بعد نحو ستة أشهر من القتال، وفى عملية أطلق عليها اسم «فجر عروس البحر» نجح المتمردون المسلحون الليبيون فى دخول العاصمة طرابلس والسيطرة عليها إلا قليلا، لكن حتى كتابة هذه السطور لا أحد يعلم أين اختفى الزعيم الليبى الذى لم يعلن تنحيه عن السلطة بعد؟! هل هو داخل تحصينات مجمع بيت العزيزية؟ هل هو فى حماية قبيلة «ورفله» التى تدعمه منذ البداية؟ هل فر إلى الجزائر أو تشاد بعد تأكيد جنوب أفريقيا أنه غير موجود على أراضيها؟ وكانت الحرب فى ليبيا قد دخلت الفترة الأخيرة نفقا مظلما يصعب الخروج منه، فالليبيون يتم قتلهم بفعل الغارات التى تشنها طائرات حلف شمال الأطلنطى «ناتو»، وأموال الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا لا أحد يعرف أين تذهب بالضبط؟ والعقيد القذافى لا يتزحزح عن موقفه ويرفض التخلى عن منصبه بدعوى أنه الزعيم ولا يتولى أى منصب رسمى. طائرات التحالف أغارت ولاتزال على الأهداف العسكرية والمدنية - بطريق الخطأ كما يقول - والبنية التحتية الليبية سواء العسكرية أو المدنية يتم تدميرها، ويكفى القول بأن العملية التى قام ويقوم بها الغرب وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1973 لحماية المدنيين الليبيين، أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 700 مدنى وإصابة 4067 منهم أكثر من 400 فى حالة خطيرة. لقد كان الشرط الأول لعملية الناتو فى ليبيا هو أن تنتهى بعد 90 يوما لتغطى الفترة حتى 30 يونيو الماضى، لكن العملية طال أمدها وأعلن وزراء دفاع الدول الأعضاء فى الناتو عن استمرارها لأجل غير مسمى، كما صرح رئيس الأركان الأمريكى «مايكل مولين» بأن القيادة العسكرية الأمريكية لا يمكنها التنبؤ بموعد انتهاء العمليات العسكرية. وكان سكرتير عام حلف الناتو «أندرس فوج راسموسن» قد دعا دول التحالف إلى توسيع مشاركتها فى العمليات العسكرية فى الوقت الذى أعربت فيه غالبية الدول الأعضاء إما عن عدم مشاركتها بالأساس فى العمليات وإما عدم زيادة مشاركتها، ولذلك وجدنا أنه من بين ال 28 دول الأعضاء فى الناتو لا تشارك سوى 14 دولة فى هذه العمليات، فى حين تكتفى الدول الباقية بمنح الغطاء السياسى، فألمانيا على سبيل المثال أعادت التأكيد على عدم مشاركتها، وأسبانيا بدورها رفضت احتمال الاستعانة بطائراتها الحربية فى قصف الأهداف الليبية على الأرض، وأوقفت كل من السويد والنرويج مشاكتهما بعد انقضاء فترة التسعين يوما. واليوم وبعد سقوط نظام القذافى يعلن حلف شمال الأطلنطى أنه سيواصل عملياته العسكرية ويقول الخبراء إنه بذلك يضع نفسه فى مأزق، فطائراته تواصل غاراتها على الأهداف العسكرية والمدنية، وأموال دافعى الضرائب فى الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وباقى دول التحالف لا يعرف أحد إلى أين تذهب، والمتمردون المسلحون فى ليبيا لم يسيطروا بعد على كامل التراب الليبى، والقذافى لا يزال يحظى بدعم بعض القبائل خاصة قبيلة «ورفله» ولم يعلن تخليه عن السلطة كما لم يقم بتسليم نفسه ويخاطب الليبيين من خلال التليفزيون الرسمى، مؤكدا أنه لن يستسلم تحت وطأة هجمات قوات التحالف الغربى وسوف يقاتل حتى الموت. بعد سقوط نظام القذافى لم تعد ليبيا وحدها فى المأزق ولكن أيضاً الولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وهى الدول التى حضَّرت عفريت الصراع، ولم تعرف كيف تصرف القذافى، كما أنها ليس لديها التصور الواضح لمستقبل ليبيا ومن الذى سوف يحكمها فيما لو تم حسم الصراع بصورة نهائية، وقد صدق المحلل السياسى الأمريكى «دوج باندو» عندما قال: كلما طال أمد الصراع كلما بدت حماقة (إن لم يكن جنون) أعضاء التحالف. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يقوم أعضاء الكونجرس الأمريكى بالتصويت ضد القرار الذى يعطى باراك أوباما الحق فى استخدام القوات الأمريكية داخل ليبيا خلال هذا العام، وأصبح الموضوع الرئيسى الذى يشغل الناتو الآن ليس هو القدرة على استمرار العمليات العسكرية، ولكن مَن مِن أعضاء التحالف يتحمل التكلفة. والدول العربية والأفريقية أيضاً أعادت التفكير بشأن الموافقة على الدور الذى يلعبه الناتو فى الأزمة الليبية، ونتذكر عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية السابق، عندما خرج بتصريح يحث فيه الناتو على وقف هجماته على ليبيا، ويقول إن الموافقة كانت لحماية المدنيين وليست لقصف ليبيا، كما نتذكر الرئيس الجنوب أفريقى «جاكوب زوما» عندما قال بصورة مباشرة أثناء زيارته لطرابلس إن غارات طائرات الناتو تقوض جهود السلام الأفريقية فى ليبيا. ولا يخفى على أحد بطبيعة الحال الهدف الحقيقى الذى يسعى إليه الغرب فى ليبيا فهو يزعم العمل على نشر الديمقراطية ولكن الحقيقة أن عينه على الثروة.. على البترول، وبعد تدمير البنية التحتية سوف تسعى الشركات الغربية الآن للفوز بكعكة البناء والتعمير مثلما حدث فى العراق، كما أنه من غير المستبعد أن يطالب الناتو الليبيين بدفع فواتير عملياته التى أدت إلى إسقاط نظام القذافى.