مع انشغال حكومة الانقلاب بافتتاح المتحف الكبير…الأسعار تواصل ارتفاعها فى الأسواق المحلية    فوضى فى القدس بسبب مظاهرات الحريديم ضد قانون التجنيد الإجبارى.. فيديو    وكيل تعليمية قنا: المتحف المصري تجربة فريدة تجمع بين التاريخ العريق والتكنولوجيا الحديثة    محافظ القاهرة يصدر حركة تنقلات بين رؤساء الأحياء    تعرف على طوربيد «بوسيدون» النووي سلاح يوم القيامة الروسي    دخول المساعدات الغذائية يخفف وطأة المعاناة في غزة| فيديو    صلاح ينافس على جائزة هدف شهر أكتوبر في الدوري الإنجليزي    بعد مفاوضات علي ماهر.. الاتحاد الليبي يعلن مدربه الجديد    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    القبض على سيدة بتهمة نشر مقاطع فيديو إباحية فى الإسكندرية    السيطرة على مشاجرة بين أشخاص داخل صيدلية بالشيخ زايد    تشييع جثمان المصور ماجد هلال في بنها    المفتي خلال ندوة تجديد الخطاب الديني ووعي الشباب بجامعة طنطا يؤكد: التعارض بين العلم والدين وهم ناتج عن سوء الفهم والقراءة الخاطئة للنصوص    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    الكشف عن موعد عودة نجم الهلال    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    رسميًا خلال ساعات.. تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر وإلغاء الصيفي (رجع ساعتك)    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    الفنانة نيجار محمد تتهم مدير شركة بالاستيلاء على مبلغ مالى فى الشيخ زايد    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تقرير أمريكى يكشف ملامح قوة غزة الدولية.. التفاصيل    مصر تستضيف الاجتماع الثاني للجنة رؤساء سلطات المنافسة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    قافلة بين سينمائيات تطلق ورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي 2026 لتأهيل جيل جديد من المخرجات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    وزير الصحة يشهد إطلاق الإصدار الثالث من الأدلة الإرشادية لجراحة المسالك البولية    الطريق للسعادة.. 7 أطعمة هتعدل مزاجك مع تغيير الفصول والتوقيت الشتوي    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    جيل بعد جيل على كرسى رئيس التحرير    أسعار طن الأرز الأبيض والشعير اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    ميرتس: علينا استغلال الإمكانات الكبيرة لعلاقاتنا مع تركيا بشكل أفضل    شوبير يكشف آخر تطورات حالة إمام عاشور ومشاركته في السوبر المحلي    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    إقالة مديرة مدرسة في بنها بعد مشادة بين معلمين    مصرع ربة منزل وإصابة 2 بطلقات نارية إثر مشاجرة بقنا    رئيس مجلس إدارة جهاز تنمية التجارة الداخلية الجديد يبدأ مهام عمله    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    هالة صدقي تحتفل باقتراب افتتاح المتحف المصري: افرحوا يا مصريين بهذا الإنجاز العالمي (فيديو)    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    هل يتنافى تنظيم النسل أو تتعارض الدعوة إليه مع التوكل على الله وضمان الرزق للخلق؟    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    محافظ سوهاج يوقف معدية غير مرخصة بالبلينا بعد تداول فيديو لطلاب يستخدمونها    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    الزمالك في اختبار مهم أمام البنك الأهلي لاستعادة التوازن في الدوري المصري    طريقة عمل طاجن البطاطس بالدجاج| وصفة شهية تجمع الدفء والنكهة الشرقية    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    وزيرا خارجية اليابان وكوريا الجنوبية يتفقان على تطوير العلاقات    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    «فين اللعيبة الجامدة اللي بملايين».. تعليق مثير من مدحت شلبي بعد تعادل الأهلي مع بتروجت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بدر الدين: بين جمال عبد الناصر في "صديق العمر" والخديوي إسماعيل في "سرايا عابدين"
نشر في البديل يوم 14 - 08 - 2014

لا ينبغي أن نخلط بين مسلسل "صديق العمر"، ومسلسل "سرايا عابدين"، لأنهما عرضا في وقت واحد من عام 2014 (في مهرجان الدراما التليفزيونية الرمضاني)، ولأن "سرايا عابدين" يتعرض لتاريخنا المصري الحديث، و"صديق العمر" يتعرض لتاريخنا المصري المعاصر، الأول من خلال حقبة حكم الخديوي إسماعيل منذ ستينيات القرن التاسع عشر، والثاني من خلال حقبة قيادة جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن العشرين.
