طت ليبيا خلال الأسبوعين الماضيين فريسة لأسوأ أعمال عنف منذ احتجاجات عام 2011، التي أطاحت بمعمر القذافي، مما دفع الولاياتالمتحدة، والأمم المتحدة إلى إجلاء دبلوماسييها عن طريق البر إلى تونس مصحوبة بحماية طائرات F-16، كما سحبت ألمانيا ودول أوروبية أخرى دبلوماسيها أيضا. ويرى أندرياس ديتمان، خبير الشؤون الليبية في جامعة جيسن، أن الوضع خطير جدًا، فسحب الدول الغربية لدبلوماسييها من طرابلس يشير إلى أن الغرب فقد الأمل في أي تطور إيجابي في ليبيا، وأن الدولة لم يعد يمكنها الحفاظ على أمنها الداخلي ولا حدودها الخارجية، وهي من الواجبات الأساسية لبقاء أي دولة على قيد الحياة، معتبرا أن التطورات الحالية تشير إلى أن ليبيا في طريقها إلى الانهيار. خلال عملية إسقاط القذافي عام 2011، دعمت الولاياتالمتحدة وبعض دول الناتو مقاتلي المعارضة، ومنذ ذلك الحين تُركت ليبيا لمصيرها، وذلك حسبما يرى روبن رايت، الباحث بمركز ويلسون للدراسات في واشنطن. وينتقد رايت، الموقف الغربي، موضحًا أن الحكومة المركزية في ليبيا ضعفت إلى درجة لا تمكنها من الحفاظ على مطار العاصمة، فكيف الحال إذن مع باقي أراضي ليبيا الشاسعة؟. يضيف ديتمان، أن القوى الغربية أخطأت كثيرًا، ولم تطبق القرارات التي أريد بها إعادة بناء ليبيا، فالفرص الحقيقية لبناء دولة ديمقراطية قد ضاعت، ولعل نتائج الانتخابات الأخيرة في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، التي أظهرت تغييرًا في موازين القوى السياسية لصالح الليبراليين قد أشعلت القتال الحالي في ليبيا. وهذا ما أكدته صحيفة لوموند الفرنسية، قائلة إن انتخابات يونيو الماضي، هى أحد الأسباب وراء تأزم الأوضاع، حيث إن النفوذ السياسى للتيار الإسلامى أصبح مهددًا، كما أن التحالفات وإن كان هدفها ظاهريًا هو السيطرة على مطار طرابلس، إلا أن أهدافها الحقيقية تذهب أبعد من ذلك. وتقارن الصحيفة بين ما حدث عام 2011 وما يحدث الآن، حيث ذكرت أنه في عام 2011، وبعد شهور من القتال وتدخل حلف الناتو، ومع الضربات الجوية والدعم السري لمقاتلي المعارضة، سقطت العاصمة الليبية في أيدي ائتلاف الكتائب الأصلية لمختلف المدن. أما الآن، فهذه الجماعات تتقاتل من أجل السيطرة على العاصمة، في حين تشتبك أخرى في برقة من أجل السيطرة على موارد النفط، أو تدمير جماعات إسلامية مسلحة، أو صراع نفوذ قد ينتج عنه تعريض البلاد لخطر الانفجار مثلما حدث في الصومال في أوائل التسعينيات، عندما سعى بعض المتمردين للإطاحة بالرئيس سياد بري، مما أدى إلى تدمير مقديشو وهياكل الدولة. وتشير إذاعة فرنسا الدولية، إلى أن المواطنين بطرابلس يرون أيضًا أن الوضع الحالي يعيد المدينة إلى صيف 2011، عندما كان المتمردون المناهضون للقذافي يسيطرون على العاصمة، ويعاني المواطنون من نقص الوقود والماء، كما يلتزم الجميع بالمكوث في المنازل، والفارق الوحيد عما كان يحدث في 2011، هو أنهم كانوا على يقين من أنهم لن يٌقتلوا. وتلفت الإذاعة الفرنسية إلى أن الفوضى السائدة في ليبيا تقلق السلطات المصرية التي تخشى من أن تنتقل التجاوزات والعنف إلى مصر التي تعاني بالفعل بسبب الإرهاب، كما أن القاهرة تخشى أيضًا من الاضطرار إلى التعامل مع تدفق اللاجئين على حدودها كما كان الحال خلال الاحتجاجات ضد القذافي عام 2011. كما أن اللاجئين قد يتخفى في صفوفهم بعض الإرهابيين الذين يسعون لزعزعة استقرار النظام المصري الجديد، وتعتقد القاهرة أن الملايين من المصريين والأجانب أيضًا يجري تدريبهم في معسكرات التكفيريين في شرق ليبيا. ويرى ديتمان، طريقًا وحيدًا لإنقاذ الموقف في ليبيا يتمثل في نزع سلاح الميليشيات المتقاتلة، إذ يعتقد أن طلب الحكومة الليبية الأخير بتدخل قوات القبعات الزرقاء التابعة للأمم المتحدة كان مبررا، لكن احتمال تدخل قوى حفظ السلام في ليبيا غير وارد في الوقت الراهن، إذ لا توجد دولة على استعداد لنشر قوات حفظ سلام تابعة لها على الأراضي الليبية، كما أن الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا لن يدفع بموسكو بكل تأكيد لمنح الضوء الأخضر في مجلس الأمن للتدخل.