يستمر الرأي العام الأوروبي بتكثيف الضغوط على مراكز القرار السياسي مطالبا بالتمايز عن سياسة واشنطن في المنطقة والبدء بعملية الانسحاب التدريجي من المحور الأمريكي. تبدو هذه المطالب صعبة المنال في هذه المرحلة كون الاتحاد الأوروبي لم يلم شمل أجندته السياسية ولم يحقق التكامل السياسي المنشود في ظل تنامي عامل التبعية الاقتصادية، السياسية والسيكولوجية للولايات المتحدةالأمريكية. كثيرة هي ملفات السياسة الخارجية التي لا تنال إجماع الحكومات المركزية الأوروبية ومن أهمها العلاقة مع روسيا، ومستقبل العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصير الدولة الفلسطينية، ومن هذا المنطلق عارضت أغلب الدول الأوروبية قرار الحكومة السويدية للاعتراف بفلسطين، في نفس السياق بدت موخرا آثار الصدمة على أصحاب القرار الأوروبي بسبب نتائج تصويت البرلمان الفرنسي، الانجليزي والبرتغالي، في الجهة المقابلة تتشارك كافة الدول الأوروبية بضرورة تحجيم دور داعش، والحد من عملية انتشاره والقضاء عليه بحال فشل خطة التحجيم. أسهمت المبادرة الروسية موخرا في تنامي وتيرة اللقاءات الدبلوماسية الأوروبية المشتركة، ومع دول الجوار الأوروبي، والتي تتمحور حول الأزمة السورية وحول الدور القادم للاتحاد الأوروبي في السياسة الدولية، ومن هذا المنطلق، جاءت زيارة منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيرني إلى تركيا بهدف "تعزيز الشراكة مع تركيا ومنع مقاتلين أجانب من السفر إلى الشرق الأوسط"، وفقاً لتعبيرها. تشعر الدول الأوربية أنها المتضرر الأول من الصراعات الدائرة في المنطقة خصوصا الأزمة الأوكرانية والسورية لارتباطهما بالاقتصاد والأمن، وبالتالي فإن تحسين العلاقات مع موسكو وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا سيتصدران الأولوية في الأجندة السياسية الأوروبية. أثبتت الأحداث العالمية الأخيرة فشل النموذج الأوروبي –الأمريكي، وأكدت بما لا يترك مجالا للشك أن هذا النموذج قد دخل فعلا مرحلة الانكفاء والتراجع، ومن هذا المنطلق على الاتحاد الأوروبي تعزيز علاقاته وتحالفاته مع دول الجوار (روسيا) انطلاقا من مبدأ الشراكة، ومع الدول الفاعلة في النظام العالمي (البريكس) انطلاقا من مبدأ المصالح المشتركة، ومع الدول العربية المعتدلة. وبالرغم من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ما زالت القوة العظمى في العالم إلا أن هامش انفرادها في قيادة العالم قد انكفأ وتراجعت قوتها. يدفع هذا الأمر الاتحاد الأوروبي إلى البدء بدراسة مستقبل دوره على الصعيد العالمي وكيفية تعزيز دوره كلاعب مؤثر في النظام العالمي. يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات تمتحن قدرته كلاعب في الساحة الدولية، ومن أهمها تنامي دور الصين، مستقبل قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وارتفاع وتيرة حالة (اللا استقرار) في الجوار الأوروبي. في المحصلة، لا يمكن للاتحاد الأوربي أن يقف موقف المتفرج على التغيير الذي يشهده النظام العالمي، ولا يمكن لبروكسل أن تستمر بسياسة المحافظة على الستاتيكو العالمي دفاعا عن مصالح واشنطن. العالم يتغير، وتعديل منظومة الاتحاد الأوروبي ليصبح أكثر توحدا، أكثر جذبا، وأكثر قوةً، أصبح من أهم عوامل تكريس الوجود على الساحة الدولية.