نشق ظلال الفرحة برذاذ الدموع فنسميها (دموع الفرح)، ونضحك حد التشاؤم شاهقين (اللهم اجعله خير).. ونختلس من وسط معاناة الحياة اليومية لحظات المتعة كل على طريقته في جمهوريته الملاكي، ويسحقنا القهر والاستبداد والفقر فنؤصل لعلم النكتة السياسية جذورا وامتدادات لها ثقلها.. وتتفجر على ضفتي نيلنا الخالد الثورة فنحولها الى محفل للضحك والتمثيل الضاحك بالصنم المتهاوي.. وفي نهاية مشوار الحياة ننشد الخلود في أوج التفكير بالموت، فيكون للمقبرة ذات اللوحة الرخامية الفخيمة نصيبًا من "تحويشة العُمر"، ولله في المصريين شؤون. تناقضات يعجز بني (المحروسة) أنفسهم عن فهمها، لكن ربما يكون الأمل في الخلود سر أسرارها، لم لا وقد بدأت "تحويشة العمر" تخاصم صمت القبور وتقبل على سندات مشروع قناة السويس الجديدة، وكما يغيب عن المصريين ما سيدور في القبر وان انكره البعض فقد تهافتوا بالدفع بآخر ما يملكون فيما لا يعرفون، وسط غياب الشفافية عن طبيعة المشروع وتفاصيلة، بحيث لا يمكن التبرير بأن أداء السيسي حتى الآن على الأقل كان باعثا للمصريين على التضحية ب"تحت البلاطة"، فما فوق البلاطة بعد وصول المارشال للسلطة قد عصفه رفع الدعم وتفاقم الغلاء فأصبح على حاجز "الحديدة"، هذا إن وجدت "الحديدة" في الأساس! بعد ثورة ال25 من يناير، وفي أوج المشاحنات السياسية التي كانت تدور بين المصريين، قال لي صديق صحفي عربي إنه لم ير شعبا يحب بلده بهذا العنف مثل المصريين، وباح لي بأنه يضج من صراخ زملائه المصريين في الصحيفة التي يعمل بها لكنه لا يستطيع له فراقا، لأنه صراخ يتفجر وطنية وقومية رغم ما به من تجاوزات وتخوين، ووسط هذا التناقض يجد نفسه حائرا مرتبكا ليس أمام الصراخ، بل في وجه حقيقة انه وفق (ايزو) المصريين لا يحب بلده، ويتمنى لو كان أبناء وطنه يحبون بلدهم كحب المصريين لمصرهم، ففي مصر وحسب اعتقاده طاقة خلود خفية تمنى أن يشحن بها بطاريته، حتى لو لزم الأمر أن يقترن بمصرية ويأكل من أصابعها المحشي أو ما يسمونه (الملفوف)! ربما يكون الأقرب للصواب القول إن المصريين قرروا أن يختبروا حب الوطن في وجه المؤامرات، وأن يكتبوا من خلال مشروع قناة السويس الجديدة عقدا جديدا مع خلود مفقود، وأن يصلوا رحلة التاريخ مع مسارهم الإنساني بتناقضاتهم المعجزة، لتكون دموع الفرح واللهم اجعله خير وربما بشرة خير هي عنوان هذا التعاقد، فلا بأس من مزيد من الصبر، حتى وإن سأمهم الصبر، ولا مفر من حفر الأمل بقناة سويس جديدة، فمجاري الحلم لن تنضب، وليس ضروريا في تلك الحالة الاقتناع بالتفاصيل، سواء أكان معارضًا للسلطة أو مواليًا، فالتنويم المغناطيسي بحب الوطن هو قانون الجاذبية الوحيد في تلك الحالة، ولا مهرب ولا منجا منه إلا إليه! مع ذلك يبقى الاستدراك قائما بأن ل(النكتة السياسية) تنتظر موسم رواجها.. وأن الثورة الضاحكة مؤجلة حتى إشعار آخر، والقانون الذي يحكم الانتقال بين المراحل هو تناقص الأمل أو تضاؤله، ووصول التضحية إلى أبواب الوهم، وتحول حب الوطن الى مزاد للنهب العام، في تلك الحالة لن تفلح الانس ولا الجن في كبح جماح التمرد المصري، أو نزع فتيل غضبه، أو علاجه بالمسكنات، فبقدر أريحية الجود تأتي حدة الانفجار، وحينها يصح التساؤل (القارعة ما القارعة؟). من رحم الألم يأتي الأمل.. وعند المصريين تلد الحكمة تداعيا فريدا.. فمن رحم الأمل والتضحية يولد المأزق والقلق أيضا.. والظن أن جوهر مأزق ما يحدث الآن على هامش ذلك الحشد الأسطوري، هو أن جسامة الحساب وقوته ستكون بحجم التضحية، وأن أي تلاعب بأحلام المصريين وطموحهم ربما يؤدي الى ثورة ضاحكة في أحسن الأحوال، وربما يفضي الى منتج شعبي جديد يطويه الغيب، خاصة أن القائمين على الأمر انفردوا بتحمل المسؤولية كاملة دونما أدنى رقابة شعبية أو برلمانية، وهم بذلك قرروا طواعية الخروج عن عقدي 25 يناير و30 يونيو في الارادة الشعبية كمعيار للتحرك والانطلاق الوطني. سنبقى فخورين بحبنا لمصر وفدائها ب"تحويشة العمر" وان اتفقنا أو اختلفنا مع الحكم.. وسنظل على الأمل في نجاح مشروع قناة السويس الجديدة لأنه قد يكون البداية.. وستتصل هواجس الخوف والقلق من انسداد أبواب الأمل فذلك هو عين الخطر!