منذ اندلاع ثورة 25 يناير ومعاناة الاقتصاد المصري بعد تراجع معدلات النمو وحاجة الحكومات المتعاقبة لتدبير احتياجاتها، حاولت الدولة المصرية اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار. استغرقت مفاوضات القرض عامين ونصف تقريبا بعد الثورة، ولم توقف؛ نظرا لسوء الأحوال الاقتصادية ورفض الصندوق منح القرض لمصر، إلا بعد تطبيق عدد من الشروط، لتندلع بعدها ثورة 30 يونيو، وتحصل مصر علي حزم تمويلية من الدول العربية بقيمة تجاوز ال12 مليار دولار، فضلا عن مساعدات عربية وأجنبية خلال 25 يناير، لتصبح السمة العامة لإدارة عجلة الاقتصاد تتمثل في الحصول علي المساعدات الخارجية، لتزيد معها أعباء الدين العام علي الموازنة، ويتحمل تبعتها المواطن البسيط. ومع محاولات الحكومة إلغاء فكرة الاقتراض الخارجي والتوجه للاستثمارات باعتبارها أهم الطرق وأقصرها للتنمية الاقتصادية وتحسين مستوي معيشة المواطنين، إلا أن خبراء الاقتصاد أكدوا أن الحكومة حتي الآن، لا تملك أية أدوات تنفيذية لجذب المستثمرين، في الوقت الذي تسعي فيه الدولة المصرية بمختلف قطاعاتها وأجهزتها لتدشين مؤتمر القمة الاقتصادي خلال الأسبوعين المقبلين، للترويج لفرص الاستثمار بالبلاد، رغم عدم حسم القانون المنظم لتلك الاستثمارات حتي الآن. قال الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات: «من الصعب تحول مصر من دولة تحصل علي المعونات، إلي مرحلة الاستثمارات؛ لأن مصر مازالت تعتمد علي الغير في تنمية اقتصادها»، مضيفا أن الحكومة الآن تعتمد علي مؤتمر القمة الاقتصادي بشكل كبير، لكن هذا يتطلب استراتيجية قائمة علي استثمارات حقيقية علي أرض الواقع، ومخطط لها وليس طرح أفكار فقط، لتشمل الاستثمار المحلي وليس الأجنبي فقط. وأشار "الدسوقي" إلي أنه حتي الآن لم تحسم الحكومة قانون الاستثمار الموحد، ومشكلات تراخيص الأراضي والتصالح مع المستثمرين والبيروقراطية، لافتا إلى أن كل تلك العناصر تعد أهم معوقات الاستثمار في مصر، وبالتالي لا يمكن لأي مستثمر التفكير في ضخ استثمارات بالدولة ما لم يتم حسم تلك الملفات قبل عقد مؤتمر القمة الاقتصادي. من جهته، قال الدكتور أسامة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد والضرائب بجامعة عين شمس، إن اقتداء الدول النامية بنظيرتها الصناعية المتقدمة، مرهون بتنفيذ مشروعات قومية عملاقة تحقق قيمة مضافة وتزيد من معدلات النمو الاقتصادي وتحقق التنمية الاجتماعية لكل فئات المجتمع خصوصا محدودي الدخل مما يزيد من مستوي الرفاهية لديهم. وأضاف "عبد الخالق" أن مصر خلال الفترات السابقة، تخلت خلال العقود القليلة الماضية، عن توجهها في التحول للاستثمارات، مما أضر بالاقتصاد بسبب التوسع في الاقتراض من الخارج سواء البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي والولايات المتحدةالأمريكية بصورتيها الاقتصادية والعسكرية، ليزيد معه مشكلة عجز الموازنة العامة وتراجع الاقتصاد القومي. وأوضح أن الدولة اعتمدت علي المساعدات بدلاً من الموارد الذاتية للناتج المحلي من السلع والخدمات، خصوصا أن حجم الاستثمار في مصر لا يصل ل155 مليار جنيه وهو رقم متواضع جداً، بجانب عدم وجود مشروعات استثمارية أجنبية طموحة حتي الآن. وأكد "عبد الخالق" أن الحكومة تعتمد حاليا علي مؤتمر شرم الشيخ المقرر عقده منتصف مارس الجارى، معتبرا أنه يعد مسألة حياة أو موت بالنسبة للاقتصاد المصري؛ من أجل المساعدة في إعادة اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، ليرتفع معها معدلات التشغيل والقضاء علي البطالة، واستعادة الاستثمار المفقود منذ 3 سنوات ماضية بصورتيه الأجنبية والمحلية. ولفت "عبد الخالق" إلي أن الحل الوحيد للتحول من مرحلة الاقتراض للاستثمار، يتطلب إعادة هيكلة الشركات الصناعية الكبري في مصر وإجراء عمليات الإحلال والتجديد لها، بجانب تطبيق التقنيات التكنولوجية في جميع القطاعات الاقتصادية خصوصا الصناعة، إذا كانت هناك رغبة حقيقية للتقدم والاعتماد علي الذات. وفى نفس السياق، قالت الدكتورة علياء المهدي، الخبير الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة السابق، إنه ينبغي تحديد حجم الاستثمارات التي ترغب فيها الدولة خلال فترة زمنية معينة لتحقيق التنمية الاقتصادية، خصوصا أنها قررت التوجه لضخ استثمارات بدلا من الاقتراض. وتابعت "المهدي" أن هناك مشروعات تم تقديمها بالفعل من وزارات «الإسكان، والنقل، والاتصالات، والصناعة»؛ لعرضها في مؤتمر القمة الاقتصادي، موضحة أن الوقت أصبح حرجاً، وينبغي الدخول في مشروعات تحقق عائدا للدولة عبر قطاعات بعينها للقضاء علي البطالة الموجود حاليا.