كتب محمد صفاء الدين و سعيد العربي و أحمد مجدي و حسن عبد البر ارتبطت تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منذ بدايتها بالسعي الحثيث نحو تحقيق العدالة، بإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وإلغاء الإقطاع لشعوره بمعاناة الفقراء، والقضاء على السيطرة الرأسمالية بمجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، وإقرار مجانية التعليم العام والعالي، وتأميم التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، وقبل أيام من ذكرى وفاة "ناصر" نبحث معًا في المحاولة الوحيدة التي جاءت لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يبحث عنها المصريون. غاب جمال.. فغربت شمس الفقراء قال أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس حزب الاشتراكي المصري: إن قضية العدالة الاجتماعية كانت من أولويات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث نفذ عملية الإصلاح الزراعي في 9 مارس 1952 بعد أن استلم السلطة، ثم رفع أجور العمال والتأمين الصحي وتمثيلهم في المجالس النيابية، وهذه الإجراءات رفع بها البناء الاقتصادي للخمسينات والسيتنات وتأسيس الترسنة الصناعية التي شكلت عصب القطاع العام المصري. وأضاف أنه بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ارتد الرئيس محمد انور السادات على كل ما بنته التجربة السابقة إصدار قوانين الانفتاح الاقتصادي عام 1974 والتي كانت في جوهرها التنصل من كل الإجراءات الاجتماعية للطبقات العاملة، والتخلي عن العدالة الاجتماعية واستبدالها بمفاهيم الرأسمالية لتقليص دور الدولة وبيع القطاع العام، وتابع: "تم تدمير القطاع العام ولم يعد للعمال تأمينات اجتماعية، ولم يعد للعمال دور في القيادة"، مشيرًا إلى أن وضع العمال تغير بالسلب بارتفاع الأسعار، ما حملهم فوق طاقتهم، وسيظل مطلب العدالة الاجتماعية يلاحق كل الانظمة التي تحكم مصر حتي تحقيقة. وأكد توحيد البنهاوي، أمين عام الحزب الناصري، أنه منذ ثورة 25 يناير رفعت صورة صورة جمال عبد الناصر والشعب المصري يبحث عن الأمل من خلال تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لذلك ثار الشعب المصري على نظام مبارك، وقال: على النظام الجديد السير تحقيق العدالة الاجتماعية، وذكرى جمال عبد الناصر ستعيد للشعب المصري الجمع العقلي للمطالب التي قامت من أجلها الثورة، مشيرًا إلى أنه بغياب عبد الناصر غابت العدالة الاجتماعية لذلك نسعى إلى التذكرة بالزعيم الراحل في ذكرى وفاته بإحيائها. وأوضح المهندس عبد العزيز الحسيني، أمين تنظيم حزب الكرامة، أن العدالة الاجتماعية غائب بالفعل والضغوط وأعباء الحياة يتحملها الفقراء، مشيرًا إلى أنه يمكن السير على ثوابت تجربة "عبد الناصر" والحركة الوطنية المصرية، مثل أن يكون للدولة دور رئيس في الخدمات والمرافق، ولابد من تعديل الأجوار بتطبيق الحد الأدني والحد الاقصي . وأشار "الحسيني" إلى أنه لابد من الاعتماد على الثلاثة قطاعات "العام والخاص والتعاوني"، بترشيد دور القطاع الخاص ومنع الاحتكار وتوجيهه إلى العمل في إطار خطة الدولة، وتقوية دور القطاع التعاوني، وترشيد القطاع العام وإدارته وحمايته من الفساد، موضحًا أن المصريين يبحثون عن العدالة الاجتماعية منذ غياب "عبد الناصر". مجانية التعليم.. طبقها ناصر.. وأهدرها خلفاؤه عانى التعليم المصري على مدى عقود ماضية وحكومات متعاقبة من أزمات متعددة، باستثناء بعض الفترات التي شهد فيها نهضة علمية أرست