يختتم حبيب العادلي حديثه بعدما تلعثم وبدت عليه الرغبة من إنهاء مرافعته عن نفسه قائلا: "أنا هخلص عشان الريس يتكلم!"، ثم تُركز الكاميرات على وجه "مبارك"، ليلقي إلى الأمة خطابا رئاسيا يعد الأول منذ 10 فبراير 2011، متناسيا فساد ثلاث عقود. يسترسل "مبارك" في الحديث مدافعا عن نفسه وشاكيا من حملات التشويه والتزييف التي تعرض لها هو وأسرته، ثم يستعرض إنجازاته تارة ويشكك في ثورة 25 يناير أخرى، وأحيانا يستعيد أمجاده في الرئاسة ويوضح للمحكمة كيف قضى حياته في خدمة الوطن والحرب على الإرهاب، ويتهم الشعب بالجحود لأنه لم يقدر مجهوداته، وكأنه يتحدث عن رئيس آخر ولشعب آخر. ورغم طول الخطاب وحرص "مبارك" أن تتخلل كلماته عبارات وآيات قرآنية، إلا أن البعض استقبل خطابه برفع الأحذية في وجهه ورأوا فيه "شيطانا واعظا"، أراد أن يبرئ نفسه وحاشيته وأن يسجن الشعب – لو كان هذا الأمر بيده، بينما تأثر قلة من أبنائه الأوفياء الذين زال ملكهم بعد ثورة 25 يناير، وحرصوا على زيارته في المستشفى على مدار ثلاث سنوات. ولكن لن ننسى أن هذا الرجل أُزهقت في عهده أرواح المواطنين أكثر ممن استشهدوا في حرب 1973 ونكسة 1963 على قضبان السكك الحديد وحوادث الطرق، وفي سلخانات أمن الدولة وطوابير الأنابيب، ونيران الفتنة الطائفية التي التهمت الكنائس والمساجد وحطمت الروابط بين أبناء الوطن الواحد، وكل هذا لا يتعدى سوى قطرة في بحر من الظلمات والفساد غرقت مصر فيه على مدار ثلاثة عقود. كانت فاتورة الفساد والمخالفات المالية بمديريات الصحة على مستوى الجمهورية قد بلغت 64 مليون جنيه، ما تسبب في زيادة معاناة المواطنين وانتشار الأمراض الخطيرة خاصة بعد تحول العديد من المستشفيات إلى مراكز خدمة ذاتية وظفها البعض لتحقيق ثروات بطرق غير مشروعة حسب نص تقرير لمنظمة الشفافية الدولية. وكشف التقرير نماذج من حالات الفساد في قطاع الصحة، منها على سبيل المثال وجود نحو 22 صنفًا من الأدوية منتهية الصلاحية منذ سبعة أعوام تبلغ قيمتها 662 مليون جنيه ويتم صرفها للمرضى. وكان الكثير من تجار الأدوية وأصحاب المخازن يستغلون شركاتهم للاتجار بالمخدرات، وهو ما أكدته واقعة ضبط مباحث المخدرات بالغربية لمخزن أدوية يتاجر في الأدوية المخدرة والمنشطات الجنسية غير الصالحة للاستخدام والتي تقدر قيمتها ب3 ملايين جنيه، واتضح أن من يديرون المكان لا يحملون أية مؤهلات طبية. كما استمرت معاناة المواطنين في المستشفيات الحكومية من تردي الأوضاع وسوء الخدمة، وبلغ نصيب المواطن المصري في موازنة الصحة في بعض المحافظات حولى 6.2 جنيه فقط، بالإضافة إلى سلبيات القطاع الصحي ومنها ضعف الاعتمادات المخصصة للأدوية والتجهيزات الطبية في المستشفيات وضعف مرتبات الأطباء، وإهدار 496 مليون جنيه، وإحالة 22 ألف مهندس للنيابة العامة بالمحليات. وبلغ حجم الفساد بالمحليات حوالي 390 مليون جنيه خلال عام واحد، بالإضافة إلى إحالة أكثر من 22 ألف مهندس في الإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء لتحقيقات النيابة الإدارية والعامة، وكان إجمالي المبالغ المهدرة في قطاع الوحدات المحلية 496 مليونًا و269 ألفًا و292 جنيهًا، وفي قطاع الأوقاف بلغ حجم الأموال المهدرة 38 مليون جنيه، وفي مرفق الصرف الصحي بلغ حجم الأموال المهدرة 10 ملايين جنيه، وبلغ إجمالي المبالغ المهدرة موزعة على قطاعات، الإسكان، الطرق، والشباب، والري 212 مليونًا و38 ألف جنيه. كما بلغت ديون ماسبيرو 18 مليار جنيه، موزعة على 62 حالة فساد، منها 9 حالات داخل مدينة الإنتاج الإعلامي، و15 في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وحالتين متفرقتين، كما يرصد التقرير كذلك حالات لإهدار المال العام بقيمة تزيد على 266 مليون جنيه وحالات استيلاء وسرقة تصل إلى 82 مليون جنيه، بالإضافة لبعض الحالات الأخرى، ليصل إجمالي ما رصده التقرير إلى 122 مليون جنيه و92 ألفًا و800 جنيه تتوزع بين استيلاء وسرقة، إهدار مال عام، وخسائر ومديونيات. ووصلت حالات الفساد إلى قطاع التعليم، فزادت نسبة الأمية في مصر لنحو 35% من إجمالي عدد السكان، منهم 20% من هذه النسبة متسربون من التعليم، كما أن الأسرة المصرية تنفق نحو 10 مليارات جنيه على الدروس الخصوصية منها 6.2 مليار جنيه على شراء الكتب الخارجية لانعدام الحاجة لكتب الوزارة. كما رصدت التقارير الحقوقية تهريب 200 مليار جنيه إلى الخارج و93 مليار جنيه قروض دون ضمانات لرجال مبارك و39 مليار جنيه تم إهدارها من خزانة الدولة، بالإضافة إلى الملايين المهدرة بسبب الفساد في مختلف القطاعات وفي مقدمتها القطاع المصرفي، فحصل عدد من رجال أعمال تابعين للنظام السابق على قروض دون ضمانات بلغت قيمتها 93 مليار جنيه لم يتم سدادها حتى الآن حسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، بخلاف الأموال المختلسة التي تم الاستيلاء عليها في قطاعات الدولة بلغت 589 مليونًا و706 آلاف جنيه، أما الفساد في تزوير بوالص شحن وتلاعب في مستندات الجمارك، فبلغ 500 مليون جنيه. واستولت مافيا الأراضي بمساعدة الحكومة المصرية قبل الثورة على أكثر من 16 مليون فدان، أي ما يعادل 67 ألف كيلو متر مربع، ما يساوي مساحة خمس دول عربية مجتمعة، وهي فلسطين ولبنان وقطر والبحرين والكويت، فقيمة هذه الأرض تصل حسب تقديرات الجهاز المركزي للمحاسبات إلى نحو 800 مليار جنيه.