لا ينبغي أن نخلط بينهما، فمسلسل "صديق العمر" فيه جهد، ابتداء من كتابة محمد ناير، إلى إخراج عثمان أبو لبن، أياً كان رأينا في هذا الجهد، وتحفظاتنا العديدة على الناتج النهائي، (بل يمكنني في التقييم الأخير أن أبلغ حد القول: هو عمل.. كان الذين قاموا به أقل من المهمة)، بينما مسلسل "سرايا عابدين" الذي أخرجه عمرو عرفة، وكتبته هبة مشاري حمادة، ليس فيه من الجهد إلا المسعى ببذخ إنتاجي واضح، من أجل تقديم التاريخ، بنوع ضار من التسلية بالتاريخ والترفيه من خلاله، وهدر الوقت والاستخفاف بالعقل والمعلومات الموثقة، بالكثير من التلفيق وأنصاف الحقائق وأحياناً الكذب الكامل!.
(1) "صديق العمر في الميزان:
أما "صديق العمر" فمسلسل يختلط فيه إلى حد بعيد، الورد بالشوك أو الجيد بالركيك، مما يستدعي مقدرة نقدية على الفرز والتحديد، وما النقد إلا هذه المقدرة على التقويم.
الحق أنه يتداخل في معالجة "صديق العمر" بشدة، أخذ بعض الأمور بجدية وأخذ بعضها الآخر بخفة، ويتداخل التدقيق والدأب مع التسرع والسطحية.. بل ويشمل هذا التداخل كل شئ في المسلسل، سواء من الناحية السياسية والتاريخية، أو من الناحية الدرامية والفنية!.
وقد شهدت الفترة التي ركز عليها المسلسل، وهي ستينيات ثورة يوليو، قضايا بالغة الأهمية والخطورة، من الوحدة العربية الأولى في عصرنا إلى مؤامرة الانفصال، ومن بداية الثورة الاشتراكية في يوليو 1961 إلى إعلان الميثاق، وإنجاز خطة التنمية والتصنيع الشامل، ومن حرب نصرة ثورة الشعب اليمني، ومجابهة العدوان الأمريكي الصهيوني 1967 وصدمة نتائجه الكارثية، إلى حرب الاستنزاف الكبرى.. وهكذا.
يعرض مسلسل "صديق العمر" لهذه المرحلة وأبرز قضاياها، لاجئاً إلى العودة للأبيض والأسود لكن المطعم أو المشوب ببعض الألوان في لقطات تتطلب وعلى نحو بدا سلساً، مع توظيف مناسب في أغلب الأحيان للقطات وثائقية حقيقية، لاجئاً أيضاً إلى العودة للماضي "الفلاش باك"، الذي جاء أحياناً موفقاً، وأحياناً مربكاً، ومن خلال خط درامي يتخلل المعالجة كعمود فقري، يأتي أحياناً "خيطاً رفيعاً" أو ثانوياً وأخرى أساسياً، هو الصداقة والرفقة المبكرة بين قائد الثورة جمال عبد الناصر وأحد أبرز زملائه في التخطيط للثورة وفي مسيرتها: عبد الحكيم عامر.
ومسلسل "صديق العمر" يقدم موقفاً متفهماً منصفاً، بل ومتعاطفاً إزاء المشير عبد الحكيم عامر، ومتوقفاً أمام شخصيته ومواقفه بتفاصيل ومحاولة تحليل، إلى حد غير مسبوق في عمل درامي.
