الدولة تمنح صك الغفران بإصدار قانون التصالح مع المخالفات إذا كان لابد أن تكون هناك عاصمة للعالم فلتكن الإسكندرية".. جملة شهيرة قالها "نابليون بونابرت" لما ضمته مدينة الثغر عروس البحر الأبيض المتوسط من حضارات تمثلت في الحي اللاتينى والروماني والإيطالي، لكن بات التعدي على المباني التراثية والأثرية، خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أمرًا مباحًا دون رقيب ولا حسيب، خاصة ممن من بعض المقاولين ورجال الأعمال والمسؤولين الذين يتخفون وراء ما يسمى "بالكواحيل" للهروب من المساءلة القانونية، فضلًا عن التلاعب بمواد القانون لاستبعاد عدد كبير من المباني من مجلدات التراث. "البديل" سعت إلى رصد بعض التعديات، آخرها هدم السور الأثري للميناء الشرقي لكورنيش الإسكندرية والمقابل لمجمع المحاكم بمنطقة المنشية؛ لإنشاء جراج خاص لسيارات السادة القضاة وأعضاء النيابة، مما سبب غضبًا كبيرًا لدى السكندريين المهتمين بالتراث، خاصة أن هذا المكان يعتبر متنزهًا بداية من منطقة السلسلة وحتى قلعة قايتباي. استغاثة واستغاث بعض المهتمين بالتراث السكندري باللواء طارق مهدي، محافظ الإسكندرية السابق، قبل تسليمه المنصب للدكتور هاني المسيرى بيومين؛ ليتدخل بإيقاف هدم السور الأثري، وتم إيقاف الهدم لعدة أيام ثم تم استئناف مرة أخرى وأصبح الآن جراجًا تقف فيه سيارات الهيئة القضائية لمحاكم الإسكندرية بالمنشية. يذكر أن كورنيش الإسكندرية من منطقة السلسلة أمام مكتبة الإسكندرية إلى قلعة قايتباي مدرج بالكامل بمجلد التراث تحت رقم 6002 ويوصى بعدم هدمه أو البناء عليه، كما أن الميناء الشرقي لمحافظة الإسكندرية مدرج برقم 122 كمنطقة أثرية، كماأن هذا الكورنيش هو الوحيد المسجل باليونسكو كأعظم كورنيش في العالم. وعلمت "البديل" من مصادر مطلعة داخل المحافظة، أن مجلس الوزراء أرسل إلى محافظة الإسكندرية مقترحًا من شركة أجنبية لإقامة فندق سياحي بالميناء الشرقي للإسكندرية بجوار قلعة قايتباي بتكلفة 400 مليون دولار، واجتمعت لجنة لمناقشة الأمر الذي انتهى بالرفض؛ بسبب امتلاء المنطقة بالآثار الغارقة، التي لم تكتشف بعد، خاصة أنها كانت الحي الملكي، وتعمل فيها الآن بعثة الاتحاد الأوربي للآثار البحرية، واقترحت اللجنة ثلاثة أماكن بديلة لإقامة المشروع الاستثماري فيهم، بدلًا من الميناء الشرقي. هدم مبانٍ أثرية على صعيد آخر، هدمت الشركة المثيرة للجدل "أستانلى"، والتي اقتحمت الإسكندرية منذ أقل من عام، سينما ريالتو الشهيرة بمنطقة محطة الرمل، التي كانت مدرجة بمجلدات التراث، بل والأدهى من ذلك هدم الكنيسة الرومانية الكائنة بنطاق قسم شرطة العطارين، حيث حصلت "البديل" على صورة من وثيقة تفيد بتوكيل من بابا وبطريك الروم الأرثوذكس بجمهورية مصر العربية وسائر إفريقيا "نيودوروس الثاني" إلى فرج عبد الباري صاحب شركة استانلى بالإسكندرية لتفويضه باستخراج تراخيص هدم وبناء للعقار رقم 30 تنظيم فؤاد الأول والبالغ مساحته، كما ورد في الوثيقة التى حصلت عليها "البديل" نحو 2800 متر مربع، وهذا المكان بالتحديد، كما يعرفه جموع السكندريين وخاصة المسحيين، هو الكنيسة الرومانية الموجودة منذ مئات السنين وتتواجد بمجلد التراث، وهنا يتساءل المهتمون بالتراث السكندري: كيف يوكل شخص بالهدم والبناء دون المحاسبة؟ ولهذا أقام محمد سعد خير الله المحامي السكندري ببلاغ رقم 3090 لسنة 2014 للمحامي العام الأول واتهام أصحاب شركة استنالى بالتعدى على المبانى التراثية. ثروة حضارية وتشير بعض الإحصائيات إلى أن عروس البحر المتوسط تضم ثروة حضارية مختلفة ففيها 1135 مبنى تراثيًّا و63 منطقة تراثية، و33 عملًا فنيًّا بالميادين والمناطق الحضارية، بالإضافة إلى 134 أثرًا و43 شارعًا أثريًّا و7 مساجد ثراثية، وصدرت عقب ثورة يناير أحكام من القضاء الإداري بشأن خروج 40 مبنى من مجلد التراث، واحتلت مكانها عمارات خرسانية شاهقة، منها فيلا ايجوث الشهيرة، التي تقع بباب شرق، والتي أوقف اللواء طارق مهدي، محافظ الإسكندرية السابق، هدمها بعد أن ثارت القنصلية الفرنسية بالإسكندرية على قرار الهدم. وقال الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة التراث بالإسكندرية: مدينة الثغر تعاني منذ سنوات من التعدي على الأماكن التراثية والأثرية، وعندما نتكلم عن التراث فنتكلم عن القرنين التاسع عشر والعشرين ومناطق الفيلات والحي التركي والحي الأوربي، ويتم التعدي عليها بالجهل من جانب والفساد الموجود بالإدارة من جانب آخر، وأن التعدي ما زال مستمرًا رغم تحذيراتنا لوجود خلل بالقانون والإدارة. وأضاف: لابد من أن تتصدى الدولة للجهل والفساد والاستهتار بنظافة الميناء الشرقى للمدينة وجماله، وبالنسبة لردم كورنيش الإسكندرية وعمل جراج، أكد عوض أنه لا توجد أى رسومات ولا مناقصات بشأن ذلك الردم، ولا يعرف من هو الذي قرر ردم الميناء الشرقي، وقال: لقد عارضنا هذا الردم مرتين إحداهما عام 2008 ومنذ أسابيع قليلة، لكنهم انتهوا الآن من عمل الجراج. وتابع عوض: مع الأسف قد فاجأنا رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب منذ أيام بإصدار قانون جديد اسمه "قانون التصالح مع المخالفات"، ومنح هذا القانون فرصة لمافيا التعدي على التراث من هدم المباني التراثية حاليًا، وكل يوم نفاجأ بقوانين جديدة تهدر التراث العمراني بالإسكندرية.