تصدت للجرافات الإسرائيلية بجسدها الضعيف الأعزل رفضاً لهدم بيوت المواطنين في غزة، ظنًا منها أن الجندي الصهيوني الذي يقود الجرافة سيردعه وقوفها أمامه، لكنه لم يتوقف، بل صدمها ثم داس عليها، لتلقى مصرعها في الحال بطريقة وحشية، إنها "متضامنة مع القضية الفلسطينية". "ريتشيل كوري" أمريكية من مواليد 10 إبريل عام 1977، جاءت من مدينة "أولمبيا" في واشنطن ضمن مجموعة حركة "التضامن العالمي" مع شعب فلسطين لتقف بجانب أناس مظلومين لم تكن لها أيّ صلة بهم من قبل، وصلت "كوري" إلى غزة عام 2003 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وأقامت في غزة لدى عائلة فلسطينية تبنّتها، لكن "ريتشيل" كانت تشعر بالذنب تجاه أناس يواجهون الهلاك من دون أن تعرف أنها ستكون ضحية الدفاع عن هذه الأسرة البائسة التي فتحت لها قلبها وذراعيها، حيث قتلت بطريقة وحشية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يوقفه عن قتلها أي اعتبار إنساني. على الرغم من أن الكيان الصهيوني أثار العديد من الأقاويل ليجعل الحادث موضع جدل وتضيع حقيقة وحشيته، إلا أن ملابسات حادثة وفاة "ريتشيل" رواها شهود عيان من الصحفيين، حيث كان يوجد بمكان الحادث صحفيين أجانب يقومون بتغطية عملية هدم منازل المواطنين الفلسطينيين التعسفية وفي يوم 16 مارس 2003، جاءت الجرافات الإسرائيلية لتهدم منزلها، إلى أن فوجئوا ب"ريتشيل" ذات الجسد النحيل والتي لا تتخطى العشرينيات من عمرها تقف أمام إحدى الجرافات لتمنعها من هدم المنزل، إلا أن سائق الجرافة الإسرائيلية لم يبالِ وتعمد دهس "ريتشيل" والمرور على جسدها بالجرافة مرتين، في حين أدعى الجيش الإسرائيلي أن سائق الجرافة لم يستطع رؤية "ريتشيل" واقفة أمام المنزل المراد هدمه، مع العلم أنها وسبعة من النشطاء كانوا يرتدون سترات بألوان فاقعة لتمييزهم، ولسهولة التعرف عليهم. رفعت عائلة "كوري" عام 2005 دعوى قضائية ضد الجيش الإسرائيلي، متهمة إياه ب"قتل ابنتها"، إلا أن سلطات الاحتلال برّأت الجيش من حادثة مقتلها، وصنفت السلطات الإسرائيلية الأمر في إطار "حادث غير مقصود"، لأن سائق الجرافة لم يستطع رؤيتها. كتبت "ريتشيل" في رسالتها الأخيرة لأهلها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، "اعتقد أن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة بمؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي"، وكانت قد سبقتها رسالة أخرى قالت فيها "والدتي العزيزة، عندما أعود من فلسطين، سأشعر دوماً بالذنب لأني أعجز عن فعل المزيد من أجل هؤلاء، إن المجئ إلى فلسطين من أجمل الأشياء التي فعلتها في حياتي، إن الإسرائيليين هنا يمارسون تطهيراً عرقياً، وأشعر كأمريكية أنني أتحمل بعض المسئولية في ذلك، وأن الجزء الأكبر من المسئولية يقع على عاتق حكومة بلادي". ظلت "كوري" رمزاً لدى الفلسطينيين لأنها مناضلة عالمية دفعت حياتها من أجل وقف وفضح آلة الاحتلال الإسرائيلي التي تهدم بيوت المدنيين الفلسطينيين وحملت رسالة الحب والوفاء والتضامن في وقت قابلها كيان الاحتلال الصهيوني برسالة القتل والدم والعنف، وعبّر الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" عن آسفه لمقتل الناشطة "كوري" ووعد بتسمية شارع في "رام الله" على اسمها، وأخبر الرئيس "عرفات" والدة "كوري" أن ابنتها أصبحت ابنة كل الفلسطينيين. وفي الذكرى ال12 لوفاة "كوري" أحيت الجالية الفلسطينية في روما، بالتعاون مع سفارة دولة فلسطين وجمعية أصدقاء الهلال الأحمر الفلسطيني ذكراها، وشارك في الفعالية، سفيرة دولة فلسطين لدى إيطاليا، ورئيس الجالية الفلسطينية في روما، ورئيسة جمعية أصدقاء الهلال الأحمر الفلسطيني، وممثلون عن جمعية مقاطعة إسرائيل في إيطاليا، والعديد من أبناء الجالية الفلسطينية، والأصدقاء الإيطاليون. وزرع المشاركون أشتال الزيتون التي تم إحضارها خصيصًا من قطاع غزة، تعبيرًا عن ربط ذكرى الشابة الأمريكية ونضالها مع الأرض الفلسطينية، كما رفع العلم الفلسطيني وشعارات تدعو لمقاطعة دولة الاحتلال.