وحتى أن "عمرو عبد الحكيم عامر" (نجله من زوجته الثانية الفنانة برلنتي عبد الحميد) ظهر قرب انتصاف عرض حلقات المسلسل، في برنامج تليفزيوني للصحفي والمذيع وائل الإبراشي (على قناة دريم)، وإلى جانبه الفنان باسم سمرة ممثل دور المشير بالمسلسل، مشيداً بإعجاب وتقدير واضحين بالمسلسل وبالدور وبالممثل.
بينما كان قد أقام ضجة، هو نفسه وأسرته، ضد نفس المشروع حينما بدأ قبل عدة سنوات كسيناريو فيلم كتبه ممدوح الليثي، وليخرجه خالد يوسف بعنوان "الرئيس والمشير"، أي قبل أن يعيد محمد ناير كتابته كمسلسل تليفزيوني يعبر عنه أكثر مما يعبر عن الليثي، وذلك قلق مفهوم إنسانياً من تقديم سيرة أو صورة المشير، على نحو يعتبر في نظر الأسرة مسيئاً، أو استمراراً في عدم الإنصاف والتعامل مع الشخصية ودورها ومواقفها باستخفاف.
والحق أن مسلسل "صديق العمر" جاء في هذه المسألة متوازناُ، فعلى الرغم من أنه قدم عامر على هذا النحو الذي يرضي أو يكاد، حتى بالنسبة لأسرته بكل حساسيتها وتوجسها الطبيعي، ومن أنه قدم بطريقة معقولة مراحل الصداقة والرفقة بين قائد الثورة جمال عبد الناصر ورفيقه عامر، بل وغيره من رفقاء 23 يوليو، إلا أن المسلسل نجح في الوقت نفسه إلى حد لا بأس به في أن يقدم المعاناة الحقيقية التي مر بها جمال عبد الناصر عند محاولاته، خاصة في الستينيات عقب انقلاب الانفصال السوري في 28 سبتمبر 1961، من أجل تغيير الأوضاع على رأس القوات المسلحة، وتحقيق المعادلة الصعبة المطلوبة في القوات المسلحة أكثر من أية مؤسسة أخرى وهي الجمع بين الثقة والكفاءة فيمن يقودها، والمشكلة أن عامر كان يعتبرها مجال تميزه بل مجال نفوذه وليس أي شئ آخر، ومن ثم كان يأبى في كل مرة إلى حد العناد الشديد وإثارة القلق وأحياناً التهديد المبطن الذي يبدأ بتقديم الاستقالة، أي تعديل حقيقي في مكانه في قيادة الدولة، أو فيما يخص قيادات الجيوش، حيث رجاله والولاء له ومركز القوة والنفوذ، بل أنه حتى بعد نتيجة كارثية بحجم 5 يونيو 1967، وخاصة إثر قراره الغريب المأساوي هو ووزير الحربية المقرب له شمس بدران (منفردين!.. وبخلاف ما أشار إليه المسلسل)، بالانسحاب في 7 يونيو، حاول عامر أن يكرر نفس قصة العناد والضغوط (المسلحة هذه المرة!).. لكن بطبيعة الحال لم يكن ذلك كأي ظرف آخر.
هذه المعاناة، المرة تلو المرة، مما مر به عبد الناصر، سواء تجاه عامر، أو لدواع وظروف أخرى إزاء زملاء كبغدادي وكمال الدين حسين، جسدها المسلسل على نحو إجمالي معقول، وإن لم يكن بصورة مدققة تماماً كما في الأعمال الفنية الكبرى.
وفي مثل هذه الأعمال الرفيعة، لا يكون الاعتماد كثيراً، كما رأينا في "صديق العمر"، على تقديم الأحداث، من خلال مشاهد الحوارات بين الأشخاص، الذين يخبرون بها ويعلقون عليها، أكثر من تجسيدها تجسيداً درامياً مقنعاً ومشبعاً وممتعاً!.
