هذه الصورة رسمتها فنانة الكاريكاتور الفلسطينية أميَّة جحا، لتعبر فيها عن أنَّ الفلسطينيين والمصريين يعيشون حالةً مشتركة، وأنَّهم مرتبطون رغم كل الظروف. لن نذهب مع التيار، هذا ما قاله الكثير من الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين محاولات بعض الأشخاص والإعلاميين في تشويه العلاقة التاريخية بين الفلسطينيين والمصريين بأنها محاولات ستبوء بالفشل حتماً، خاصة وأنَّ الشَّعب المصري هو شعبٌ أصيلٌ ومتجذر في تاريخ القضية الفلسطينية، ولا يمكن لكلِّ هذه الهرطقات أن تمرَّ على المواطنين مرور الكرام، مؤكدين أنَّ الفلسطينيين يحبون مصر الشقيقة كما أحبوا فلسطين، وأنه لا يمكن الاستغناء عن جارةٍ بهذه الطيبة وبهذا الصمود. اختلفت الرسائل، والمضمون واحد، فالكل هنا في غزة يؤكد على أنَّ الناس يعلمون أنَّ ما يشاهدونه على وسائل الإعلام لا يمثل المصريين جميعاً، ولا يعبر عن ما يجول في خواطرهم، فهناك الكثير من المصريين الذين يكتبون رسائل الاحترام للشعب الفلسطيني على صفحاتهم على فيسبوك وتويتر، وعبر المكالمات الهاتفية، إضافة إلى بعض القنوات المستقلة التي لا تتبع لحزب أو منظومة بعينها، ووكالات كثيرة عززت من هذه الرسائل، وأثبتت أنَّ المصريين لن يتغيروا، وأنهم دائماً ما يقفون إلى جانب إخوانهم في فلسطين، لا سيما المواطنين في غزة. رسائل كثيرة أرسلها الفلسطينيون عبر البديل ومراسلها في غزة، حيث قال علاء عبد الله من غزة: "أريد أنْ أقول للشعب المصري، أعانكم الله على ما ابتلاكم به، ولكن ليست فقط حكومة مصر هي من تشارك في الحصار على غزة، بل جميع الحكام العرب يشاركون في هذا الحصار، لأنهم أصبحوا يأكلون وينفذون سياسات الغرب الغاشم، وفي نفس الوقت يحسبون لإسرائيل ألف حساب". وأضاف علاء "لا يلزمنا اليوم أن يُعرِّفنا أحد بإخواننا المصريين، لأنه أصبح واضحاً من هو الذي يقف بجانبنا ومن يقف ضدنا، واضحاً جداً، لأنَّ فئة الشعب "الغلبان" المضطهد هي التي تقف معنا وفئة الحكومة وبكل أسف، تقف مع اسرائيل وأعوانها". ومن رام الله – مخيم الجلزون، وصلتنا رسالة من المواطنة بيسان نخلة، تعبر فيها عن استيائها من الإعلام المصري الذي يحاول دائماً تضليل الناس وتغيير المفاهيم والحقائق، وقلب الطاولة على الفلسطينيين بأيِّ طريقة وبأيِّ ثمن، حيث ذكرت بيسان: "نحن نحب الشعب المصري، وظهور كم جاهل عبر شاشات التلفزة المصرية ومهاجمتهم لغزة بهذا الشكل لا يعني أبداً أنَّ كلَّ الشعب المصري هكذا، وعلى مر سنوات الاحتلال الصهيوني لفلسطين.. دعم شعبُ مصر صمودَ الفلسطينيين، وقدموا الشهداء والكثير من التضحيات، نحن لا ننكر أبداً ما قدمته وما تقدمه مصر، لكن لا بد أن يكون للحكومة المصرية موقف جاد في هذه الأوقات، من خلال فك الحصار عن غزة، وتسهيل حركة المواطنين على الأقل. العدو الصهيوني خلية سرطانية تنتشر في الشرق الأوسط كاملاً، ولا أستبعد وجود أيدي خفية تدير المؤسسات الإعلامية المصرية، يجب الانتباه إلى ذلك، ويجب أن لا يتعاملوا مع غزة كما يتعاملوا مع حماس، لأنَّ هناك فرق بين حزب وشعب". ومن مصر، تواصلنا مع الكاتب والناشط أسعد الصفطاوي، وهو فلسطيني مقيم في القاهرة، وجهنا له سؤالاً: "أنت كفلسطيني تعيش بعيداً عن غزة، وتتابع ما