قفز قيادات الإخوان إلى قطار الثورة متأخراً؛ فقد كانت مفاجأة لحساباتهم كما كانت تماماً مفاجأة لقيادات الحزب الوطنى. وقفز قيادات الإخوان إلى مائدة التفاوض مبكراً؛ خروجاً عن الصف الثورى الأصيل وإستباقاً لجنى ثمار الثورة، بعيداً عن (الممكن) ومع نفس الرغبة فى اللعب على (المضمون) وهو: أن مبارك لن يتنحى، ويجب إستثمار لحظة إهتزاز السلطة قبل أن تعود زمام الأمور بالكامل إليها. كان الشباب هم الأكثر وضوحاً وتلقائية فى مطالبهم.. التى ارتفعت إلى ضرورة "إسقاط النظام" أو على الأقل "رحيل مبارك"؛ وهو ما تم بفضل من الله، وكانت لحظة انتصار حقيقية، ولا ألتفت إلى محاولات تصوير الثلاث سنوات الماضية على أنها كانت تسير وفق خطة "الدولة العميقة" المدروسة منذ خلع مبارك.. حتى الوصول إلى ما نحن فيه الآن، فالحقيقة أن مصر ليس لديها قيادة فى موقعها قادرة على التخطيط لمدة ثلاثة أشهر.. وليس ثلاث سنوات شديدة الإزدحام بالأحداث والإضطراب فى المواقف!. ذهبت آثار المفاجأة المليونية من ذهن المجلس العسكرى، المشهد المهيب بدأ يتبدد، وبدا الثوار كشرازم غير متفقة على جدول أو أجندة، وهنا راح العسكريون يفرضون أجندة واحدة. كان الإخوان كعادتهم الأفضل تنظيماً.. فكانوا أقوى الأطراف فى التعامل مع (مجلس طنطاوى العسكرى) وأكثرهم تحديداً للأهداف، ودفعوا فى إتجاه (الإنتخابات) قبل (الدستور)، ونجحوا فى هدفهم. نشطوا فى التواصل مع الولاياتالمتحدة وحلفائها؛ لتقديم أنفسهم باعتبارهم البديل المناسب.. الذى يجمع بين (تمثيل الثورة) و (مراعاة مصالح هذه الدول). أحتفظوا بتأثير كافى على (السلفيين) والطوائف الأخرى لتيارهم. أحتفظوا بتأثير كافى على (الفقراء).. وما أكثرهم؛ بدءً من القوافل الطبية وسرادقات اللحوم المدعمة، والسلع والمنتجات المختلفة. خطبوا ود (الثوار) من وقت لآخر، حتى انقطع حبل الود بحصول الإخوان على أغلبية المجلس (موتوا بغيظكم) وإعتبار أن مناوشات الثوار فيما بعد تستهدف نجاحهم الشخصى وليس تحقيق أهداف ثورة. ظل (الثوار) يعيبهم سوء التنظيم وتشتت الكلمة وإفتقاد البوصلة، وإستنكار كل من يحاول تمثيلهم باعتباره "قافز على الثورة" والحرص على أن تظل "ثورة بلا قيادة"، ناهيك عن التخوين المجانى والتصنيف الأحمق والتخريب المراهق.. الذى يضر القضية الثورية ولا يفيدها. لعب الإخوان اللعبة فيما يبدو بنجاح.. نكوصهم بالوعد (أنه لا رئيس من حزبنا.. بل من تيارنا) ولعبهم بطريقة (السياسة نجاسة) المنسوب تسميتها للراحل كمال الشاذلى.. فترشيح الشاطر ثم مرسى. النموذج التونسى بدعم الإخوان لمنصف المرزوقى (اليسارى) على مقعد الرئيس.. كان أنضج من أن يطبقه إخوانهم فى مصر؛ لأن مخزون إنعدام الثقة بين "النخب" المصرية هائل، مع الميول الأساسية للإخوان إلى أن التمكين لن يتم بالنسبة لهم إلى بأبناء الجماعة، ما جعلهم كل البعد عن دعم (صباحى)… كما أن "كِبرهم" يمنعهم من دعم (أبو الفتوح) الذى سبقهم بموقفه الصحيح، والأفضل لهم أن يقدموا أحد أبناء الجماعة حتى لو كان (محمد مرسى). كما أفتقد الثوار البوصلة بعد ال 18 يوم؛ أفتقد الإخوان لبوصلتهم بعد الوصول للرئاسة. بدا صف 25 يناير وقد تاه تماماً، بل وفى نقطة.. أنقلب على بعضه، وكانت هذه لحظة مناسبة لإستعادة "الدولة العميقة" ومريديها لقوتهم، بل أكثر، لمبرر عودتهم. (الله يخرب بيت الثورة.. واللى بييجى منها) وصف ستجده على ألسنة مصريين كثيرين، تركوا "الحمار" ومسكوا فى "البردعة".. أو الثورة، لكنهم باتوا بعد سنوات من 25 يناير معادون أو نادمون على الثورة، إلا قليل منهم لا يزالوا متمسكون بالحلم. السؤال الآن: هل يبقى للثورة صوتاً؟. على إفتراض نجاح عبد الفتاح السيسى وإخفاق حمدين صباحى فى معركة رئاسة الجمهورية القادمة؛ أقول أن الأسباب الموضوعية لنجاح الموجة الثورية 25/30 تكون قد أنتهت، وأى إنجاز ثورى فى (العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية) خلال حكم السيسى ستبقى من باب الإستثناء والمفاجأة.