الخلاصة في ذلك أن المسلسل سواء في هذه القضايا أو غيرها، كان يعطي "انطباعاً" عاماً على الإجمال، وليس تحقيقاً وتأملاً متعمقاً، وكان أحياناً ينجح في أن يكون الانطباع معقولاً أو في الاتجاه الصحيح، وأحياناً يتعثر ويعجز عن أن يقدم حتى مثل ذلك الانطباع والتوجه العام السديد. وكيف لا؟ وهو مسلسل التراوح الشديد في كل شئ، سواء سياسياً وتاريخياً، أو في التجسيد الدرامي والتعبير فنياً وجمالياً…
(2) التمثيل واداء جمال سليمان:
حتى الأداء التمثيلي في مسلسل "صديق العمر" نجد فيه كل المستويات، ابتداء من الإجادة والتمثيل بوعي وإحساس ونفاذ للقسمات الداخلية للشخصية، إلى الضعف والافتعال وعدم الإدراك أو الفهم لشئ!.
من الجيد والمعقول الذي يقترب من الإجادة مثلاً وبغض النظر عن طول الدور أو قصره، تمثيل أدوار: عبد الحكيم عامر (باسم سمرة)، وصلاح نصر (بأداء عاطف عمارة الجدير بتنويه خاص)، وزكريا محي الدين (أمجد عابد)، وأنور السادات (محمد نصر)، وعبد الكريم النحلاوي (باسم قهار)، وبرلنتي عبد الحميد (درة)، واختها زهرة (إثراء جبيل).. وغيرهم.
وفي حين نجد توفيقاً في اختيار وأداء ممثلي أسرة عامر الأولى، زوجته وهي ابنة عمه (بأداء سلوى محمد علي)، وابنته آمال (بأداء الوجه الجديد الواعد ندى عادل)، نلحظ أن التوفيق جانب المخرج في اختيار نهال عنبر لدور السيدة تحية قرينة عبد الناصر، وإن اجتهدت هي قدر الطاقة في الأداء ومحاولة إقناع المتلقين.
ولا نستطيع أن نقول أن التوفيق جانب المخرج عثمان أبو لبن في اختيار صبري فواز لأداء شخصية محمد حسنين هيكل، لكننا لا ندري لماذا كان فواز نفسه، وهو ممثل موهوب لماح، يبالغ في "ترقيق" صوته أحياناً (كحين يقول لعبد الناصر "يا ريس"!.. مثلاً)، وفي تحريك شفتيه وذقنه بطريقة غريبة يتصور أنه بها يحاكي هيكل، فتكون النتيجة أن يتحول من الأداء الواقعي إلى الكاريكاتير في أحد أدوار مسلسل واقعي، ويخفق في النفاذ إلى جوهر الشخصية وملامحها الداخلية وفي التقليد أو المحاكاة في آن!.
إن محمد حسنين هيكل أبعد ما يكون عن هذا الأداء التمثيلي "بقلب الشفاة"، وهذا الإسراف في تحريك اليدين أثناء الكلام، وهذا "الوتر المشدود" باستمرار، أو ما تنطبق عليه الأوصاف الشائعة والدارجة: (المنشي او التنشنة المتخشب التناكة!!.. إلخ).
وانظر مثلاً كيف كان يتحدث في مكتبه، في أحد المشاهد بذات النمط من الأداء، مع نجيب المستكاوي، بتعال وانشغال مستمر عنه في أوراق مكتبه ومكتبته، وكيف كان يقف أمامه الناقد الرياضي المتميز "للأهرام"، بل الناقد الرياضي الأبرز في تاريخ الصحافة المصرية كلها، مهزوزاً أو على الأقل خفيفاً جداً..!.