العدالة الاجتماعية فيها قواعد المساواة بين المصريين. كان جمال عبد الناصر أول من فعل مجانية التعليم بمصر، على مراحل مختلفة انتهت بتعميم تلك المجانية على التعليم بمختلف مراحله. وعلق الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي قائلًا: إن التعليم يعد مطلبًا وطنيًّا منذ بداية القرن العشرين ولا يزال، ونص على مجانيته دستورا 1919،1923، واستمرت المطالبة بها، حتى تم إقرارها أثناء تولي طه حسين وزارة المعارف، وفي 1950 تم تطبيقها على المرحلة الثانوية، وجاءت ثورة يوليو لتقر مجانية التعليم بمراحله كافة، مضيفًا أن خطة التنمية الطموحة لعبد الناصر جعلت مجانية التعليم ذات عائد قوي وحقيقي على المجتمع في تلك الفترة، ما أتاح تكافؤ الفرص، وكان وقتها مكتب التنسيق المعيار الذي حقق العدالة بين الطلاب. وأشار مغيث إلى أن مصر عاشت على تراث عبد الناصر الفترة الماضية رغم أن هذا التراث تعرض لعميلة تخريب في التعليم بعد أن بدأت فترة التدهور فيه منذ فترة السادات، واستمرت في عهد مبارك حتى انتهت إلى جعل مصر في المكانة الأخيرة لدول العالم في التعليم حسب التقارير العالمية الأخيرة عن جودة التعليم في مصر، وأصبحنا نجد بشكل حقيقي في مدارسنا طلابًا لا يجيدون الكتابة والقراءة بعد سنوات من التعليم بالمدارس. وقال أيمن البيلي، الباحث في الشؤون التعليمية: إن التعليم في عهد الرئيس عبد الناصر كان قائمًا على فكرة العدالة الاجتماعية، كفلت الدولة وقتها الحق في التعليم، مضيفًا أن المنهج الدراسي في عهد عبد الناصر كان يستهدف تعميق فكرة الانتماء والالتفاف حول الوطن والتضحية من أجل التنمية الوطنية المستقلة، إلَّا أنه بحلول عام 1975 اتجهت الدولة إلى الانفتاح الاقتصادي ولجاءت إلى رفع يدها عن مجانية التعليم، مشيرًا إلى أن التعليم الجيد في مصر ليس مجاني، خاصة بعد الإجراءت التي اتخذتها الحكومة لضرب فكرة المجانية. وأشار البيلي إلى أن رجال الأعمال بدأوا التدخل في عملية استثمار التعليم وتحول من مشروع وطني إلى استثماري وسلعة حتى أصبح في عهد مبارك "أن من يملك يتعلم تعليمًا جيدًا" واختفى معه التعليم الحكومي، وصحيح أن الدستور الحالي يلزم الدولة بمجانية التعليم لكن على أرض الواقع أصبحت الحكومات المتعاقبة تزج بكل الطرق إلى عملية الخصخصة التعليمية، بتحويل بعض المدارس الحكومية إلى تجريبية ودعم المدارس الخاصة لرجال الأعمال. دولة ناصر.. تذويب للفوارق وانحياز للأغلبية قال حامد جبر عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة الشعبي الناصري: بالتزامن مع وفاة جمال عبد الناصر كانت تقارير البنك الدول تشير إلى أن مصر مدينة بمليار و600 مليون دولار، ونعود بالرقم إلى المشروعات التي أنشأتها مصر فى الفترة بين 1962 و 1967 والتي أحدثت معدل تنمية 6.5% ما كان يسبق دول كبرى كالصين والهند وكوريا، وتسبب في اعتداء الصهاينة فى عام 1976، مشيرًا إلى أن الرئيس الهندي نهرو عندما كان فى زيارة إلى مصر ثم ذهب بعدها إلى اسرائيل سأله رئيس الوزراء الإسرائيلي كيف وجدت مصر، فكان رده: إنهم يعملون وسيصلون فى المستقبل، وكانت هناك مخاوف لدى الجانب الصهيوني من امتداد وتوسع الدولة المصرية بقيادة عبد الناصر . وأضاف جبر أن مفهوم التنمية الشاملة وربطها بقضية العدالة الاجتماعية كان لها مفهوم أساسي لدى الدولة المصرية في فترة الستينات، وكان جمال عبد الناصر يخطط كيف تكون العدالة الاجتماعية خطة للتنمية الشاملة وبالاعتماد على الأعمدة الثلاثة للاقتصاد حسب