عادت الشمس إلى محاربها، واشتد برد ليل القاهرة على ثلاثة شباب جاءوا من ضروب مختلفة يبحثون عن أنفسهم، ملامحهم لا تشبه بعضها، لا يكاد أحدهم يلفظ أولى كلماته حتى تعرف موطنه. اصطفت المقاعد بأتيلية القاهرة، مساء أمس الثلاثاء، فجلس الثلاثة ينظرون لجمهور أتى خصيصًا ليسمعهم ويتعرف على أولى تجاربهم الإبداعية في موطن رأسهم. «الأردن، السودان، الكويت»، عناوين هؤلاء الشباب (فادي زغموت، حمور ذيادة، إبراهيم الهندال)، جمعهم مهرجان القاهرة الأدبي الأول، ليتناقشون في موضوع "الأدب العربي.. خارج مراكز النشر"، هذا العنوان أثار جدل المنصة، إذ اعترض الكاتب الصحفي المصري محمد شعير، الذي تولى إدارة اللقاء على هذا العنوان، لاعتقاده أن مفهوم ثنائية "المركز والأطراف"، تصور قديم ظهر في ستينيات القرن الماضي، ليدعم مقولة "القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"، ولم يعد له أثر في الوقت الحالي، خاصة بعدما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح النشر في متناول الجميع. رأي «شعير» هذا لم يلقى قبولًا من شباب المثقفين العرب الجالسين جواره، إذ قال الكاتب السوداني حمور ذيادة "من يعيش في المركز لن يشعر بابن الهامش"، مثلًا ابن النوبة (الهامش) في مصر حتى الآن لم يشعر به ابن المركز (القاهرة)، لذا فأنا مصرًا على أن هناك مركزية في النشر لن يشعر بها أدباء القاهرةوبيروت، إذ أن مصر بها صناعة إعلامية تهتم بالأدب والثقافة، وإن كان البعض يرى أن هناك محدودية إعلامية بهذا الجابب، لكن بمقارنه مصر مع سائر الدولة العربية، سنجد أن مصر متميزه ثقافيًا وإعلاميًا. يبرهن الفائز بجائزة نجيب محفوظ وجهه نظره هذه، بسرد تجربته الشخصية في النشر داخل دولة السودان منذ عام 1997، قائلًا: «عندما شرعت في الكتابة، بدأت بالأدب الاجتماعي وما يدور حول القومية الاشتراكية وغيرها من هموم وقضايا الوطن العربي، لكن كان هناك عائق كبير وهو أن أنشر ما كتبت، فليس بالسودان دور نشر فاعلة كي أنشر بها، إلى أن اختارت "اليونسكو" عام 2005، السودان عاصمة ثقافية، حينها اضطرت وزارة الثقافة السودانية التواصل مع الطيب صالح، لاستضافته للحديث عن الثقافة السودانية، وقامت بطبع بعض من أعماله، هنا فكرت في الذهاب إلى وزارة الثقافة لطبع أعمالي لكني فؤجئت أن القائمين على لجنة النشر لا ينشرون سوى لأنفسهم، فشعرت بالحزن وذهبت فكرة النشر بعيدًا عن ذهني. يتابع «ذيادة»: في عام 2008 أأصيب أحد أبناء أقاربي بمرض السرطان، وجئنا إلى مصر ليتلقى الطفل العلاج بمستشفى 75375، حينها تعرفت على مدير دار نشر الأحمدي وقام بنشر أول مجموعة قصصية لي، وإن كان تجربة غير موقفة، لكني تعلمت منها الكثير، واستطاعت لاحقًا النشر بدار ميريت، ومؤخرًا بدار العين الصادر عنها رواية شوق الدارويش التي أنافس بها الآن بجائزة البوكر العربية». الكاتب الأردني فادي زغموت، له أيضًا تجربة شخصية تثبت مفهوم ثنائية المركز والأطراف، «زغموت» صدر له روايتان؛ الأولى عن دار نشر أردنية (فضاءات)، والثانية عن دار الآداب للنشر والتوزيع ببيروت، يروي مؤلف "جنة على الأرض" تجربته مع النشر قائلًا: عندما كتبت أول رواية «عروس عمان» ظللت فترة طويلة أبحث عن دار نشر حتى وافقت دار "فضاءات الأردنية" مقابل أن اتحمل كافة تكاليف النشر، إلا أني وجدت آنذاك مشكلة كبرى وهي أن الدار لا توزع، فقمت بأخذ 200 نسخة من الرواية وذهبت بنفسى إلى المكتبات لأوزعها حتى نفذت الطبعة الأولى من الرواية، ولم يسمع عنها سوى القارئ الأدرني. يتابع كاتب الأردن: هذا على خلاف تجربتي الثانية مع رواية «جنة على الأرض» التي نشرتها بالتعاون مع دار الآداب اللبنانية، والتي فور صدورها تم توزيعها في مختلف الدول العربية، وهو ما يثبت مركزية النشر، وأن مصر ولبنان المسيطران على حركة النشر. أيضًا ذكر الكاتب الكويتي إبراهيم الهندال، تجربته مع النشر داخل دولة الكويت قائلًًا: يوجد صعوبة في النشر داخل الكويت، فإذا أراد الكاتب أن تعرف أعماله في الوطن العربي، عليه النشر بالقاهرة أو بيروت، مشيرًا إلى طريق الكاتب الكويتي كي يُعرف في الوطن العربي، هو أن يحصل على جائزة كبرى، كما حدث مع بعض الكتاب الكويتين، ما عدا ذلك سيظل مجهولًا حتى وإن كتب عشرات الأعمال.