مع مطلع كل فجر جديد، يخرج إلى رحلة يومية من الألم والكدح؛ بحثًا عن الرزق الحلال، عمال اليومية الذين يتخذون من أرصفة الشوارع مجلسًا لهم يتجمعون فيه، ينتظرون من يأتيهم بعمل أيًّا كان نوعه؛ بحثًا عن يومية لا تتجاوز بضع جنيهات، حتى يعودون بها لإطعام أفواه تنتظر من يسد جوعها من قوت اليوم الذي قد يكون وجبة واحدة، ومثلما يقول الشاعر نجيب سرور راثيًا حال عمال اليومية "طول عمرنا عايشين في تغريبة.. ما لنا مهرب ولا المساجين فى تخشيبة"، وكأنه يصف بؤسهم وحقوقهم المهدرة وراء التراب الذي يجلسون عليه. فحق المواطن في حياة كريمة يكفله الدستور، بتوفير العمل والمسكن والرعاية الصحية، وعلى الرغم من ذلك نجد "عمال اليومية" ما زالوا يفقدون أدنى حقوق الإنسانية، متحملين تدني مستوى الإدارة للحكومة والمحافظات التي هم بها. عمال اليومية يصرخون: بنتبهدل عشان الجنيه سعت "البديل" إلى رصد المعاناة اليومية التي يلقها عمال اليومية، ويتركز وجودهم بعدة أماكن بنطاق القاهرة الكبرى أهمها دوران شبرا وميدان رمسيس والإسعاف والسيدة زينب والسيدة عائشة وميدان الجيزة وأحياء أرض اللواء وبولاق الدكرور ونفق نصر الدين، وبوسط القاهرة والأحياء التاريخية؛ لأعمال المقاولات الصغيرة التي تتم بها، كما يتواجدون في شارع عباس العقاد وأحياء مدينة نصر لقربها من سوق المقاولات بأحياء القاهرة الجديدة والتجمعات السكنية. يقول محمد عبد الفتاح، عامل يومية، الجيزة 54 عامًا: نعتمد على مقاول الأنفار للعمل؛ لصعوبة الحصول عليه في الوقت الحالي، لكنه يمنحنا يومية لا تتجاوز 50 جنيهًا، موضحًا أن لديه خمسة أولاد تركهم بالفيوم وجاء إلى القاهرة للعمل. وتابع: شغال عامل أكثر من عشرين سنة، أشيل حيطة أو اكسر أرض، وفي الآخر مش بنلاقي ناكل، والدولة مش بتوفر لنا حاجة، ولما قامت الثورة قامت توقعنا تحسين حالتنا بتوفير تأمين صحي، لكن بالعكس زادت الأوضاع سوءًا، مستطردًا: أكثر من صحفي وقناة تليفزيونية تأتي إلينا، تعرض أحوالنا لكن الحكومة لا تستجيب، مطالبًا محافظ الجيزة الجديد بالسماع إليهم والنظر إلى معاناتهم وأضاف أحمد حسان، 24 عامًا: "لا نريد من الحكومة سوى سوق لعمال اليومية نجلس فيه، بدلًا من جلوسنا على أرصفة الشوارع وسط استياء من سائقي الميكروباص، لافتًا إلى أن المكان الذي يجلسون فيه إذا داهمته حملة أمنية من الممكن أن تلقي القبض على عدد منهم دون سبب؛ فقط لأنه يبحث عن لقمة العيش. وتابع: عندما انعدمت فرص العمل جئت إلى القاهرة حتى لا أتحول إلى سارق, وللأسف الشديد أنتظر طوال الأسبوع ولا أعمل إلَّا يومًا أو يومين على الأكثر, أنام في مداخل العمارات تحت الإنشاء أو في الشارع أعيش متجولًا من مكان إلى مكان, ومن منزل إلى آخر، نعاني من إهمال الدولة وانعدام الرعاية. وتابع: بعد ما كانت يوميتي نحو 50 إلى 100 جنيه أصبحت الآن لا تتعدى 70 جنيهًا, وأحيانًا 30 جنيهًا حسب طبيعة العمل, وأنا مضطر للموافقة على أي شروط للمقاول؛ حتى لا أعود لأسرتي في نهاية الأسبوع وإيدي فاضية". لا علاج ولا مدارس أما محمد أبو عمر فقد تعرض إصبع قدمه للبتر؛ بسبب العمل "فواعلي" ووصف حاله: حصلت على دبلوم زراعة, ولم أعمل