السيد المسيح عيسى عليه السلام والسيدة العذرا.. فور سماعك أو قراءتك لهذين الاسمين بكل حمولتهما التاريخية والدينية والأدبية، فإن هناك تصورًا ما يتبادر إلى الذهن في اللحظة ذاتها، وسرعان ما تمثل أمام العين، صورة واضحة الملامح للسيدة والسيد، سواء كنت مسيحيًا أو مسلمًا، أنت تمشي في شوارع المحروسة منذ الصغر بين الكنائس وبيوت العائلات المصرية المسيحية ومحالهم التجارية، وتزينها كلها تلك الصور، التي ترسخت في ذهنك دون قصد، هكذا هو الحال بالنسبة للشعوب المختلفة، كل حسب ثقافته. في مصر وتحديدًا في سيناء حيث دير وكنيسة سانت كاترين، يوجد أقدم لوحة تصور السيد المسيح عيسى بن مريم، ذا الملامح والسمات الشرقية، العين السوداء والشعر الأسود المائل إلى اللون البني الداكن، والوجه الحاد ذو الأنف المستقيم.. هكذا كان تصوّر الفنان المصري قديمًا عن السيد المسيح، وبالطبع إلى جانب النصوص الدينية، صاحب التصاوير تصورات عن الشخصية، تجلت في الحكايات الشعبية عن السيد، وعن الكرامات الخاصة به، وعن رؤيته في المنامات. الآن وبعد قرون عدة من التصوير المصري السيناوي القديم، ومع عالمية الرسالة المسيحية، التي لم تنفي مشرقية صاحبها، إلا أن كل أمة كان لها تصوراتها الخاصة عن السيدة والسيد، نابعة من خصوصية الثقافة، ومن حب وتعلق شديدين بشخصية النبي عليه السلام وأمه العذارء، وكذلك جاءت تصاوير الشعوب لهما، نابعة من خصوصية الثقافة. ومع التطور وتأثير الثقافات، وما تملكه الشعوب من خصائص وأدوات تمكنها من فرض ثقافاتها أو نشرها على نطاق واسع والتأثير في ثقافة غيرها من الشعوب، يكون من المنطقي شيوع التصور الغربي عن المسيح، ذو الملامح القوقازية الناعمة، والعين الملونة والشعر الذهبي، وكذلك العذراء بملامح المرأة الغربية، الأوربية تحديدًا، العجيب أن هذا التصور شاع وتم تداوله وقبوله حتى في بلاد المشرق، حيث ميلاد المسيح نفسه. مع التقنيات الحديثة وتقدم وسائل الاتصال والأرشفة عبر الانترنت، نكتشف بسهولة، ونتعرف على تصورات الشعوب والأمم عن المسيح عليه السلام، ووالدته السيدة مريم العذراء. هل خطر ببالك أيها القاريء العزيز أن ترى المسيح طفلًا وقد حملته السيدة العذراء مرتدية كيمونو يابانيًا، وأن تكون ذات عين ضيقة تشبه ما يعرف بالجنس الأصفر تمامًا، أو أن تكون السيدة مريم العذراء، سمراء في السمت الإفريقي، ذات شفة مكتنزة، أو أن يكون المسيح ذو سمرة هندية، أو أن ترى لوحة للرحلة الشاقة، هي كما نعرف من الشام إلى مصر، ولكن الطرق والبيوت والناس يظهرون في اللوحة أفارقة أو صينيون أو هنودًا.. بإمكانك أن تستخدم أي محرك للبحث، لتكتشف الكثير عن تصوارت وتصاوير الشعوب للسيد المسيح والسيدة العذراء، وقد برع كل شعب في رسم صورة متخيلة حميمية للنبي، نابعة من ثقافته وملامحه.