الأولوية قطاع عام، وتعاوني، ثم خاص، وبالنظر إلى التاريخ نجد أن أولى شركات القطاع الخاص الخليجي التي عملت في السوق المصرية كانت شركة الخرافي وأقامت مصنعًا لتصنيع الأدوات الكهربائية، ما يكذب ادعاءات البعض بأن الدولة كانت تعادي الاستثمار في المطلق، مؤكدًا أن مصر حين أنشأت المؤسسة الاقتصادية، كانت هناك محاولات لتمصير الأموال المتداولة، ما يسمى برأسمالية الدولة، ما اكتشف عبد الناصر أنه لن يجدي فأدخل بعض التعديلات على الأمر، وفي ظل الخطة الخمسية الأولى أنشأت مصر السد العالي، وشركة الحديد والصلب، ومجمع الألمنيوم فى نجع حمادي، وغيرها الكثير . وأشار إلى أن التمية المرتبطة بفكرة العدالة الاجتماعية لم تتوقف في مصر، حتى أثناء حرب الاستنزاف، ونوعية السلاح وكميته التي استوردتها مصر في تلك الفترة لم تكلف مصر الكثير؛ لأن الجنيه المصري كان في عام 74 يساوي 3 دولارات و76 قرشًا، وكان في عام 66 يساوي الجنيه المصري 4 دولارات، وهذا ما يرد على الادعاءات بأن مصر كانت دائنة لبريطانيا، بينما هذه المديونية كانت ناتجة عن شق القنوات والترع، وإقامة السكة الحديد التي تخدم المصالح البريطانية بمصر حين الاحتلال، وقال: إن الأحوال الاجتماعية تغيرت لدى المصريين، وارتبط حال المواطن بالخطة الشاملة للدولة، فنجد أن كل 5 قرى لديها وحدة صحية على أعلى مستوى، تضاهي الأجنحة الفندقية فى المستشفيات الاستثمارية الآن، بينما امتلكت المدارس مكتبات وملاعب نظيفة، كما أن العلماء المصريين الذين يعملون خارج مصر خريجو المدارس الحكومية المصرية، ما أكده الدكتور زويل خلال مؤتمر أقامه منذ أيام . وأوضح جبر بشأن الوضع الحالي للدولة المصرية أننا الآن نعمل بنظام التجربة الخطأ، كما حدث فى المشروع القومي العظيم لحفر قناة السويس الجديدة، والذي كان عالقًا من قبل ولم ينفذ، مطالبًا الرئيس السيسي بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ لضمانة مواجهة البطالة وسد الطريق على الحركات الإرهابية التي تستغل فقر الشباب وبطالتهم، كما طالب بوضع خطة متكاملة للضمان الاجتماعي، وتوسعة في التعليم الفني وتطويره، حيث اكتشفنا أن العالم يحتاج إلى فنيين أكثر مما يحتاج خريجي هندسة، قائلًا: لابد من النظر لتجربة الستينات والاعتماد على القطاع العام بشكل أكبر مع تطوير مفهوم الإدارة، وتحفيز الاستثمار المصري والعربي ثم الدولي، مع وضع ضمانة أن المحفزات التي سيأخذها المستثمرون تخدم المواطن، لا المستثمر والذي يخرج عن ذلك يتم التعامل معه قانونيًّا، كما يجب تطوير المجال الزراعي واعتماد طريقة الري بالتنقيط بدل الري بالغمر؛ لمواجهة الفقر المائي الذي تعاني منه مصر وستعاني منه فى المستقبل أكثر . قرارات الزعيم.. الحياة الكريمة هدف للتنمية قال الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي ووكيل مؤسسي حزب التيار الشعبي: لا يجب النظر إلى العدالة الاجتماعية، باعتبارها شيئًا منفصلًا عن الملمح السياسي العام للدولة؛ لأن الدولة ممثلة في سلطاتها المختلفة، هي التي تضع الاستراتيجيات في ضوء "انحيازاتها الاجتماعية"، مضيفًا أن الدولة في هذا الصدد لابد لها من ظهير شعبي يحمي حدودها ويسهم إيجابيًّا في اختيار السلطة ورموزها, ولا يجوز في هذا السياق أن يتم الخلط بين مفاهيم العدالة الاجتماعية وآليات تطبيقها حتى لا تقع في فخ الذي وقعت بعد يناير 2011 حيث اقتصرت العدالة الاجتماعية لدى البعض على تطبيق الحدين الأعلى والأدنى للأجور. ورأى الخبير الاقتصادي أن العدالة