في الوقت الذي بدأ فيه العالم بشكل عام ودول التحالف على وجه التحديد، الاعتراف بأن الجيش السوري هو الوحيد القادر على دحر المجموعات المسلحة والتكفيرية، وفي ظل الواقع الميداني الحالي وما تشهده الساحة السورية من انتصارات يحققها الجيش السوري مع حلفائه في العديد من المناطق الإستراتيجية والمهمة، تدفع مصر وروسيا بكل جهودهما من أجل إيجاد حل سياسي نهائي للأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من 4 سنوات. تحاول روسيا أن تلعب دوراً جديداً في هذه الأزمة المستفحلة منذ سنوات، من خلال قيامها بتحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة، لدى مختلف الأطراف المعنية، تمهيداً لإطلاق مبادرة تفضي إلى تسوية سياسية، وعلى الرغم من أن روسيا لم تقدم مبادرة محددة ليجري بحثها في لقاء موسكو واقتصارها على مجرد أفكار وطروحات، إلا أنها قد تفضي إلى حل سياسي توافقي بين المعارضة والحكومة. وفي الشأن ذاته، تشهد القاهرة مشاورات مكثفة بين أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج لبدء جلسات حوار وترجمة مطالبهم في وثيقة موحدة، خاصة في ظل تأكيد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على أن مصر مستعدة للعب دور إيجابي وبناء من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية. من ناحية الحكومة السورية فقد أعلنت موافقتها على الذهاب إلى مؤتمر جديد مع المعارضة في موسكو، مما يعبر عن حرص الدولة السورية على الدفع بالحل السياسي للأزمة وامتلاكها مشروعها السياسي الذي لم يتغير منذ مؤتمر جنيف، في المقابل فإن لدى المعارضات السورية تخبطات وتناقضات، ما جعل مراقبين يرون أن الخلافات بين أطراف المعارضة قد تُفشل تلك المساعي، خاصة بعد تصريحات بعض قيادي مايسمى ب "الائتلاف السوري المعارض" بأن مبادرة روسيا "دردشة سياسية" ولا ترقى إلى مفاوضات أو مبادرة، واتهام موسكو بأنها تحاول تشتيت المعارضة. يستعد كل من الائتلاف السوري المعارض وهيئة التنسيق المعارضة للتوقيع على وثيقة في محاولة جديدة لجمع شمل المعارضة وبلورة رؤية موحدة تجتمع حولها، وتنص الوثيقة على تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة وانتخاب الرئيس لدورتين اثنتين مدة كل منهما 4 سنوات فقط، كما تؤكد على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وعلى السيادة الكاملة للدولة على أراضيها، وعلى حصرية الجيش والقوات المسلحة في حمل السلاح، وتقترح الوثيقة تعهد جميع الأطراف بالالتزام بنتائج التفاوض، على أن تضمن ذلك الدول الراعية للمؤتمر وأن تصدر بقرارات ملزمة عن مجلس الأمن الدولي، وفق الفصل السادس. كما تنص الوثيقة على أن بيان جنيف هو أساس للعملية التفاوضية والالتزام بدعم جهود الموفد الدولي كما الالتزام بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، والالتزام بإحالة جميع القضايا الخلافية إلى لجنة تقريب وجهات النظر، فإذا فشلت إلى لجنة تحكيم دولية حيادية، وفي حالات استثنائية يتم اللجوء إلى استفتاء الشعب. أما في المسائل الإجرائية، فتفضل المعارضة التوافق على مكان إجراء المفاوضات وتاريخ بدئها رسمياً، على أن تبدأ بالقضايا الأساسية الأقل إشكالية، وتطالب الوثيقة بتسريع عملية فصل حزب البعث عن جميع أجهزة الدولة خلال 3 أشهر على الأكثر، وإلغاء جميع القوانين المكبلة للحريات، والسماح بالعمل السياسي والإعلامي، أيضاً إعلان جميع الأطراف وقف العنف في سوريا وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وإصدار عفو شامل عن جميع المطلوبين والسماح بعودة جميع السياسيين المقيمين في الخارج دون مساءلة. وفي مقدمة الإجراءات الدولية تأتي ضرورة حصول توافق دولي على قاعدة بيان جنيف، على أن توقع عليه دول الرباعية الإقليمية "مصر والسعودية وتركيا وإيران"، ثم يصدر بعد ذلك عن مجلس الأمن الدولي بقرار ملزم وفق الفصل السادس، ويصدر مجلس الأمن أيضاً قراراً بوقف إطلاق النار في سوريا، وتشكيل قوات حفظ سلام دولية وعربية، فضلاً عن إصدار قرار بحظر توريد السلاح لجميع الأطراف، كما تنص الوثيقة على أن المرحلة الانتقالية يقودها مؤتمر وطني من قوى المعارضة والسلطة، يشرف على أداء الحكومة الانتقالية ويكون بمثابة مجلس انتقالي يتفق على عدد أعضاءه بين المعارضة والحكومة. تبدأ العملية السياسية بعقد مؤتمر وطني يشارك فيه، مثالثة، ممثلين عن الحكومة والمعارضة وهيئات المجتمع المدني، ينتهي بتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بالصلاحيات الكاملة الممنوحة لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء في الدستور الحالي، وتُشكل الحكومة من شخصيات سياسية ووطنية عامة يتم التوافق عليها مثالثة من الحكومة، والمعارضة، وشخصيات وطنية، كما يشكل مجلس عسكري مؤقت، يشارك فيه ضباط من الجيش السوري، ومن المسلحين المؤمنين بالحل السياسي والانتقال الديمقراطي، على أن يخضع للحكومة الانتقالية، تنحصر مهمته في قيادة المؤسسة العسكرية، خلال المرحلة الانتقالية. تنتهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات عامة شفافة ومراقبة دولياً، وتشكيل مؤسسات الحكم في ضوء نتائجها، وينتخب البرلمان وفق مبدأ النسبية، على أن تكون سوريا دائرة انتخابية واحدة، وختاماً في المبادئ العامة للدستور المنشود والتي تتضمن 14 بنداً، أبرزها الإقرار بوجود مكون قومي كردي. فكرة الحل السياسي للأزمة السورية ليست جديدة، فقد تم طرحها مراراً وتكراراً خلال السنوات الأربع الماضية، دون أن يحدث تقدم ملموس، فالخلافات بين قوى المعارضة السورية الداخلية والخارجية وعدم قدرتها على الاتفاق حول أفكار نهائية، يجعل فرص نجاح المبادرة الروسية ضعيفة لتلقى في النهاية نفس مصير مؤتمري جنيف1 وجنيف2.