إن ذلك كله وغيره أبعد ما يكون عن هيكل، كما عرفه جيداً كل الذين تعاملوا معه، أو حتى الذين رأوه في حوارات أجريت معه على شاشة التليفزيون، وفي أحاديث انجازه الثقافي الضخم الاستثنائي "تجربة حياة" على قناة الجزيرة لسنوات ممتدة سبقت مباشرة ثورة 25 يناير 2011.
..
أما الدور الرئيسي، الذي أداه جمال سليمان، ولعله أكثر وأبرز ما تعرض للهجوم بين عناصر المسلسل، فإن البعض يردد: لن يوجد من يمكن أن يصل إلى مستوى أداء الممثل الكبير الراحل أحمد زكي لشخصية عبد الناصر (كما رأينا في فيلم "ناصر 56″)، بل إن البعض يردد أنه لم يكن يناسب أن يؤدي شخصية الرئيس والزعيم المصري فنان سوري!.
وفي حين أن البعض الأول بالغ، وحتى صادر على المستقبل، فإن الثاني غالط، كما تناسى أن عبد الناصر كان زعيم الشعب العربي ككل، بل وفي وقت كان هو رئيس الجمهورية العربية المتحدة بإقليمها مصر وسوريا..!. فضلاً عن أن الأمثلة في كل العالم معروفة، من براعة أداء البريطاني "بن كينجسلى" لشخصية الزعيم الهندي غاندي في الفيلم السينمائي عنه، إلى اقتدار الأمريكي "أنطوني كوين" في أداء شخصية القائد العربي عمر المختار في الفيلم السينمائي عنه!.
لكن نفس سمة اختلاط الإيجابي والسلبي و"الحسنة بالسيئة"، في مسلسل "صديق العمر"، بأكمله تنطبق أيضاً حتى على أداء جمال سليمان للدور.. إذا أخذناه وحده، نموذجاً.
وفي الجانب السلبي نلحظ أمرين: أولهما أن سليمان لم يمكنه بعد التخلص كلياً من "لهجته السورية" وهو يؤدي شخصيات مصرية، مثلما تمكن عديدون من ممثلي بلدان الشام والمغرب العربي وغيرهم، منذ الأمس البعيد إلى الحاضر، بل بالإضافة إلى "اللهجة" توجد "لكنة" خاصة بسليمان نفسه وليس كسوري، ولم يكن كل ذلك يهم كثيراً وهو يؤدي أدواره كممثل قدير، بتمكن وموهبة كبيرة، لكن في دور "جمال عبد الناصر" كان من الطبيعي أن يلفت الأمر النظر ويقلق اكثر..!.
أما الأمر الثاني على الجانب السلبي: فهو أن سليمان في بعض المشاهد، وخاصة في بدايات المسلسل، حاول أن يحاكي صوت عبد الناصر ويقلد نبرته المميزة، وهذه المحاولة قام بها من قبل أحمد زكي في فيلم "ناصر 56″ خاصة في بعض المناطق، وعلى الأخص في مشاهد إلقاء الخطب، وكل محاولة من هذا النوع مآلها الفشل الكامل، والابتعاد عن روح وحقيقة الشخصية، وابتعاد المشاهد عن الممثل وعدم الاندماج في متابعته وفقدان تصديقه له وأحياناً تندره عليه.. لكن لحسن الحظ أن سليمان لم يلبث أن تدارك ذلك، ولم تكن هذه المشاهد كثيرة، مثلما لم تكن كثيرة عند أحمد زكي.