الاجتماعية بشكل أساسي تتمحور حول العمل على رفض الاستغلال ومن ثم تقريب الفوارق بين طبقات المجتمع في سبيل تذويبها لاحقًا, مؤكدًا أنه المفهوم الواسع للعدالة الاجتماعية الذي تبناه "ناصر الفقراء" منذ قام ورفاقه بثورة 1952 التي رسمت توجهًا اجتماعيًّا جديدًا من اليوم الأول لها اتسق مع رؤاها بشأن التنمية المستقلة والمشروعات الوطنية العملاقة وحتمية التصنيع ودور الدولة الضخم فيه، مضيفًا: لم يقصر "ناصر الفقراء" رؤيته ولا آليات عمله على الحدين الأدنى والأعلى للأجور ولكن امتدت آليات العمل لتوفير حقوقٍ من صميم العدالة الاجتماعية؛ كالحق في التعليم والصحة والمسكن والملبس المناسب، بل وامتدت لتشمل الحق في بيئة نظيفة أيضًا. وشدد على ضرورة تحديد الدولة من خلال سلطاتها المختلفة انحيازاتها الاجتماعية أولًا، ثم تشرع في وضع القوانين التي ترسم طريقها, وإعادة الحقوق لأصحابها الفقراء الذين صبروا كثيرًا منذ أيام راعي الفساد والمفسدين حسني مبارك، ثم الثيوقراطي الصغير محمد مرسي و حتى الآن, وإعادة هيكلة بنود الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة وتخصيص نسب أكبر للإنفاق على "دعم" السلع التموينية والطاقة للفقراء وهناك دراسات كثيرة في هذا المجال، وكذلك الحال فيما يتعلق بالإنفاق علي الصحة والتعليم من خلال زيادة مخصصاتهما بشكل ثوري كبير، فلا تتوقع دولة محترمة بلا تعليم أو صحة لكل المواطنين على حد سواء. وأوضح وكيل مؤسسي التيار الشعبي أن الدولة المصرية أرادت أن تنجح فعليها البدء بحقوق الفقراء، ولا تضع نقص الموارد حجر عثرة في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية؛ لأن هناك موارد متوافرة لديها لكن يُساء إدارتها أو تُنهب. وأضاف أحمد بلال، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع أن كل شخص سواء كان رئيسًا أو غيره يتم تقييمه، وفقًا للفترة التاريخية التي كان بها، وشهدت فترة عبد الناصر قرارات اشتراكية، غيرت شكل النظامين الاجتماعي والاقتصادي لدول كثيرة، حيث كانت هناك كتلة اشتراكية ممثلة في الاتحاد السوفيتي، كانت تدعمه، موضحًا أن الوضع الآن مختلف, روسيا التي بدأت تنحاز إلى مصر مرة أخرى، ليست كما كانت سابقًا، فاتخاذ قرارات ترسي العدالة الاجتماعية والاشتراكية، ليست أمرًا سهلًا, والسيسي ليس اشتراكيًّا، وبالتالي لن يستطيع المجازفة باتخاذ قرارات تخص العدالة الاجتماعية، فلا فكرة تدفعه ولا كتلة تدعمه . وتابع بلال أن هناك بعض القرارات التي من الممكن أن تتخذ وفقًا لما يحدث دوليًّا، هي القرارات المتعلقة بالإصلاح الزراعي، فهو لا يملك أن يوزع الأراضي على الفلاحين، ولكن بوسعه تمكين الشباب من استصلاح الأراضي، وهو قادر أيضًا على استيعاب الأراضي التي نهبها رجال النظام السابق, ومن المفترض أن يصدر قرار باستعادتها هي والشركات التي صدر حكم من القضاء بعودتها إلى الدولة, وألَّا يتم الطعن على هذه الأحكام، مؤكدًا أن عبد الناصر بنى ألف مصنع ولم يحمّل الناس ما لا طاقة لهم به, موضحًا أن مصر دولة يجب أن تخدم المواطنين ولا تأخذ منهم نظير المشاريع التي تقوم بها, وإذا كان الشعب يدير الناتج القومي في هذه الحالة يمكن التبرع, وبهذه الطريقة يعتبر السيسي رئيس إدارة شركة, مضيفًا "التعليم حتى الآن السيسي فشل فيه, المدارس تبدأ بدون كتب, وفي نفس الوقت ينشئ مجلس علماء مصر، وهو خطوة جيدة ولكنها فوقية, وأهمل الطلاب, وليس معنى أن يكون التعليم شبه مجاني أن يكون سيئًا؛ لأنه في هذه الحالة يفقد قيمته."