منهما، مما يعد تشتيت في الجهد، مطالبًا الدولة بضم تلك المراكز تحت مظلة واحدة في وزارة واحدة هي البحث العلمي دون وجود وسيط بين الوزراء والجهات الأخرى في خطوة لتصحيح المسار. وأكد أن البحث العلمي في حاجة إلى كيان يقتصر عمله في البحث على المبتكرين والمخترعين وتنمية المواهب الموجودة في الأطفال، وتوفير حصة مدرسية في المدارس لتنمية ذلك الجانب في عقول التلاميذ، كأمريكا التى تعطى الأطفال أعظم درس في البحث العلمي دون أن ينتبهوا إلى ذلك.