أما الجانب الإيجابي، الساطع، في أداء جمال سليمان لشخصية عبد الناصر، فقد فاق فيه كل من خالد الصاوي في فيلم "جمال عبد الناصر"، ومجدي كامل في مسلسلي "ناصر" و"العندليب"، وحتى أحمد زكي في فيلم "ناصر 56″، وهو مقدرة سليمان على الدخول على نحو حثيث حقيقي ونابه إلى جوهر وتكوين شخصية جمال عبد الناصر، كشخصية رصينة عميقة، لها ثقلها ووزنها وعظمتها، لا يبدو منه غضب ولا انفعال إلا عند الضرورة، وحتى في هذه الحال هو غضب وانفعال العظماء، وهي عظمة طبيعية لا إدعاء فيها ولا افتعال، بل لا يشعر بها العظيم نفسه، ولذلك فالعظيم بحق هو متواضع بحق وكذلك كان جمال عبد الناصر وكذلك أداء جمال سليمان… وربما ساعده على ذلك، فضلاً عن موهبته، أن سليمان نفسه شخصية مثقفة رصينة من هذا النوع الذي يقال عنه "الرصين أو الراسي".. مثله عندنا في تاريخنا الفني، وإذا شئنا أن نختار نموذجاً واحداً واضحاً، بل موضحاً أكثر لكل ما نقصد: نقول كمثل الفنان القدير "محمود مرسي".
أما الجانب السلبي الذي يخص شخصياً عبد الناصر في المسلسل، وإن كان ليس له علاقة بأداء جمال سليمان، فهو مكياج "عشوب" التقليدي وغير الدقيق لكثير من الشخصيات وبينها شعر عبد الناصر نفسه، فلم يكن "منحوتاً" هكذا إلى أعلى يمنة ويسرة فوق الجبهة.. لكن هذا هو حالنا المعتاد البائس في مصر مع فن المكياج، الذي تتقدم كل عناصرنا الفنية ويظل هو في تخلفه..!.
(3) "سرايا عابدين".. التسلية بالتاريخ:
من المسلسلات التي جذبت الانتباه عام 2014، ضمن عروض دراما تليفزيون رمضان، مسلسل "سرايا عابدين" إخراج عمرو عرفة، وتأليف الكويتية هبة مشاري حمادة، وبطولة قصي خولي في أداء شخصية الخديوي إسماعيل، ويسرا (والدته).. ومجموعة كبيرة من الممثلين والنجوم، برز منهم على الخصوص أداء نور ونيللي كريم وغادة عادل، والقديرين كارمن لبس (عمة الخديوي) وعبد الحكيم قطيفان (فخر الدين).. لكن مشكلة الممثلين، وبينهم ممثل دور الخديوي، أنه لم تساعدهم، مهما كان تمكنهم أو بلغ اجتهادهم، الأبعاد المحدودة في رسم هذه الشخصيات، وافتقادها درجة العمق والإثراء الضرورية.
وعندنا أن مسلسل "سرايا عابدين" إذا شئنا في عبارة واحدة: عمل لا يخلو من بعض امتاع.. وحتى هذا فبشرط: أن نراه غير مرتبط بالسياسة أو بالتاريخ!.
نعم، ترد فيه أسماء من التاريخ المعروف.. بل إن بطله هو "الخديوي إسماعيل" أحد أبرز حكام مصر في تاريخها الحديث، لكن من نراه في المسلسل ليس له أي علاقة "بالخديوي إسماعيل الحقيقي"!.
إن هذا المسلسل، أو الدراما التليفزيونية، هو محض عمل استهلاكي للترفيه.. وليس له علاقة بالتاريخ: إلا ما يمكن أن نصفه بأنه "التسلية بالتاريخ".
ولعل منطلق وفكرة صنع هذا المسلسل، كانا الإعجاب بالمسلسل التركي "حريم السلطان"، أو بالأحرى بنجاحه وجماهيريته، ومحاولة صنع مسلسل عربي على غراره!.
ونحن نعرف الانتقادات الكثيرة التي وجهت في تركيا لمسلسل "حريم السلطان"، باعتبار مجافاته للحقائق المعروفة في الحقبة التاريخية التي يتناولها العمل، واستمر مع عرض جزئين للمسلسل التنديد به، لأنه أساء إلى تركيا وإلى سلطانها الذي أسرف الجزءان في تقديمه لاهياً وسط حريمه و"حواديت القصر"، بعيداً عن قضايا البلاد التي انشغل بها بل وخاض في ظلها حروباً!.
