مهما طال أمد الأزمة في سوريا وتشعبت وتعقدت، وازداد عدد المتورطين في تأجيج نيرانها، فإنها لن تحل في النهاية إلا بالحوار، ذلك أمر لا يقبل الجدال، ومع ذلك نجد أن جميع أطراف الأزمة مازالوا يراوحون المربع الصفري نحو أي تحرك للدفع بإيجاد حل سياسي، وبدم أبرد من برودة ثلوج الشتاء الذي ما بات للنازحين السوريين إلا أن يفترشوه بعد أن تلحفوا بصقيعه القاتل. في الوقت الذي انعطفت فيه مواقف أطراف جديدة علي خط الأزمة ومنها الجهود التي حاولت القاهرة بذلها لجمع كلمة المعارضة السورية والتنسيق بين الائتلاف السوري المعارض وهيئة التنسيق السورية للذهاب بوفد موحد لمؤتمر حوار موسكو المزمع عقده في 26 يناير الجاري، واستضافة القاهرة لقيادات من الجبتهين وما لاح في الأفق من بوادر انفراج وإمكانية بدء حوار! جاءت قرارات مقاطعة مؤتمر موسكو لتعيد الأزمة برمتها إلي نقطة الصفر بل وتهدد فشل انعقاد المؤتمر من أساسه. بعض المراقبين يرون أن اعتذار الائتلاف الوطني السوري عن المشاركة في مؤتمر حوار موسكو يحرق هذا المؤتمر ويحفظ للثورة السورية مواقفها وحرمة مطلبها الأساسي وهو زوال النظام. فإزاحة الأسد والمحيطين به والعدالة الانتقالية لمحاسبة كل من قتل وأجرم بحق الشعب السوري ومن أي طرف كان، وإعادة بناء وهيكلة الجيش والأمن علي أسس مهنية ووطنية لإعادة المؤسستين إلي المسار الوطني وإبعادهما عن الصراعات والتجاذبات السياسية هي مفاصل ومفتاح الحل من وجهة نظر المعارضة السورية، بل إن بعض أطياف المعارضة ذهب إلي أبعد من إزاحة الأسد ورجاله عن السلطة ويرون أن بقاء الجيش والأمن بصورتهما وبنيتهما الحالية تهدد بتفجير أي حل محتمل فيما يعتقدون أن المشكلة في النظام السوري لاتقف عند أشخاص وإنما جوهر المشكلة في بنية النظام وهي ما أوصلت سوريا إلي ما وصلت إليه. في حين يري مؤيدو النظام السوري وأجهزة الإعلام المقربة منه تتحدث أنه رغم مضي عام تقريبا علي فشل مؤتمر جنيف بجولتيه الأولي والثانية واستقالة الإبراهيمي الذي لم يقدم شيئا وتكليف دي ميستورا وإنشاء تحالف دولي لمحاربة الإرهاب.. فلم يستطع أحد حتي الآن آن يقدم رؤية مختلفة للحل عن تلك التي قدمتها الحكومة السورية منذ البداية. من جانبه أكد رئيس الائتلاف الوطني السوري (خالد خوجا) في مؤتمر صحفي عقده في استنبول هذا الأسبوع أن الائتلاف غير مدعو للحوار في موسكو مع النظام السوري وإنما وجهت الدعوة لعدد من الشخصيات المعارضة مشددا أنه لاتوجد مبادرة حقيقية مطروحة من أي جهة ولكن دعوة روسية للحوار بين النظام والمعارضة مؤكدا أنه ليس واردا للائتلاف ولا أطياف المعارضة الحوار من مبدأ التفاوض مع النظام وإنما القوي الثورية في الداخل تحدد ذلك.. كاشفا أن المبادرة هي مجرد أفكار وأن الائتلاف غير مدعو لموسكو بصفته أكبر مظلة للمعارضة. في حين أعلن المعارض السوري البارز معاذ الخطيب والذي يوصف بالإسلامي المعتدل عن رفضه دعوة المشاركة في اجتماع موسكو وفي حسابه علي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قال: «قررنا الاعتذار عن المشاركة بصفة شخصية بسبب أن الظروف التي نعتقد بضرورة حصولها لإنجاح اللقاء لم تتوفر». كما أكد برهان غليون عضو الائتلاف السوري أن هدف روسيا مؤتمر موسكو إعطاء شرعية لنظام الأسد! لافتا إلي أن هناك فارقا جوهريا بين مايجري الآن في موسكو والمفاوضات التي عقدت في جنيف في السابق لأن مؤتمر جنيف حصل تحت إشراف دولي وبصيغة واضحة ومحددة هي التوصل إلي حل سياسي تحت سقف بيان (جنيف 1) بينما يريد الروس وضع الكل علي طاولة واحدة للحوار وهذا يعطي شرعية لنظام سقطت عنه منذ زمن علي حد تعبيره.. ويصف الحوار في روسيا بأن هدفه تثبت الواقع الحالي وإعادة زمام القوة إلي نظام الأسد وتقسيم قوي المعارضة خصوصا أن موسكو طرف في النزاع وهي من تحدد لائحة أعضاء الوفد المعارض للتحاور معهم.