يجري فيها، ما هي رسالتك للشعب المصري، وكيف يمكن التمييز بين الشعب المصري الذي يحب الفلسطينيين، وبين الحكومة التي تشارك بشكل أو بآخر في حصار غزة؟" فأجاب الصفطاوي: "أعيش في مصر منذ ثلاث سنوات، أيّ بعد أحداث ثورة 25 يناير، مررتُ بمراحل رأيتُ فيها الناس تنقلب على القضية الفلسطينية، ويخلطون الحابل بالنابل، ونظراً لحالة الوعي التي أصابت الشعب المصري جرّاء الثورة، وجدتُ أنّ مخططًا يُنفّذ من قِبل الإعلام لاستغلال هذه الحالة وقلب الحقائق، واستغلال حالة الفوضى التي عمّت بالآراء هنا في مصر؛ ليتم بثّ الكراهية للشعب الفلسطيني ، وفيما يخص معبر رفح المغلق، لا تزال الحكومة المصرية تتذرّع بأسباب غير مقنعة، من بينها أنهم لا يريدون أن يهرب الشعب الفلسطيني في غزة من الأراضي الفلسطينية، وأن يبقوا للدفاع عن أرضهم، وهذا السبب أكثر الأسباب التي تشعرني بالاستغراب وعدم فهم ماذا يريد النظام المصري بالضبط منّا، حصارنا أم الحفاظ على أراضينا وابقاءنا هناك لنموت واحدًا واحدًا، لكن لابدّ من ذكر أنّ هناك طائفة كبيرة جدًا من الشعب المتضامن مع الفلسطينيين، لكنهم لا يستطيعون التحرك لنجدة غزة، وثمّة قافلة بشرية توجّهت لغزة قبل أيّام وتم منعها من الوصول، واعتصمت أكثر من 6 ساعات في محاولة للضغط على الجيش للسماح لهم بالدخول، لكن لا فائدة، وتم منع القافلة الطبية أيضًا، وقوافل مساعدة كثيرة من المرور عبر مصر للوصول لغزة.. وهذا ما لم نعد نفهمه". وعن رأيه في الإعلام المصري الحالي، وعن ما إذا كان هناك أيدي خفية تدير هذه المؤسسات، قال الصفطاوي: "من المؤكد أنَّ هناك مخطط يقف وراء هذا الإعلام، وهؤلاء الإعلاميين لهم مواقف مخجلة يعرفها الشعب المصري جيدًا من قبل، وهم لا يمثّلون شيئًا من الشعب المصري، بالرغم من وجود الكثير ممن يستمع لهم ويتبنى مواقفهم، وإذا افترضنا عدم وجود مخطّط، فهؤلاء الاعلاميين يطبّلون للقويّ دائمًا، ويحاولون الاستقواء على الضعيف وأكل لحمه، وبالتالي هم عابرون ورأيهم لن يدوم طويلًا". وبالعودة إلى غزة، أجرى مراسل البديل لقاءً آخر مع محمد النحال، وهو طالب جامعي يسكن في شمال القطاع، حيث اختصر محمد رسالته بأن تحدث عن أحد البرامج المصرية التي يشاهدها في رمضان، والتي تعكس الروح الحقيقية لأبناء الشعب المصري، حيث سرد النحال قائلاً: "شاهدت برنامج مصري في رمضان، هذا البرنامج عبارة عن كاميرا خفية يتم تنفيذها مع نجوم وممثلين، وفي هذا "المقلب" مقطع يتواجه فيه الممثل أو الضحية مع أحد الاسرائيليين، ودائما ما تكون ردود أفعال الفنانين واضحةً، عندما يعرفون أنَّ من يتحدثون معه هو شخص اسرائيلي، كانوا دائماً يُصابون بالصدمة، ولا يترددون أبداً في الدفاع عن فلسطين وعن أهلها، مؤكدين أنَّ اسرائيل هي دولة احتلال وأنها إلى زوال حتماً". هي سحابة عابرة إذن، سرعان ما يأخذها الريح إلى مكان آخر قد يحتملها لوقتٍ أطول، هذا ما يؤكده الفلسطينيون هنا في غزة، وما يجمع عليه أصحاب العقول اليقظة. ربما أصبح العدوان على غزة عدواناً إقليمياً، لكن المصريين والفلسطينيين يعلمون جيداً أنَّ هناك أيادٍ تبذل قصارى جهدها، للنيل من العلاقة بين الشعبين، في محاولةٍ لتضييق الخناق على الغزيين الذين يواجهون أقسى المراحل وأشدَّ الظروف.