أعادت القمة الأوروبية الآسيوية التي عقدت في ميلانو إلى الأذهان التصورات القائمة حول القمم الدولية التي لا تطرح حلولاً للأزمات القائمة. طُرح على هامش هذه القمة عدة أزمات من أهمها الأزمة الأوكرانية، محاربة الإرهاب، فيروس إيبولا والأزمة الاقتصادية. يبدو واضحا من المعطيات النهائية أن هذه القمة لم تساهم في حل الأزمة الأوكرانية بل ساهمت نسبيا فقط في تقريب بعض وجهات النظر خاصة بين روسيا وأكرونيا حول إعادة ضخ الغاز الروسي إلى أوكرانيا. تؤمن موسكو أن النزاع الدائر في أوكرانيا هو صراع دولي على أوكرانيا وليس صراعا بين القوى في أوكرانيا. وفقا للرؤية الروسية، تهدف واشنطن إلى الاستمرار في مشروعها العدائي والمتمثل في محاصرة روسيا. لهذا الأمر تعوّل روسيا كثيرا على أي دور حيادي قد تلعبه أوروبا. ليس خافيا أن إيطاليا خاصة وأوروبا بشكل عام تتطلع إلى لعب دور الوسيط في النزاعات التي تعصف بأوروبا والبحر الأبيض المتوسط. تتمحور هذه الرغبة الأوروبية حول علاقة الاقتصاد بالسياسة ومدى ارتباط الاقتصاد الأوروبي بالاقتصاد الآسيوي. هذا ما يؤكده فان رومبي، رئيس البرلمان الأوروبي عندما قال إن أوروبا بحاجة إلى آسيا. تثير هذه التصريحات عدة تساؤلات، خصوصا حول مستقبل العلاقة الأوربية الآسيوية، وبالتالي فرضية فك الترابط الأمريكي الأوروبي أو على الأقل التموضع في الوسط بين روسيا وأمريكا. طرأت على العلاقة بين أوروبا وأمريكا تغييرات قد تساهم في المدى القريب في رسم مستقبل جديد لهذه العلاقة خصوصا بعد فشل الولاياتالمتحدةالأمريكية في إدارة أزمات العالم بصورة تشاركية مع الاتحاد الأوروبي، وبعد تنامي غضب الرأي العام الأوروبي الرافض لسياسة التبعية التي تنتهجها السياسة الأوروبية في الملف الأوكراني. من هذا المنطلق تبلورت في أوروبا نظرية مفادها أن التقرب من آسيا ضرورة حيوية، وحل الخلاف مع روسيا خيار مصيري بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هذا ما صرحت به فيديركا موغيرني، عندما قالت: نعتبر آسيا مصيرية بالنسبة للاقتصاد الأوروبي. تؤمن موسكو إذا بأن الهدف الرئيسي من كل ما يجري في أوكرانيا يتمثل في سحب الأخيرة من دائرة النفوذ الروسي وتقييد نفوذها في أوروبا، تماما كما فعل وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر، مع مصر في عهد الرئيس أنور السادات منذ ما يقارب 40 عاماً. في المقابل، تسعى روسيا إلى استعمال كافة الأسلحة المتاحة ومن أهمها ملف الغاز، لهذا يكرر بوتين دائماً مطالبة أوروبا بدعم الاقتصاد الأوكراني في محاولة منه باتباع استراتيجية التشكيك بقدرة الحلفاء وصدقيتهم، وذلك من خلال الاستمرار في إحراج الاتحاد الأوروبي وأمريكا وإظهار عجزهم عن دعم الاقتصاد الأوكراني. هذا ما حدث في ميلانو عندما قال بوتين إن روسيا ستستأنف تصدير الغاز بحال دفعت كييف ديونها، ودعا أوروبا إلى تقديم الدعم المالي ليكيف. اتبع بوتين ذات الاستراتيجية في جورجيا عندما تدخلت موسكو عسكريا في عام 2008 وأحرجت أوروبا وأمريكا، مبرزة عجزهما عن الدفاع عن حليفتهما جورجيا. حاولت أوكرانيا خلال اجتماعات ميلانو أن تدخل لعبة المناورات، إذ وقع بوروشينكو، على قانون وضع خاص لمنطقة الانفصاليين في شرق أوكرانيا وذلك قبل أسبوع من إجراء الانتخابات البرلمانية الأوكرانية. تهدف هذه المناورة إلى إحراج بوتين والتأثير على لقائه مع أنجيلا ميركل. قد تختلف التسميات التي تطلق على الصراع الدائر بين روسيا وأمريكا؛ الحرب الباردة، الحرب العالمية الثالثة، حرب الطاقة. كل هذه التسميات تشير وبوضوح إلى صراع طويل الأمد بين روسيا التي تستعيد حضورها، وأمريكا التي تتراجع قوتها وذلك للفوز بلقب "دولة الطاقة العظمى". يشهد العالم اليوم نزاعات متعددة أدخلتنا في مرحلة العالم الممزق وغير القابل للحكم، وذلك بسبب التغيير الذي يشهده النظام العالمي في إطار تحديد موازين القوى العالمية. إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، من القادم في لعبة الشطرنج الدولية؟ من المؤكد، أن المواجهة ستتبلور أكثر عبر سوريا، مصر، لبنان، إسرائيل، فلسطين، إيران، إفريقيا وفنزويلا، وتبقى الديموقراطية وحقوق الإنسان من أهم الذرائع، ويبقى النفط، الغاز، المياه، وإعادة الإعمار من أهم الأسباب وراء رسم حدود النفوذ الدولي.