ونفس الأمر حدث مع خديوي مصر.
إن "إسماعيل" بالذات، هو أكثر حاكم، من بين حكام أسرته، بعد عصر مؤسسيها (محمد علي وابنه إبراهيم)، إن لم يكن الوحيد بينهم، الذي كان له مشروع وحلم: كان يتمنى ويسعى إلى النهوض بالبلاد، ولو على طريقته، حيث يرى أوروبا مثالاً ونموذجاً، وهي بالفعل كانت نموذج الازدهار الأهم في العالم وقتها، وكان يرى أن مصر جديرة بأن تكون مثل ذاك العالم الراقي المتقدم، بل إنها ليست أقل في شئ، ولا شئ يعوزها لكي تتقدم على نفس المنوال.. اللهم إلا المال!.
ولم يكن المال الذي استدانه من الأوربيين، لإنجاز مشروعات متنوعة في كل مكان بالبلاد، يمثل مشكلة حقيقية لدى الأوروبيين وإنما مجرد حجة وذريعة اتخذوها للتدخل اليوم وللاحتلال غداً وهو ما حدث خاصة بعد عزله، وفي ظل خنوع ابنه الحاكم التالي توفيق واستسلامه.. والحقيقة أن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي من أكثر الحكام الذي تعرضت سيرتهم للظلم والافتراءات في كل التاريخ المصري.
وقد انعكس ذلك في الفنون، إذ رأيناه حاكماً تافهاً لا قيمة له، غارقاً في صنوف اللهو والملذات في الفيلم المصري "ألمظ وعبده الحامولي" للمخرج والمنتج حلمي رفلة عام 1963.
وها هي الصورة ذاتها تعود، لكن ببذخ إنتاج أكبر بكثير وتقنية أعلى بالطبع، في مسلسل "سرايا عابدين".
إن الخديوي إسماعيل بكل ما عليه وهو كثير، وكل ما له وهو أكثر، وحقبته التاريخية بكل قضاياها الحيوية وحكاياها الحقيقية، في انتظار تأمل جاد موضوعي، وانعكاسه في أعمال فنية راقية تصور وتعبر بصدق وبلاغة.
والحق أن بداية هذا الذي نرجوه، تحققت بالفعل في المسلسل التليفزيوني الأخاذ "بوابة الحلواني"، الذي أبدعه محفوظ عبد الرحمن أحد شوامخ الكتابة الدرامية وخاصة التاريخية، والمخرج التليفزيوني الرائد إبراهيم الصحن، والممثل الفنان الكبير محمد وفيق الذي أدى الشخصية الرئيسية في المسلسل "الخديوي إسماعيل"، واللافت أن هؤلاء المبدعين الثلاثة ينتمي فكرهم ومواقفهم إلى الرؤية الناصرية، مما يشير إلى أن "الناصريين بحق"، هم موضوعيون بحق.
على العكس كلياً، مما يشاع كذباً، وما تردد ولا يزال افتراء، بإدعاء أن الناصرية وثورتها والمنتمين إلى فكرتها، يقللون من شأن كل ما سبق ثورة 23 يوليو 1952 وحقبتها، بل يشيعون التقول السخيف الزائف حول أن هؤلاء يعتبرون أن تاريخ مصر الحقيقي يبدأ فقط منذ صبيحة 23 يوليو 1952 بينما كل ما سبق هو مجرد مراحل عهود بائدة ومظلمة!!.
لكن "بوابة الحلواني"، المسلسل الموضوعي فكرياً البليغ فنياً، الذي أبدعه وعرضه هؤلاء الناصريون، في التليفزيون المصري عام 1992، هو بداية جميلة رصينة.. وكم ننتظر أن تكون هناك باستمرار إبداعات فنية ودرامية، تتناول تاريخنا المصري والعربي ككل، وتستلهمه في مختلف مراحله، برقي واقتدار وموضوعية ووعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.