هل تصبح بورسعيد.. سوقا جديدة لعمال التراحيل في مصر بعد ارتفاع اعدادهم داخل المدينة إلي أكثر من 5 آلاف عامل كما يؤكد البعض؟! وهل ستتحول المدينة الحرة إلي بغداد أخري وانت تري فيها هؤلاء النازحين من قراهم البسيطة بريف بحري ونجوع الصعيد الجواني يفترشون أرصفة الميادين العامة وسور مستشفي النصر العام وأمام كل منهم "القادومة والأجنة الحديدية" في انتظار الفرج أو الزبون الذين يتهافتون عليه كالنمل.. فور اقترابهم منهم أملا في ان يفوز كل منهم بفرص العمل القادمة وبالتالي فرصة الرزق التي يتكالبون عليها وربما يجلسون بالأيام في انتظارها!! ازاء تلك الظاهرة.. تدور أسئلة عديدة في أذهان مواطني الحرة فالبعض يرق لحال هؤلاء الغلابة والبعض الآخر يزجرهم ويتعامل معهم بشدة وتعال نتيجة لما يحدثونه من عشوائية داخل المدينة ومع ذلك يؤكدون جميعا "الحنون عليهم والقاسي" ان ظاهرة عمال التراحيل بدأت في الظهور بشكل تدريجي في الشوارع الرئيسية داخل المدينة أوائل حقبة التسعينيات وتحديدا إبان حرب تحرير الكويت وعودة الآلاف منهم من العراق الشقيق حيث كانوا يعملون هناك إلي الوطن وبعد فترة وجيزة بدأت جحافلهم في الزحف إلي بورسعيد وبأعداد تتزايد يوما بعد يوم بحثا عن لقمة العيش خاصة بعدما ادركوا تأفف ابناء المدينة الحرة عن العمل شيالين وعتالين.. الخ بالرغم من انها أعمال مطلوبة! مع عمال التراحيل ووسط حشود عمال التراحيل عاشت "كلمة حق" بينهم. رصدت آمالهم وآلامهم وتحركاتهم واقتربت أكثر منهم للتعرف علي حقيقة عملهم وحياتهم بعيدا عن اسرهم بقري ونجوع بحري وقبلي حيث يستأجرهم من يريد مقابل أجر يومية أو قيمة يتفق عليها مع مجموعة منهم نظير قيامهم بحمل كراتين البضائع الثقيلة مثلا أو أجولة الأسمنت والرمال وطوب البناء علي اعناقهم لتوصيلها من مكان لآخر أو تكسير حوائط وأرضيات المحال التجارية والشقق السكنية التي يرغب اصحابها في تجديدها وحمل مخلفات التكسير ونقلها خارج المحل أو الشقة والتخلص منها بنقلها إلي اطراف المدينة وخاصة بنطاق حي الزهور إلي جانب قيام بعضهم بحمل جرادل ومساحات ومقشات علي اكتفاهم يجوبون بها الشوارع لمسح سلالم العمارات وغسيل السجاجيد والموكيت. وبالرغم من مشقة تلك الأعمال إلا انهم فور وصول الزبون إلي تجمعاتهم يسارعون إليه يلتفون حوله في محاولة للفوز بالفرصة التي من أجلها يعيشون حياة جافة شاقة فقد يعملون يوما ويصومون بعده عن العمل والرزق أياما وأياماً ولكنهم لا يفقدون الأمل في ان الرزق قادم إليهم من عند الله الذي لا ينسي مخلوقا ولا محالة في ذلك. كانت المفاجأة لنا وسط تجمعاتهم العشوائية التي تمثل قنبلة موقوتة وعبئاً ثقيلا علي كاهل المحافظة ان معظم عمال تراحيل الزمن الحالي.. شباب من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة لم يتجاوز عمرهم أوائل الاربعينيات ولكن ملامحهم تبدو اكبر بكثير من سنهم الحقيقي بسبب ما يحملونه من هموم فقد زحفوا إلي سوق التراحيل الجديد ببورسعيد قادمين من مختلف المحافظات الأخري وخاصة المنيا هروبا من البطالة وندرة فرص العمل بمحافظاتهم وشبح الفقر والجوع الذي يهدد كيان أسرهم. تحدثنا معهم وفتحوا قلوبهم إلينا بعضهم لم يمانع في نشر وكتابة اسمه والآخر طالب بعدم ذكر الاسم أو الاكتفاء بنشر الحروف الأولي منه فقط فكان ذلك اللقاء. بغداد وبورسعيد في البداية قال: ع.ا.ع 43 سنة من دسوق بكفرالشيخ أنا حاصل علي دبلوم فني صناعي نسيج عام 82 وبعد انتهاء خدمتي العسكرية وعدم عثوري علي عمل سافرت إلي العراق عام 85 وظللت هناك 5 سنوات عملت خلالها شيالا وعتالا وغيرها من المهن البسيطة التي لا تتطلب خبرات عالية وكانت مستورة والحمد لله حتي فوجئنا بغزو صدام للكويت ثم حرب تحرير الكويت فعدت إلي بلدتي بدسوق التي لم يتغير حالها وظللت أعاني شظف العيش قرابة العام حتي اقترح علي أحد زملاء الغربة بالعراق بالنزوح إلي بورسعيد والعمل هناك مثلما كنا نعمل في بغداد وبالفعل حضرنا إلي بورسعيد وكنا ما يقرب من 15 فردا عام 1992 لنعمل بها مثل عملنا السابق ببغداد. أضاف زميله زكريا.ع من ملويبالمنيا دبلوم زراعي 42 عاما نغادر بورسعيد مرة كل شهرين أو ثلاثة حسب التساهيل لزيارة الأهل لأيام قليلة ثم نعود لنشقي ونوفر لقمة العيش لأولادنا حيث اننا متزوجون ولدينا اطفال بحاجة لمصاريف. ويؤكد زميلهما عطية.