به، فتوجهت إلى العمالة اليومية للحصول على لقمة العيش, لديَّ 3 أطفال، وتعرضت للإصابة مرة وأنا أعمل؛ مما أدى إلى بتر إصبعين من رجلي، وأصبحت غير قادر على العمل كما كنت, وعاجز عن استكمال العلاج الذي يحتاج إلى أدوية تتجاوز ال60 جنيهًا شهريًّا، فضلًا عن الإشاعات والتحاليل الطبية المطلوبة من وقت لآخر؛ لتقلص فرص العمل من ناحية, وتوقف دعم الشؤون الاجتماعية من ناحية أخرى, وإيجار الشقة البالغ 400 جنيه شهريًّا، ومطالب الأولاد، فلم ألحقهم بالمدارس، لعجزي عن الإنفاق عليهم. وتابع أبو عُمر: نطالب الرئيس بمساعدتنا بأي شيء، سواء توفير فرص عمل أو مرتبات أو معاشات لكي نستطيع العيش. محافظ الجيزة: سألتقي عمال اليومية كان محافظ الجيزة السابق علي عبد الرحمن قد وعد عمال اليومية بتوفير سوق للجلوس فيه فقط، لكنه لم يكن أفضل من غيرة في الدولة،فاتبع سياسة ودن من طين وأخرى من عجين. وأكد دكتور خالد العادلي، محافظ الجيزة الذي تولي منصبه منذ أيام، أن هناك خطة جديدة من أجل الجميع في المحافظة، مشيرًا إلى أنه لا مكان للتقارير المكتبية، وسلاح العمل سيكون من خلال الجولات الميدانية وفتح حوارات متعددة مع الأهالي والقيادات التنفيذية داخل مواقع العمل". وأوضح العادليأنه سيحاول أن يلتقي بعمال اليومية للوقوف على مشكلاتهم، وأن عودة الثقة بين المواطن والحكومة وتشجيع الاستثمارات وتحقيق سيولة مرورية وحياة كريمة للمواطن أهم أولوياته. قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار من الناحية الأخرى يقول دكتور محمد سليم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: العمالة غير المنتظمة همشتلفترة طويلة، مشيرًا إلى أن العمالة اليومية أغلبهم من غير المتعلمين ويفتقدون ثقافة الاحتجاج السلمي،فضلًا عن أنهم جلسوا سنوات على أرصفة الشوارع للبحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة،دون جدوى لذا فمن المنتظر أن يكونوا وقود ثورةجياعقنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في المجتمع بأكملة. من جانبها أكدت الدكتورة منال عمران، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن المواطن المصري ما زال ينتظر تحقيق الوعود، وهؤلاء ينتظرون أيضًا ان تنظر إليهم الدولة، موضحة إن حقهم في التأمين الصحي والرعاية الطبية الشاملة يكفلة الدستور والقانون، وأن العبئ النفسي الذي يقع على هؤلاء يعد مؤشرًا خطيرًا يجعل منهم مرضى نفسيين. قهر اجتماعي.. والدستور خارج التنفيذ أكد كمال عباس، منسق دار الخدمات النقابية والعمالية أن ما يشعر به عمال اليومية من قهر وظلم يومي ربما يدفعهم لثورة عمالية حقيقية، موضحًا أن الدستور المصري انصف حقوق العمال في المادتين 12 و13 اللتين تنصان على أن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا, إلَّا بمقتضي قانون, ولأداء خدمة عامة, لمدة محددة وبمقابل عادل ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل وتلتزم الدولة بالحفاظ علي حقوق العمال. وتابع: لابد من تأمنيات لهؤلاء العمال؛ لتعرضهم لخطر الحقيقي في مهنتهم، مشيرًا إلى أن زمن الوعود من المسؤولين انتهى ولابد أن يدخلوا في حيز التنفيذ.