ردا على أسبوع الدم و الغاز الذي حاولت السلطات أن تخنق به الموجة الثانية من الثورة المصرية ، جاءت تبرعات المصريين كالأمطار من كل حدب و صوب .. إنتشرت فكرة أن أدوية الشرب المضادة للحموضة تضاد أثار الغاز ، فجاء المتبرعون بكميات رهيبة من أشربة الأبيكوجيل و الميكوجيل ، جاء المتبرعون بأسرة للكشف و إسطوانات أكسجين ، و أجهزة نيو بليزر .. طبعا هذا بعيدا عن الكميات الخرافية للمطهرات و القطن و الشاش .. و بخاخات التنفس لعلاج حالات الاختناق من الغاز .. كانت التبرعات تقدم لأي نقطة طبية في الميدان .. و كنا نوجه التبرعات الزائدة لدار المناسبات بمسجد عمر مكرم لأن القائمين عليه قاموا مشكورين بفتحه لتلقي تبرعات المصرين من الدواء و أيضا الغذاء و البطاطين هدأت الاشتباكات .. و فوجئنا بأنه بين أيدينا كميات هائلة من الأدوية و المستلزمات العلاجية .. قدر البعض قيمتها بما بين المليون و المليونين .. و ذهبت تقديرات مبالغة لحوالي 20 مليون .. الحقيقة أنني لست صيدلانية و بالتالي فأنا لا أستطيع أن أقدر بدقة قيمتها المادية ..و لكني موقنة أن هذه الأدوية محملة بدماء حوالي 50 شهيدا.. ومحملة بتضحية الشباب الذين فقدوا عيونهم ليتظاهروا ضد استمرار حكم العسكر .. هذه التضحيات و الشجاعة المتناهية لشباب عزل أمام ترسانة الداخلية و بطش السلطة البشع هي التي حركت مشاعر المصريين و دفعتهم لتقديم هذه التبرعات ،لذلك فثمن هذه الأدوية ليس مليونا أو أثنين أو عشرة و لكن ثمنها هو دم الشهداء ..و أي إهدار لها هو إهدار للأمانة و الثقة التي حملها الشعب المصري لأطباء الميدان عندما ألقى بتبرعاته بين أيدينا بأمل أن تساعد في إنقاذ جريح .. أو تخفيف معاناة مصاب و الآن توجد بالتحرير هذه الأمانة نسبة منها موزعة على عدد من النقاط الطبية التي مازالت تعمل .. و النسبة الأكبر مجمعة في دار المناسبات بمسجد عمر مكرم .. و هي أدوية تفيض بالتأكيد على احتياجات الاعتصام حتى لو استمر لشهر .. كما أنه من غير الحكمة أن تترك كل هذه الأدوية دون جرد واضح و دون مسئول واضح وسط ميدان معارك .. هذا الوضع يفتح الباب واسعا للإشاعات حول سرقة الدواء .. و قد يفتح الباب أيضا لسرقات فعلية .. لذلك و بعد كثيرا من الإشاعات التي سمعتها حول الدواء الذي يحول في عربات خارج الميدان ، هي في الحقيقة شائعات لا أستطيع تأكيدها ولا نفيها ، و بعد أن شعرت بخطورة هذه الشائعات في كسر الروح المعنوية للميدان ، و نشر حالة رهيبة من الشكوك المتبادلة بين الجميع ، قررت أن أتطوع مع عدد من الأطباء و الصيادلة لعمل جرد بكل هذه الكميات الهائلة من العلاج .. على أن تترك بالاعتصام مادام مستمرا كمية كافية لتقديم الخدمة الطبية -على أن تكون كميات محددة و معروفة ، و توضع باقي الكمية كأمانة في جهة نأتمنها عليها لحين الحاجة لها في أية اعتصامات أو احتجاجات مقبلة.. أما لو لم تستخدم ..وقاربت بعض الأدوية انتهاء الصلاحية فستوجه الأدوية للمرضى المصريين المحتاجين للعلاج باسم ثوار و شهداء التحرير .. أما عن الجهة التي ستؤتمن على هذه الأدوية ..فالحقيقة أن تفكيري و تفكير الأغلبية اتجه أولا لنقابة الأطباء ، لذلك فقد قمت بالإتصال بدكتور خيري عبد الدايم نقيب الأطباء ، و أبدى موافقة مبدئية على الفكرة ، و حاولنا ترتيب اجتماع بين عدد من ممثلي المستشفيات الميدانية بالاعتصام و د. خيري و بعض المشرفين على دار المناسبات بجامع عمر مكرم باعتباره المكان المتحمل لمسئولية تأمين العلاج حاليا ، بالفعل حضر د. خيري مع عدد من زملائنا من مجلس النقابة ، اللذين رفضوا فكرة أن الدواء موجود عندهم كأمانة فقط ، و أصروا على إن هذا يعتبر عدم ثقة فيهم ، و طالبوا بأن تكون لهم صلاحية التصرف في الدواء على مسئوليتهم إذا لم يحتاجه الثوار في مدي زمنى محدد ، طبعا هذه الفكرة رفضت بالإجماع لأن الجميع يريد أن توجه الأدوية باسم ثوار التحرير و شهداء التحرير كهدية من الشعب المصري للمرضى المصريين لذلك اتجهنا للبحث عن جمعية أهلية تقبل القيام بهذا الدور .. و بالفعل وافقت جمعية بنك الشفاء (فرع من بنك الطعام) أن تحفظ لنا العلاج على هيئة أمانة ، على أن توجه الأدوية الزائدة عن استخدام الميدان ، و البعيدة -من حيث النوع – عن الاستخدام في أية صدامات محتملة مقبلة ، للتوزيع عن طريقهم و تحت أسم هدية من ثوار التحرير على المستوصفات الخيرية في المناطق الشعبية ، لتوزع بالمجان على المرضى المصريين المحتاجين للعلاج ، طبعا وضعنا شروط أن يكتب كل هذا الكلام بوضوح في محضر رسمي مع محضر الجرد و يوقع عليه من الجمعية ، و أن تختم الأدوية بأنها هدية مجانية من ثوار التحرير ، و أن نأخذ قائمة بالمستوصفات التي ستوزع عليها الأدوية للتأكد من إنها توزع مجانا كان هذا هو الاتفاق الذي أيدته أغلبية الأطباء و الصيادلة المشاركين في تقديم الخدمة الطبية حول الميدان .. و طبعا كان هذا القرار بالأغلبية و ليس بالإجماع ..لأننا بعد تنحي الرئيس المخلوع في 11 فبراير لم ننجح في تحقيق الإجماع و لكن بعد هذا الإتفاق نشبت حول المكان مشاجرات كثيرة مفتعلة ، أثارت شكوكنا أن هناك هجوم متوقع من البلطجية لسرقة الأدوية ، لذلك طالبنا الشيخ مظهر شاهين المسئول عن المسجد بإغلاق المكان تماما حتى يهدأ المكان ، على أن يظل العلاج في عهدته حتى نسطيع نقله لتأمينه في مكان أخر نهاية .. أتمنى أن نستطيع حفظ الأمانة الثقيلة التي حملها الشعب المصري لأطباءه و هو يلقي بين أيديهم بتبرعاته دون قيد أو شرط .. وفقنا الله لحفظ الأمانة .. ووفق المصريين لحفاظ على دماء شهدائهم .. و للحفاظ على ثورتهم د. منى مينا أحد الأطباء المساهمين في تقديم الخدمات الطبية في الإعتصام