م من أبوكبير بالشرقية.. الله يرحم أيام العمل ببغداد احنا النهاردة بنشتغل يوماً ونبطل أياما ومع ذلك لا نحصل علي حقنا المادي من تعبنا وشقانا فقد أخذنا أحد رجال الأعمال منذ فترة ضمن 17 عاملا آخر من هنا من الشارع لتعتيق وتحميل كراتين من التونة والسردين المستوردة من الخارج والتي وصلت إليه بميناء دمياط وبالفعل قام بشحننا في ميكروباص إلي هنا حيث قمنا بنقل البضائع وتحميلها علي كساحات أي سيارات نقل كبيرة إلي بورسعيد وبعد انتهاء المهمة بعد يوم عمل عصيب اعطي كلاً منا 15 جنيها فقط لا غير ولما حاول بعضنا الاعتراض علي ذلك الظلم هددنا بتلفيق تهم لنا وترحيلنا إلي محافظاتنا ففوضنا الأمر لله وانصرفنا بعدما سخرنا لخدمته بلا مقابل مادي مناسب. يؤكد ذلك عامل آخر يدعي ياسر السيد 30 عاما من المنيا ويحمل مؤهلا فوق المتوسط تجاريا قائلا اعمل ببورسعيد منذ عام 2000 وتعرضت إلي العديد من المواقف الصعب التي وصلت إلي حد التعدي علي وعلي زميلي اثناء عملنا لدي احد الزبائن للضرب والإهانة لما طلبنا زيادة ما يعطيه لنا من أجر حتي يتناسب مع ما بذلناه من جهد وتعب علي مدي يومين عنده في أحد المحلات التجارية.. اضاف اننا نصطبر علي كل أذي مقابل السعي وراء لقمة العيش التي ضاقت بها محافظاتنا. بكالوريوسات للبيع أما رضا خلف 30 سنة من المنيا فيقول انا حاصل علي بكالوريوس كلية التربية قسم اللغة الفرنسية ونظرا لعدم العثور علي فرصة عمل مناسبة اضررت للمجيء إلي بورسعيد كعامل للتراحيل اعمل مع شقيقي الاكبر مجدي 34 سنة الحاصل علي بكالوريوس التجارة كي نستطيع الوفاء باحتياجاتنا واحتياجات اسرتنا واضاف تصوروا اننا في المنيا لا نجد أي فرصة للعمل ولا مكان هناك للغلبان بسبب سوء التخطيط فلقد انفقت المحافظة في عهد المحافظ السابق حسن حميدة 15 مليون جنيه لانشاء كورنيش علي النيل وكان الأجدر ان تقيم مشروعات لتوفير فرص العمل لابناء المحافظة بعدما اصبحت بكالوريوساتنا بلا قيمة وليتها تباع لنعيش. حسن مصباح 38 سنة القادم من مطوبس بكفرالشيخ حكايته حكاية يقول ظن والدي المزارع البسيط بعد حصولي علي الدبلوم الفني الصناعي انه فاق من مسئولية تعليمي وانني سأتوظف واخفف العبء الاسري عليه وقد كان حلمه هذا "كعشم ابليس في الجنة" فقد فشلت في العثور علي أي وظيفة بكفرالشيخ لتحقيق حلمه وبمرور الوقت نزلت سوق العمل لاشتغل في كل شيء وكأنني لم اتعلم قط بدءا من "لم الدودة" وجميع الثمار بالغيطان إلي صيد السمك بالمزارع السمكية مقابل قروش يومية زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع فقررت الرحيل إلي بورسعيد والعمل كعامل تراحيل شيال ومكسر للبلاط وغيرها من الأعمال غير الموجودة بمحافظتي والتي تدر علي رزقاً ربما أوفر وان كانت فرص العمل غير مستديمة ولكن أفضل من قروض الصندوق الاجتماعي ببلدتي والتي زجت بزملاء لي إلي السجن بعد فشل مشروعاتهم. وحول كيفية إعاشة هؤلاء العمال داخل بورسعيد يقول كل من اسلام.ع ومحمد السيد وع.ف من المنيا وعبدالمنعم محمد وسيد القرشي وبدر حسين من الدقهلية: ان بعضنا يسكن عشش زرزارة العشوائية حوالي 10 أفراد بالعشة الواحد لتوفير النفقات والبعض الآخر يستأجر أحد محلات سوق القنال الداخلي المهجورة ويقيم فيها مع مجموعة من اقرانه بينما يضطر عدد آخر إلي تجميع ما يقرب من 20 شخصا حيث يستأجر احدهم شقة صغيرة بالمساكن الشعبية بالزهور أو الضواحي للنوم فيها ليلا لأننا نبدأ سعينا ونذهب إلي أماكن تجمعاتنا بناحية محطة السكة الحديد وتقاطع شارعي محمد علي وكسري وبجوار سور مستشفي النصر العام الذي يجري إزالته حاليا وغيرها من الأماكن التي اعتاد الزبائن التردد عليها للاستعانة بنا في قضاء اعمالهم منذ شروق شمس الصباح وكل واحد منا ورزقه واهي عيشة والسلام!! تركناهم.. انصرفنا ليظل السؤال الحائر يدق بعنف مسامعنا إلي متي ستظل هذه الظاهرة العبثية علي أرض بورسعيد؟! وهل من الممكن ان تتحول إلي قنبلة موقوتة تنفجر في وجه المجتمع كما يقول البعض أين دور المحافظات الأخري في احتواء ابنائها وإيجاد فرص العمل الحقيقية لهم بدلا من انتشار تلك الظاهرة الخطيرة؟!